انتصر ترامب.. انتهت مأساة غزّة

6

بقلم ابراهيم ريحان

«أساس ميديا»

انتهت حرب غزّة. حقّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما أراد قبل العاشر من شهر تشرين الأوّل الجاري موعد إقفال لائحة الترشيح لجائزة نوبل للسلام.

انتصر ترامب محقّقاً ما عجز عنه الآخرون كاتباً اسمه بأحرف من ذهب على شاطىء غزّة وفي سماء الشرق الأوسط. انتهت المأساة الغزّيّة وانتهت معها الأوهام الإسرائيليّة باحتلال غزّة وتهجير أهلها وضمّ الضفّة والقضاء النهائيّ على حلم الدولة الفلسطينيّة.

حبس العالم أنفاسه من بداية ساعات الفجر الأولى بانتظار ما ستؤول إليه المباحثات في القاهرة بين إسرائيل و”حماس” برعاية أميركيّة مصريّة قطريّة قبل أن يطلّ الرئيس دونالد ترامب في منشور على حسابه بتطبيق تروث سوشيل الذي تعود ملكيّته له قائلاً: “أنا فخور جدّاً بأن أعلن أنّ إسرائيل و”حماس” وقّعتا المرحلة الأولى من خطّة السلام الخاصّة بنا”.

ويتابع: “إنّه يوم عظيم للعالمَين العربيّ والإسلاميّ، ولإسرائيل، ولجميع الدول المحيطة، وللولايات المتّحدة، ونشكر الوسطاء من قطر ومصر وتركيا الذين عملوا معنا لتحقيق هذا الحدث التاريخيّ وغير المسبوق”.

ماذا حصل في شرم الشّيخ؟

ماذا دار من نقاشات في الساعات الأخيرة لمفاوضات شرم الشّيخ؟ وما هي النّقاط الخلافيّة التي تجاوزتها الوفود المُفاوِضة؟ ومَن سيضمن عدم العودة إلى الحربِ؟

لم يكن الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب يُطلق كلاماً في الهواء حين أعلنَ المُقترح الأميركيّ لوقف الحرب في غزّة. الأكيد أنّ الورقة الأميركيّة أشمل من اتّفاقٍ لوقفِ إطلاق النّار. تدلّ على جديّة جميع الأطراف، أي طرفَيْ الحرب حركة “حماس” وإسرائيل والدّول الضّامنة للاتّفاق، الاجتماعات المُطوّلة التي عُقِدَت في شرم الشّيخ على مدى الأيّام الماضية.

نقاط النّقاش

لم تهدأ الاجتماعات وتبادل الرّسائل والمُقترحات، حتّى اتّفقَ الجميع على المرحلة الأولى من الاتّفاق التي تشمل إطلاق سراح الرّهائن الأحياء لدى “حماس” دفعةً واحدةً بعد 72 ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النّار. تشير معلومات “أساس” من مصدرٍ إقليميٍّ مُطّلع على المُفاوضات أنّ نقاشات الأيّام الماضية تمحورت حولَ الآتي:

  • آليّة دخول وتوزيع المُساعدات الإنسانيّة. إذ توصّلت جميع الأطراف إلى حلّ يقضي بفتح 5 معابر بشكلٍ فوريّ إلى غزّة.
  • دارَ نقاشٌ حولَ خريطة الانسحابات الإسرائيليّة من المناطق التي دخلها الجيش الإسرائيليّ، وتُقدّر بـ40% من مساحة قطاع غزّة. يُؤكّد المصدر أنّ الضّغوط المصريّة والتّركيّة والقطريّة أفضت إلى تعديلات على خريطة الانسحابات السّابقة، لتشمل مساحاتٍ أوسع من تلكَ التي أعلنها الرّئيس ترامب أثناء إعلانه المُقترح. ولا تنفصل دعوة الرّئيس المصريّ عبدالفتّاح السّيسي للرّئيس ترامب إلى زيارة مصر وحضور توقيع الاتّفاق عن اعتبارها ضمانةً أساسيّةً لعدم عودةِ إسرائيل إلى الحرب أو محاولة الالتفاف على أيّ نصٍّ أو عبارةٍ في الاتّفاق.
  • أصرّ الجانب الفلسطينيّ المُتمثّل بحركتَيْ “حماس” و”الجهاد الإسلاميّ” و”الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين” على أن ينالَ ضماناتٍ تُؤكّد عدم العودة إلى الحرب. فكانَ هُناك تعهّد أميركيّ وقطريّ وتُركيّ بعدم السّماح لأيّ طرفٍ باستئناف الحربِ بأيّ شكلٍ من الأشكال ما دام الجانبان يلتزمان تطبيق ما عليهما من الاتّفاق.
  • إطلاق سراح 20 رهينة إسرائيليّة، وهو العدد المُقدّر للأسرى الأحياء لدى “حماس”. ويُستكمَل تبادل الجثامين والأسرى الفلسطينيّين تدريجاً مع تنفيذ إسرائيل لمراحل الانسحاب من القطاع وفقَ الخريطة المُعدّلة، على أن يبدأ تسليم جثامين القتلى الإسرائيليّين بعد استكمال إسرائيل انسحابها من المُدن والأحياء السّكنيّة من شمال القطاع إلى جنوبه.

أدّى تجاوزُ هذه النّقاط إلى توقيع إسرائيل و”حماس” لخطّة المرحلة الأولى. لكنّ تجاوز الخلافات لم يكن سهلاً. إذ لعبَ مدير المُخابرات العامّة المصريّة اللواء حسن رشاد ونظيره التّركيّ إبراهيم قالن ورئيس الوزراء القطريّ الشّيخ محمّد بن عبدالرّحمن دوراً أساسيّاً في المُطالبة بالضّمانات الأميركيّة وتعديل خريطة الانسحاب الإسرائيليّ لمصلحة الجانب الفلسطينيّ.

