انتخابات الكويت … لا مظلة فوق رأس البرلمان

30

بقلم خيرالله خيرالله

عشية الانتخابات الكويتية في 4 نيسان \ابريل 2024، عادت الصحافة الغربية الى الاهتمام بالكويت بعد فترة من التوقف، وكتبت صحيفة «جورنال اوف ديموكراسي» الاميركية مقالا تحليليا عن الكويت متسائلة:»هل سيكون البرلمان المقبل هو الأخير؟».

وما لا يعلمه الاعلام الغربي ان النظام الحالي في الكويت غير مضطر لأن يكون البرلمان المقبل هو البرلمان الأخير لاسباب عدة منها:

ان رأس الدولة الامير الشيخ مشعل الاحمد ألزم نفسه في احد خطاباته بالحفاظ على التجربة الديموقراطية والبرلمانية الكويتية والحريات العامة، ولا يريد ان يقال ان تعطيلا للحريات تم في عهده خصوصا انه عايش تجارب تعليق البرلمان في السابق.

ان الشيخ مشعل الاحمد يتعامل بمسطرة القانون والدستور مع اي انحراف في العلاقة بين السلطتين فلا يتردد في تسمية الامور بمسمياتها حتى وصل الامر في خطاب التنصيب امام البرلمان السابق الى حد اتهامه مجلس الأمة والحكومة بالتواطؤ والاتفاق على الاضرار بمصالح البلاد العليا .

ان الشيخ مشعل القادم من خلفية أمنية وعسكرية يحمل ارثا كبيرا من فرض القانون في القطاعات التي تحمل مسؤوليتها خصوصا في «الحرس الوطني» الذي كان نائب رئيسه لسنوات حقق خلالها في هذه المؤسسة الكثير الكثير من الانضباط والتطوير، كما خلال توليه منصب ولي العهد. وينقل زوار عنه انه لن يكسر هذه الارث من خلال الايعاز للحكومة بعقد صفقات سياسية مع مجلس الأمة كما كان يحصل سابقا بحجة استقرار العلاقة ولو على حساب القانون والادارة والتعيينات وكل ما يمس خزينة الدولة.

ان النظام في الكويت ووفق هذه الخلفية لا يهمه من يفوز او يسقط في الانتخابات المقبلة بقدر ما يهمه التزام كل سلطة بحدودها وتعاون السلطتين لما يسميه الصالح العام وليس تواطئهما على الاضرار بمصالح الدولة. وهذا النظام تحديدا لن يتوانى عن تطبيق القانون ان حصل انحراف في مسيرة المجلس او سلوك الحكومة. بمعنى آخر، لا تعول السلطة الكويتية على تغيير الوجوه في البرلمان المقبل حيث ترجح عودة كثيرين من المجلس السابق، بل على تغيير السلوك وفق مسطرة القانون. بهذا المعنى يمكن ان يتكهن المراقبون أن امكانية حل المجلس دستوريا ممكنة كلما حصل تجاوز للدستور.

الانتخابات الكويتية دلالة على حيوية غير مسبوقة في هذه الدولة الخليجية التي تراجعت في مجالات كثيرة بسبب المسار السياسي الذي شل التنمية والتطوير والتغيير من جهة، وبسبب تمدد تيار الاسلام السياسي بقوة في الحياة العامة وفي البرلمان، وحول العمل لانجاز برامج ومشاريع الى جدال من نوع منع الاختلاط بين الجنسين في الجامعة، او الاختلاط في الشواطئ او مسابح الفنادق او الحفلات، وكان لافتا ان وثيقة سميت بوثيقة القيم كانت تدور على المرشحين للنيابة للالتزام بها وحصدت سابقا توقيع نحو 28 نائبا من اصل 50.

200 مرشح سيخوضون المعركة لايصال 50 منهم الى البرلمان. المقاعد ستتوزع على محافظين تقليديين وابناء القبائل ومتشددين اسلاميين بين اخوان وسلف وقلة ليبيرالية. وهناك معادلة يرى البعض انها اساس تنافسي في بعض الدوائر وتتمثل في ان كلا من الشيخ احمد الفهد وزير الدفاع السابق يشجع ويدعم ويعمل على ايصال مجموعة نيابية موالية له في اطار ما يراه «حقا مشروعا له في سعيه الى مركز متقدم في السلطة»، في مقابل سعي رئيس مجلس الامة السابق مرزوق الغانم على دعم مرشحين معينين من اجل تقوية موقعه في اطار سعيه للعودة الى رئاسة مجلس الأمة. وبين هذين التحركين تبقى حظوظ احمد السعدون الاعلى في حال عادت الى مجلس الأمة تركيبة مشابهة للتركيبة السابقة.

هذه الانتخابات تكاد تكون الاولى التي خلت فيها برامج المرشحين من مشاريع تنموية وخدماتية اساسية. وسيطرت الخطابات العصبية على ما عداها خصوصا مع اعلان وزير الداخلية بالوكالة الشيخ فهد اليوسف حربا على مزوري الجنسيات ومع تصاعد التطرف في هذا الامر من بعض مؤيدي هذه الحرب (غالبيتهم من الحضر) ومن معارضي هذه الحرب (وجلهم من القبليين) . ولذلك لم تخل ندوة او كلمة للمرشحين من التطرق الى هذا الموضوع بحيث طغى على اي موضوع آخر.

وفي سياق لا يخلو من الحساسية، اثار عدد من المرشحين موضوع ولاية العهد باعتباره حقا لا جدال فيه لامير الكويت، لكن البعض جنح في التطرف الى حد اعلان اسماء مرفوضة او مقبولة بحجة ان الدستور يشترط موافقة البرلمان على مبايعة ولي العهد الذي يختاره الامير.وهذا الامر استدعى ردود فعل كثيرة طالبت المرشحين بعدم التجاوز على اختصاصات الامير.

وقت قليل يفصل عن توجه الناخبين الكويتيين الى صناديق الاقتراع، في انتخابات تتم في العشر الاواخر من رمضان، حيث يمضي الكويتيون هذه الايام في المساجد ليلا . ولذلك سعى المرشحون الى استنهاض همة الناس في المشاركة وذهب بعض الدعاة المعروفة توجهاتهم الى الافتاء بأن المشاركة واجب شرعي كون كثافة التصويت قد تعيد وجوها كثيرة من المجلس السابق الى البرلمان وخصوصا من التيار الاسلامي وبالتالي يتم تشكيل كتلة نيابية مشابهة لما كان يحصل سابقا.

وما بين انتخابات وحل، يبدو ان المسيرة الديموقراطية الكويتية تتجدد انما وفق أسس جديدة هذه المرة. نظام يطلق رؤية جديدة وحراك سياسي يقاوم التغيير. لن يكون البرلمان المقبل آخر البرلمانات في الكويت لكن النواب الجدد سيفهمون ايضا ان لا مظلة فوق رأس مجلسهم يحميه من الحل وفق الدستور… ان تم تجاوزه.

خيرالله خيرالله

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.