المشهد المسيحي البلدي: عقارب الساعة إلى التقليديين!

27

بقلم كلير شكر

«اساس ميديا»

مع إتمام ثلاث جولات من الانتخابات البلدية والاختيارية، بات شبهَ مكتمل المشهدُ السياسي الناتج عن فتح صناديق الاقتراع. لكنّ غيرُ دقيق إسقاطَ أرقام الاستحقاق البلدي على الانتخابات النيابية المرتقب حصولها صيف عام 2026، نظراً للاعتبارات العائلية والمحلّية التي تطغى على الأولى، وهو ما أدى الى نسج تحالفات سياسية هجينة غير متجانسة، لا بل “انفصاميّة” في بعض الأحيان، ونزع الطابع السياسي الدسم عن معظم هذه المعارك. ومع ذلك، يصحّ وصف بعض معطيات الفرز، لا سيما في البلدات الكبرى والمدن، بالمؤشّرات الممكن البناء عليها. والمشهدية المسيحية نموذج يجوز تفصيله وقراءته بالمنظار السياسي.

بشكل عامّ، سجّلت صناديق الاقتراع في المدن والبلدات المسيحية الكبيرة ملاحظات أوّليّة يمكن اختصارها بالآتي:

  • بيّنت النتائج أنّ نسب الاقتراع تراجعت مقارنة بالانتخابات الأخيرة التي جرت في عام 2016، وهو ما يدلّ على أنّ معدّلات الهجرة إلى ارتفاع عند كلّ الطوائف، ولكنّ المؤشّرات لدى الطوائف المسيحية تظهر فاقعة.

بيّنت أيضاً أنّ المزاج المسيحي لم يبدِ حماسة كانت بديهيّة لاستحقاق جرى انتظاره لثلاث سنوات لكن جرى “سلقه” وحرمان الكثير من المرشّحين، لا سيما ممّن لم يستفيدوا من وجودهم في المجالس التي كانت قائمة، من الوقت الكافي لخوض حملات انتخابية مقنعة أو وافية لتغيير الوقائع. فقد تدنّت نسبة المشاركة في جبل لبنان من 38.70% في عام 2016 إلى 31.16% في 2025. وبالتفصيل، انخفضت في المتن من 35.2% إلى 26.89%، وفي كسروان من 46% إلى 42.46%، وفي جبيل من 43% إلى 41.17%.

أين الشّباب؟

بالتحديد، يمكن القول إنّ الانتخابات لم تولّد مفاجآت كبيرة، غير متوقّعة، لا بل بيّنت أنّ الشارع المسيحي عاد إلى المربّع الأوّل: الأحزاب التقليدية والبيوتات السياسية، وخلت الساحة من انقلابات معبّرة كان يُتوقّع أن يشهدها الاستحقاق، في إشارة إلى انخراط عنصر الشباب الرافض للموروثات.

غير أنّ النتائج أعادت تثبيت حضور القوى التقليدية، وكأنّ الساعة تعود بعقاربها عقدين من الزمن أو أكثر، لتطيح موجة الثورة والانتفاضات… حتّى إنّ معارك اتّحادات البلديّات بدت عصيّة بدورها على أيّ تغيير. والأرجح أنّ هذه الخلاصات ناجمة عن معطى واحد: لا بديل جديداً مقنعاً للمسيحيين استطاع أن يزيح الموجودين عن مكاناتهم.

  • حقّقت “القوّات” نتائج جيّدة جعلتها متقدّمة على غيرها، ولوحظ أنّ عمل ماكيناتها اتّسم بالتنظيم اللافت، وهو ما أتاح لها تظهير انتصارات كثيرة حتّى لو مبالغاً فيها، لأنّ العائلات هي الدينامو الفعليّ للمسارات الانتخابية، لكنّها نجحت في نسج علاقات مع الكثير من المرشّحين، غير المحسوبين عليها، لترفع من رصيد حضورها، وتقدّم نفسها مرجعيّة أساسية.

الظّروف السّياسيّة لمصلحة “القوّات” ولكن…

لكن ما لا يمكن تجاوزه في تقريش هذه الحسابات هو أنّ المناخ السياسي العامّ هو لمصلحة “القوّات” بعد التطوّرات السياسية في لبنان والمنطقة، وجعلها رأس حربة القوى المتوثّبة. ولذا كان من المتوقّع أن تُحدث الانتخابات، على الرغم من محلّيّتها وحساباتها المعقّدة، موجة تأييد كبيرة تجرف على متنها “القوّاتُ” المجالسَ البلدية في المناطق المسيحية. لكنّ الأرض لم تمنحها ما كانت تنتظره، باستثناء زحلة التي كان يُنتظر أن تكون نموذجاً لحضور “القوّات” في البلديّات الكبرى. وهو ما يدلّ على أنّ معراب لم تحقّق نقلة نوعيّة في حضورها عبر جذب الفئات المستقلّة التي عادة ما تشكّل الفرق في أيّ استحقاق.

