الفجوة الـمالية وفجوة الأخلاق

بقلم فوزي عساكر
رئيس تحرير مجلة «العالمية»
في مطلع شبابِهم، كان أولاد الحيّ يؤلفون جمعية شبابية تُعنى بالنشاطات الاجتماعية، وضمّت الجمعية العشرات من الشبان والصبايا، وكانت برئاسة أحد مؤسّسيها. وهذا الرئيس كان يدفع كل تكاليف الاحتفالات، فيما الآخرون يَجتمعون حول ورقة الحساب ليتقاسَموا الأرباح، ويُسائلوا الرئيس عن سعر قلم الرصاص!
وفي أحد الأيام، اقترح عليهم الرئيس، أن تكون المسؤولية مداورة بينهم، فوافقوا لأنّ البشر يعشقون الزعامة، حتى ولو تولّوا القيادة وهم لا يقودون، مع كل احتمالات التصادم في جدران الحياة! فانتخب الأعضاء رئيسًا جديدًا بالإجماع، وتولّى الرئاسة مع أحدهم لأمانة الصندوق، وسافر الرئيس السابق لعملٍ خاص، واصطحب معه الرئيس المنتخب على حسابه الخاص.
في بلاد الاغتراب، ومن اليوم الأول، كان الرئيس المنتخب يصرف المال من دون حساب، فلفتَ الرئيس السابق نظره إلى أنّهما في الغربة، وأمامهما شهر، قد لا يكفي مالُهما لشهر كامل. ولكن من دون جدوى.
وبعد شهر رجعا من السفر، وعُقدَت جلسة للجمعية، فتبيّن أنّ الرئيس المنتخب متواطئ مع أمين الصندوق، واختلسا المال مناصفةً، وهذا ما كان يَجعله يُنفق المال بدون حساب أثناء سفره.
عندها، وحفاظًا على الصداقة، قرر أعضاء الجمعية تقسيط المبالغ حتى تسديدها كاملة خلال سنة، على أنّها ديون – لتفادي كلمة سرقة. ومضت السنة وبعدها السنوات، وكان اسـماهُما ينتقلان من سجلّ إلى سجلّ، حتى رجع الرئيس الأول إلى الرئاسة، فأصدر قرارًا بإعفائهما من المال كي لا ينتقل إلى أجيالٍ وأجيال على دفتر الحسابات، وأصدر قرارًا بعدم تسليف أحد بعد الآن- كي لا يبدو أنّهما اختلسا المال العام.
فغضب السارقان، ومزّقا القرار أمام الجميع، معترضَينِ على هذه «الإساءة»، معلنَينِ أنّهما لم يعلنا إفلاسهما ليصدرَ بِحقهما هذا القرار. وانتهت الصداقة بعد عمر طويل!
كانت تلك، هي الفجوة المالية بين الأولاد، انتهت بفجوة الأخلاق. وتسألون اليوم في لبنان، عن الفجوة المالية، بِحضور المسؤولين الذين أهدروا المال العام، ويُحاضرون بالعفّة، ويرفضون أن نسمّيهم بالحراميّة؟!
إنه وطن الأرز، وفي «مَحميّاته» تكمن الفجوة الـمالية، وفي رؤوس عصاباته فجوة الأخلاق! فكفاكم تفتيشًا أيّها المتحمّسون لبناء وطنٍ «نظيف»، باتت إسرائيل ترسم خرائطة الجديدة، لأنّ «الرزق السايب بيعلّم الناس الحرام!».
فوزي عساكر