المواجهة الإيرانيّة – الإسرائيليّة الثّانية… على الأبواب؟
بقلم ابراهيم ريحان
«أساس ميديا»
لا يُمكن فصل ما يجري على السّاحتَيْن العراقيّة واللبنانيّة وانكفاء الحوثيّين، عمّا يُحضَّرُ في الكواليس بشأن إيران. لا يمكن فهم تصلّبِ موقف “الحزبِ” في لبنان بشأنِ التّمسّك بسلاحه، وعودة نشاطِ الميليشيات العراقيّة بعد انكفاءٍ عن الواجهة دامَ لـ9 أشهر، وانكفاء الحوثيّين عن المشهد، إلّا في إطار الاستعداد لمواجهة جديدة بين إسرائيل وإيران.
لم يعُد السّؤال إن كانت تل أبيب وطهران ستخوضان جولةً جديدة، بل باتَ السّؤال متى ستكون الجولة الثّانية؟
كثيرةٌ هي المؤشّرات العلنيّة وغير العلنيّة إلى اقتراب موعد الضّربة الثّانية لإيران:
1- يُؤكّد مصدر سياسيّ غربيّ لـ”أساس” أنّ روسيا فتحت جسراً جوّيّاً لم يهدأ طوال الأسابيع الماضية لنقل وسائل دفاعيّة وقتاليّة إلى إيران. ارتفعَت وتيرة حركة طائرات الشّحن الرّوسيّة منذ أن فشلت مساعي عقدِ لقاءٍ ثانٍ بين الرّئيسَيْن الأميركيّ دونالد ترامب، والرّوسيّ فلاديمير بوتين، بخاصّة أنّ الملفّ النّوويّ الإيرانيّ بات يرتبطُ ارتباطاً وثيقاً بملفّات البحثِ المُعقّدة بين موسكو وواشنطن، التي يتقدّمها ملفّ الحرب الرّوسيّة – الغربيّة في أوكرانيا.
2- كلام مُستشار المُرشد الإيرانيّ علي أكبر ولايتي بعد اتّفاق وقف الحربِ في غزّة عن أنّ ذلكَ قد يعني إقفال جبهةٍ لفتحِ جبهةٍ أخرى.
3- توقّف المفاوضات الإيرانيّة – الأميركيّة، وصعوبة إعادة إطلاقها، على الرّغم من الجهود العُمانيّة – القطريّة الحثيثة لإعادة استئنافها. ويكشف مصدر عربيّ لـ”أساس” أنّ لقاءً غير مباشرٍ على مستوى خبراء سياسيّين أميركيّين وإيرانيّين عُقِدَ قبل 10 أيّام في إحدى العواصم العربيّة، إلّا أنّه لم يُحرز أيّ تقدّم.
4- إعلان طهران نيّتها تشييد 8 مفاعلاتٍ نوويّة جديدة، وذلكَ بالتّزامن مع انتهاء مفاعيل اتّفاق 2015 (JCPOA).
5- علمَ “أساس” أنّ مجلس الأمن القوميّ الإيرانيّ ناقشَ غير مرّة ما اعتبره أسباب الإخفاقات في جولة الـ12 يوماً في شهر حزيران الماضي، وخَلُصَ إلى أنّ حذرَ إيران من انخراط حلفائها في المواجهة وتريّثها في استهداف القواعد الأميركيّة وإغلاق مضيق هرمز كانا خطأ لا ينبغي تكراره في المواجهة الثّانية.
6- الضّغط الأميركيّ المُتصاعد على أذرع إيران في لبنان والعراق. تدخلُ في هذا الإطار الزّيارة التي قامَ بها مسؤولون أميركيّون للبنان نهاية الأسبوع الماضي لمناقشة سُبل منع تمويل “الحزب” ووقف نشاطه الماليّ، والضّغط الذي يُمارسه مبعوث الرّئيس دونالد ترامب إلى العراق مارك سافايا على الحكومة العراقيّة لنزع سلاح الميليشيات.