بدت “القوّات” في سلوكها الترشيحيّ وكأنّها تقتحم سباق البلديّات للمرّة الأولى، بمعنى أنّها لم تنجح في تأهيل كوادر حزبية لخوض غمار السلطات المحلّية، وإذا فعلتها فهي لم تجرؤ على خوض المعركة بأحصنة حزبيّة، فلجأت إلى عباءة العائلات لتختبئ خلفها.

على المقلب الآخر، تمكّن “التيّار الوطني الحرّ” من الصمود في وجه المتغيّرات الكبرى على الرغم من أنّ الرياح السياسية لا تُجاري سفنه وكانت الخشية من معاقبته في الشارع المسيحي، وعلى الرغم من الخلافات التي اعترت صفوفه في الكثير من البلدات، فتوزّعت أصواته بين أكثر من لائحة، لكن يكفي وضع أرقام بلديّة جونية التي حسمت نتائجها محدلة تحالف “القوّات” – فريد الخازن – نعمت إفرام – منصور البون، ونال رئيس لائحتها فيصل إفرام حوالي 5,300 صوت مقابل 3,000 صوت حقّقها “التيّار” بمفرده، للإشارة إلى أنّ الأخير يحتفظ بنواته الصلبة وتمكّن من حمايتها.

معارك الاتّحادات على قدم وساق

أيّام قليلة تفصل عن انطلاق قطار انتخابات اتّحادات البلدية التي لها رمزيّتها السياسية، فيما لا تزال المفاوضات جارية على مستوى الأحزاب، لا سيما مع رؤساء بلديّات هم خارج الاصطفافات السياسية لضمان النتائج.

وفق البوانتاجات، لا يزال اتّحاد بلديّات كسروان موضع نقاش، لا سيما على جبهة التحالف الذي اكتسح جونية، ويتردّد أنّ “القوّات” تناور لخطف الاتّحاد لمرشّح أقرب إليها، فيما لا يزال الخازن وإفرام يحاولان البحث عن اسم تقبل به معراب لأنّهما يفضّلان عدم خوض مواجهة معها. ولهذا يُرصد في بورصة الأسماء الكثير من الترشيحات التي تتغيّر بين يوم وآخر. على سبيل المثال نام إيلي بعينو أكثر من ليلة رئيساً للاتّحاد لأنّه مدعوم من إفرام والخازن ثمّ استيقظ على خبر رفضه من “القوّات” التي في حوزتها حوالي عشر بلديّات، وهو ما يجعل الحاجة إليها ماسّة.

من جهته يسعى “التيّار الوطني الحرّ” إلى جمع بلوك يمكّنه من خوض معركةٍ منطلقاً من سكور يضمّ حوالي عشر بلديّات، ويبحث عن مجموعة بلديّات صغيرة قد تسانده في المعركة بوجه تحالف المحدلة. وهذا ما يعني أنّ كسروان مثلّثة الأضلاع في السياسة، ولا بدّ من تحالف ثنائي لحسم النتيجة.

أمّا في المتن فيرجّح أن تبقى ميرنا المر في رئاسة الاتّحاد، وهو مؤشّر لا يمكن إغفاله في مشهديّة المتن السياسية، على الرغم من البروباغندا التي روّجها تحالف القوّات – الكتائب الذي لا يزال يردّد أنّ المعركة على المنخار، لكنّ المقرّبين من رئيسة بلديّة بتغرين يجزمون أنّ في جيبها 19 صوتاً من أصل 33 صوتاً. وهذا ما يشير إلى أنّ تركيبة المتن لا تزال تعدّدية ولا غلبة لأيّ فريق على آخر.

كذلك الأمر في زغرتا، حيث يرى مقرّبون من النائب ميشال معوّض أنّ المعركة متكافئة وستكون بين رئيس بلديّة كفرحاتا خليل شمر الذي فاز بالتزكية، وهو معروف أنّه مستقلّ، وغير محسوب على أيّ فريق، وبين بسّام هيكل، العضو في مجلس بلديّة أردة، والمدعوم من “تيّار المردة”، وهي مفارقة، إذ يقول مقرّبون من هذا الفريق إنّ 17 رئيس بلديّة سيعطون صوتهم لهيكل بينهم 3 محسوبون على “التيّار الوطني الحرّ”. وبالنتيجة، إذا تطابقت حسابات “المردة” مع المعطيات التي لديه حتّى الآن، فهذا يعني أنّه خرج من معموديّة البلديّات، لا سيما في عقر داره الزغرتاوي، بارتياح يُسجَّل لطوني فرنجية.

كلير شكر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.