المبادرة المصرية في لبنان في الحسابات الاقليمية الدقيقة

4

مصباح العلي

زيارة رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى بيروت لم تكن حدثاً بروتوكولياً عابراً؛ فقد حملت رسالة مصرية واضحة بأن القاهرة تسعى لإعادة تفعيل دور دبلوماسي وأمني يهدف إلى تثبيت هدنة أوسع واحتواء الانفجار الإقليمي بعد ما تحقق في غزّة.

لكن قراءة أثر الزيارة على الأرض تقودنا إلى استنتاجين متلازمين: الأول أن القاهرة تعمل بمنطق «الوساطة التكاملية» — محاولة ربط نتائج ملف غزّة بمساحة تفاوضية في لبنان — والثاني أن هذا المنطق يواجه قيوداً موضوعية تجعل من تخويل المبادرة لـ«نجاعة فورية» أمراً بعيد المدى.

أولاً — منطق القاهرة ومحدّداته

مصر تملك حوافز استراتيجيّة: استعادة الثقل الإقليمي، حماية حدودها الأمنية، وتفادي انزلاق المواجهة إلى حرب إقليمية أوسع. لذلك اختارت أن ترسّخ دور الجهاز الأمني في اتصالات مكثفة مع كل الأطراف الإقليمية واللبنانية والإسرائيلية. لكن قدرة القاهرة على «فرض حلول» محدودة من دون ضمانات دولية أوسع (أميركية-أوروبية) أو قبول صريح من تل أبيب.

ثانياً — حسابات إسرائيل: لماذا قد ترفض التشريعات المصرية؟

الفرضية المصرية قد تفترض انتقالاً مماثلاً لاتفاق غزّة إلى جبهة لبنان. عملياً، حسابات القيادة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو تبدو مختلفة: هناك ميزان سياسي داخلي يقيس من خلاله القائد الإسرائيلي رصيده أمام قاعدته الانتخابية والأمنية، ووجود رؤية لتوسّع نفوذ إقليمي يجعل أي تنازل عن أهداف استراتيجية (كتفكيك بنية سلاح مقابل هدوء مؤقت) أقل جاذبية إن لم يرافقه مكاسب حاسمة. تقارير أخبرت عن لقاءات رشاد في تل أبيب وبيروت ما يؤكد أن القاهرة تعمل على مد قناة تفاوضية لكنها لا تملك ضمانات للتنفيذ من الجانب الإسرائيلي.

ثالثاً — بنود المبادرة والاحتكاك مع واقع المقاومة

تسري تقارير تفيد بأن المبادرة المصرية طُرح فيها وقف لمدة محددة مقابل تطمينات إسرائيلية حول نقاط انتشار أو «تراجع» لحزب الله جنوباً. إن كانت هذه الصيغة صحيحة فثمة إشكال عملي: لبنان يواجه سؤالين متزامنين — كيف تُحفظ سيادته، وكيف تُقدّم ضمانات تُقنع الطرفين؟ نزع السلاح أو تقييده دون إطار سياسي داخلي يضمن إعادة دمج فاعل مسلّح داخل بنية الدولة سيؤدي إلى فراغ أمني وسياسي يصعب إدارته.

رابعاً — سيناريوهات محتملة

  1. إخفاق مبادرة القاهرة: تزداد العمليات وتبقى الضغوط على لبنان للتنازل؛ يبقى المشهد عسكرياً مفتوحاً مع تعطّل مسارات الحل السياسي.
  2. تثبيت هدنة مؤقتة: اتفاق تقني لوقف إطلاق نار لثلاثة أشهر مع مراقبة، مقابل بعض التنازلات المحلية؛ حل هش يحتاج ضمانات دولية.
  3. حل إقليمي شامل: نادر لكنه الأكثر استقراراً؛ يتطلب قنوات أميركية-روسية-خليجية فاعلة وتوافق إسرائيلي محدود، وهو احتمال ضعيف على المدى القصير.

خامساً — توصيات استراتيجية قابلة للنقاش

ربط أي هدنة بضمانات دولية مؤسسية: لا يكفي توقيع ميداني أو بيان؛ مطلوب إطار مراقبة متعدد الأطراف يشارك فيه ضامنون إقليميون ودوليون.

تفكيك الخطاب الأمني لصالح إعادة بناء مؤسسات الدولة: أي معالجة لسلاح فاعل مسلح يجب أن تُوازَن بخطة استيعاب سياسية وأمنية واقتصادية.

مسار تفاوضي متدرّج: خطوات متبادلة قابلة للقياس (وقف متدرّج  إجراءات ثقة ملف الأسرى/المختطفين) بدلاً من «قفزة واحدة» من دون آليات تنفيذ.

استثمار المجتمع الدولي: القاهرة وحدها لا تكفي؛ الدور الغربي والروسي والإقليمي يجب أن يتحوّل إلى رافعة ضمان وليّست فقط وسيطاً ناقلاً للرسائل.

المبادرة المصرية أعادت القاهرة إلى الطاولة الإقليمية ووفّرت نافذة تفاوضية مهمة، لكنها تواجه معضلات استراتيجية جوهرية: تناقض الأهداف الإسرائيلية مع المصالح اللبنانية الداخلية، وغياب ضمانات تنفيذية كافية. لذلك، ليس السؤال إذا كانت المبادرة «أثراً بعد عين» فحسب، بل هل ستتحول إلى نقطة انطلاق لحل تدريجي يعتمد على ضمانات متعددة الأطراف أم ستبقى محاولة موقتة بلا تأثير جوهري؟ الجواب يعتمد على من سيربط السيطرة السياسية بالضمانات الأمنية — وعلى استعداد المجتمع الدولي لأن يتحول من متفرج إلى ضامن فعلي.

مصباح العلي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.