7- تسريب محتوى المكالمة الهاتفيّة بينَ وزيرَيْ الدّفاع الأميركيّ بيت هيغسيث والعراقيّ ثابت العبّاسيّ، التي تضمّنت تحذيراً أميركيّاً صريحاً وواضحاً من أنّ واشنطن ستردّ بقوّة في حال تدخّلت الفصائل العراقيّة في “عمليّات عسكريّة يجري التّحضير لها في المنطقة القريبة من العراق”. وهذه إشارة ضمنيّة إلى ارتفاع أسهم توجيه ضربةٍ جديدة لإيران.
تحوُّل استراتيجية إسرائيل
أكّدَت الجولة القتاليّة الأولى بين إسرائيل وإيران أنّ استراتيجية إسرائيل انتقلَت ممّا كان يُعرف بنظريّة “المعركة بين الحروب” إلى الهجوم العسكريّ الواضح. إذ منذ قرّرت إسرائيل تغيير طريقة تعاطيها الأمنيّ والعسكريّ بعد 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، كانَ واضحاً من تسلسل الضّربات في غزّة ولبنان وسوريا، ومعها سياسة الاغتيالات غير المسبوقة وسقوط نظام بشّار الأسد، أنّ إسرائيل تُسقِط دفاعات إيران تمهيداً لضربها على أرضها.
يمكن تقسيم الاستراتيجية الإسرائيليّة تجاه إيران إلى 3 نقاطٍ يرتبط بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً:
– الأولى: ضربُ ما أمكن من القدرات اللوجستيّة لإيران ومحاولة تفكيك شبكات نقل الأسلحة والأموال إلى وكلائها في المنطقة، وتحديداً في لبنان واليمن. يتضمّن ذلكَ أيضاً تكثيف سياسة الاغتيالات والعمليّات الاستخباريّة، العلنيّة منها والسّريّة.
– الثّانية: محاولة تقييد البرنامجَيْن النّوويّ والصّاروخي من خلال اتّباع سياسات تُعرقل إنتاج الصّواريخ وتخصيب اليورانيوم، ورفع الكلفة على الجهات المعنيّة بهذيْن البرنامجَيْن من خبراء وعاملين.
– الثّالثة: الحفاظ على التّفوّق العسكريّ والاستخباريّ والتكنولوجيّ عبر تكامل الهجمات الجوّيّة البعيدة المدى والهجمات الإلكترونيّة على المنشآت الحيويّة الإيرانيّة.
غياب سياسات الاحتواء
منذ أن أعلنَ الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب وقف إطلاق النّار بين إسرائيل وإيران في تغريدةٍ على منصّة “تروث سوشيل”، لم تظهر أيّ محاولات جدّيّة لاحتواء إمكان تجدّد المواجهة. وهذا ما يجعل وقفَ إطلاق النّار بين الجانبَيْن هشّاً للغاية.
1- لم تقف المواجهة على أساس اتّفاقٍ سياسيّ، بل بسبب إرادة ترامب وقفها من دون أيّ ترتيبات سياسيّة على الجانبَيْن، بما في ذلك غياب آليّات الرّقابة لقرار وقف إطلاق النّار.
2- لم تصل المواجهة إلى نتيجةٍ حاسمةٍ بانتصارٍ كاملٍ لفريق على آخر. إذ اكتفى الجانبان بتبادل الضّربات وتسجيل النّقاط، من دون غلبةٍ واضحة. وهذا ما تركَ فراغاً استراتيجيّاً زادَ من وتيرة التهديدات المُتبادَلة بين تل أبيب وطهران.
3- استغلّ الجانبان فترة وقف إطلاق النّار لإعادة ترتيب القدرات الهجوميّة والدّفاعيّة ومعالجة الثّغرات التي ظهرَت في الجولة الأولى.
4- انعدام الثّقة بين طهران وواشنطن، بخاصّة أنّ إيران تعرّضت للهجوم الإسرائيليّ بضوءٍ أخضر أميركيّ قبل 48 ساعة من جولةٍ تفاوضيّة كانت مُقرّرة في سلطنةِ عُمان. وهذا ما يجعل انهيار الهدنة بين إيران وإسرائيل وارداً في أيّ لحظة.
ابراهيم ريحان
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.