المحال التجاريّة تستوليّ، و”البارك ميتر” الحلّ الغائب

31

بقلم نادين شلهوب

 

في مشهد يتكرر يوميًا أمام أعين البلديّات والشرطة وكلّ المعنيين، مع معرفة الرقيب والحسيب، تقوم العديد من المحال التجاريّة في المدن والأسواق الحيويّة بحجز المواقف العامّة أمام محالها بشكل استبداديّ، وتمنع المواطنين من استخدامها وكأنها ملك خاص لها. تُستخدم السلاسل، الأقماع، اللافتات، وأحيانًا العمّال لحراسة هذه المساحات وكأنها ممتلكات شخصيّة، على الرغم من أنها تقع ضمن نطاق الملكيّة العامّة.

ببساطة، شوارع مزدحمة، أسواق تجاريّة حيويّة، والمواقف محجوزة على الرغم من وجود فراغات.

هذا السلوك لا يمثل فقط تعديًا على الحقوق العامّة، بل يُعّد شكلاً من أشكال الفوضى الحضريّة، التي تعكس غياب التنظيم والمساءلة.

المواطن البسيط الذي يبحث عن موقف لقضاء أعماله أو التسّوق، يُفاجأ بعبارات من قبيل: “ممنوع الوقوف – خاص بالمحل”، من دون أي سند قانونيّ، وكأن الشارع بات يُدار بمزاج التجّار لا بأنظمة البلديّة.

المحل لك، لكن الرصيف والشارع ليسا لك:

من يشتري أو يستأجر محلًا تجاريًا، لا بدّ له ان يعلم، ان ملكيّته تنحصر في حدود المحل فقط، ولا تمتد لتشمل الرصيف أو الشارع أمام محلّه. الرصيف ليس جزءًا من المحل، ولا الطريق المقابل له يُعد امتدادًا لملكيّته. لا يحق له وضع محتويات أو بضائع على الرصيف، ولا الإستيلاء على المواقف العامّة بحجة أنها “أمام المحل”. هذا التعدّي يشوّه المدينة ويضّر بمصالح الناس ويجب أن يُواجه بالردع الفوري.

أين الجهّات المعنيّة؟

المفارقة أن هذه التجاوزات تمّر مرور الكرام على أعيّن الجهّات المعنيّة، لكن من دون تدخلّات منها، لا توجد محاسبة حقيقيّة، ولا آليات رقابة فعّالة تضع حدًا لهذا الاستحواذ غير المشروع. يُساء استخدام الأماكن العامّة، ويُحرم المواطن من أبسط حقوقه، بينما تقف الجهات التنظيمية موقف المتّفرج، ليطرح السؤال نفسه هل زمن الوساطات ما زال قائماً؟!

“البارك ميتر” الحلّ الغائب:

الحلّ واضح ومجرّب، إعادة تفعيل نظام “البارك ميتر” (عدادات المواقف) في الشوارع والأسواق التجاريّة الحيويّة المزدحمة. فبالإضافة إلى كونه أداة لتنظيم استخدام المواقف بعدالة، فإنه يمثّل مصدر دخل ثابت للدولة، يعود بالنفع على الخزينة العامّة بدلًا من ذهاب هذا “المدخول” لجيوب أصحاب المحال الذين يتّربحون من حجز المواقف من دون وجه حق.

وجود “البارك ميتر” يفرض رسومًا عادلة، يمنع الإستغلال، يوّفر بيئة حضرية منظّمة، ويحّد من الفوضى الحاليّة التي باتت تشّوه وجه المدينة وتؤجج غضب المواطنين.

أصوات من الشارع:

أبو فادي، مواطن لبناني من سكّان أحد الأحيّاء التجاريّة، يقول:

“ما أقدر أوقف حتى دقيقة قدام المحلّات،على طول يطلع العامل يقول هذا موقف خاص! طيب الشارع عام، ليش الدولة ساكتة؟ وليش البلدية سامحة بهالشي”

أم سمر، سيدة تتنقل بسيارتها لقضاء أعمالها، تعلّق:

“أوقف عشان أشتري غرض من محل واذا ما لقيت طلبي مفروض ابرم بالسيارة من محل لمحل، لأن المواقف فاضية بس مقفلة بسلاسل، شو هالمعاناة”.

الى متى ستطول هذه المعاناة؟

حجز موقف عام هو انتهاك صريح للحق العام، ووجه من أوجه الفساد الحضري. المواقف العامّة يجب أن تبقى متاحة للجميع، بلا تمييز ولا استحواذ. ولا يجوز أن تُدار الشوارع حسب أهواء التجّار أو نفوذ بعض أصحاب المحال.

نحن بحاجة إلى وقفة حازمة من البلديات، والمرور، وكلّ جهّة مسؤولة، لوضع حدّ لهذا العبث. نريد مدينة يُحترم فيها القانون، ويُصان فيها الحق العام، وتُعاد فيها الأمور إلى نصابها.

في ختام الخلاصة، هذا الإستبداد في الشوارع لا يقل خطرًا عن الاستبداد في الحكم. إن كنّا نريد مدنًا عادلة، حضرية، ومنظمّة، فعلينا أن نبدأ من التفاصيل الصغيرة التي تمّس حياة الناس اليوميّة، وأوّلها المواقف العامّة. فإما أن يُعاد الحق لأهله، أو أن نواصل السير في طريق الفوضى، وفي كلّ الحالات، وحده المواطن من يدفع الثمن دومًا.

نادين شلهوب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.