هل ينهار الائتلاف الحكوميّ في إسرائيل؟

في المُقابل تترقّب المصادر الجواب الإسرائيليّ على قائمة أسماء الأسرى الذين تُطالبُ “حماس” بالإفراج عنهم. وتتضمّن القائمة كُلّاً من:

  • القياديّ في حركة “فتح” مروان البرغوثي الذي اعتُقِلَ في 2002، وحكَمت عليه تل أبيب بالسّجن 5 مؤبّدات و40 عاماً بتهمة التّخطيط والمُشاركة في قتل 5 إسرائيليّين في الانتفاضة الثّانية سنة 2000.
  • قائد كتائب القسّام السّابق في الضّفّة الغربيّة عبدالله البرغوثي (أبو أسامة). وهو محكومٌ بالسّجن المُؤبّد 67 مرّة، وهو أطولُ حكمٍ ضدّ فلسطينيّ في المُعتقلات الإسرائيليّة. أصرّت “حماس” في عام 2009 على إدراج اسمهِ في صفقة التّبادل التي تمّت بعد أسرِ جلعاد شاليط، لكنّ الصّفقة توقّفت لعاميْن حتّى 2011 بسبب رفضِ تل أبيب إطلاق سراحه.
  • قائد كتائب القسّام في الضّفّة الغربيّة أثناء الانتفاضة الثّانية إبراهيم حامد. محكومٌ بالسّجن المؤبّد 47 مرّة، وحالهُ حال عبدالله البرغوثي بعد رفضِ إسرائيل بشكلٍ قاطع الإفراج عنه في “صفقة شاليط”.
  • الأمين العامّ لـ”الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين” أحمد سعدات. وهو محكومٌ بـ30 عاماً، قضى منها 17 سنة منذ الحُكم عليه في 2008.
  • قائد كتائب القسّام في طولكرم عبّاس السّيّد (أبو عبدالله). محكومٌ بالسّجن المُؤبّد 35 مرّة. وتتّهمه تل أبيب بقيادة وتنفيذ هجمات أدّت إلى مقتل 35 إسرائيليّاً.
  • القياديّ في القسّام حسن عبدالرحمن سلامة. وهوَ محكومٌ بالسّجن المُؤبّد 46 مرّة. وهو قائد سلسلة عمليّات “الثأر المُقدّس” التي نفّذتها “حماس” انتقاماً لاغتيال القياديّ البارز يحيى عيّاش عام 1996، وكانَ مسؤولاً عن وحدة العمليّات الانتحاريّة في الحركة. في 2023، نشر كتاب “الحافلات المحترقة” الذي ألّفه في المُعتقل، ويتناول هجمات سابقة نفّذتها “حماس” ضدّ أهدافٍ إسرائيليّة. ونُشر الكتاب في غزّة في ذكرى اغتيال عيّاش.

تُواجه هذه الأسماء عقبةً إسرائيليّة داخليّة. إذ يتمسّك الوزير إيتامار بن غفير ووزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش بـ”الفيتو الكبير” على إطلاق سراح أيّ منهم. وكان رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو قد تعهّد لبن غفير بعدم القبول بالإفراج عنهم، وذلكَ بحسب ما نقلت وسائل الإعلام العبريّة. هذا يعني أنّ قبول نتنياهو بالإفراج عن هذه الأسماء قد يفتحُ الباب أمام أزمةٍ حكوميّةٍ في إسرائيل، أو قد يؤدّي إلى عرقلة تنفيذ الصّفقة.

ماذا عن عزلة إسرائيل؟

لكنّ البُعد السّياسيّ لتنفيذ المُقترح وتمسّك ترامب به قد يدفعان نتنياهو إلى تقديم تنازلات لإطلاق بعض الأسرى المذكورين في مُقابل ترحيلهم إلى خارج الأراضي الفلسطينيّة، وتحديداً إلى تُركيا أو إندونيسيا. وكانت الإدارة الأميركيّة واضحة في أنّ من الأهداف الأساسيّة لمُقترح الرّئيس ترامب “فكّ عزلة إسرائيل الدّوليّة”.

هذا ما قاله وزير الخارجيّة الأميركيّ ماركو روبيو قبل أيّام: “الحرب في غزّة أضرّت بمكانة إسرائيل عالميّاً”، مشيراً إلى أنّ “العزلة الدبلوماسيّة لإسرائيل تتزايد على الرغم من محاولات واشنطن حماية حليفتها. تواجه إسرائيل تراجعاً واسعاً في التأييد داخل الأمم المتّحدة، حيث استخدمت واشنطن الفيتو 6 مرّات لحمايتها، مقابل تصويت أغلبيّة الدول لقرارات تطالب بوقف فوريّ لإطلاق النار”.

اعتبر روبيو أنّ اعتراف قوى غربيّة مثل فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا بالدولة الفلسطينيّة مؤشّر إلى تآكل الدعم لإسرائيل. وأضاف روبيو: “سواء كنت تعتقد أنّ ما حدث كان مبرّراً أو لا، صحيحاً أو لا.. لا يمكنك تجاهل التأثير الذي تركته هذه (الحرب) على مكانة إسرائيل العالميّة”.

بحسب معلومات “أساس” يتضمّن الاتّفاق وقفَ المُلاحقات لإسرائيل ونتنياهو أمام محكمة الجنايات الدّوليّة بتهمِ الإبادة الجماعيّة والتجويع في غزّة، ضمنَ سياسة واشنطن لفكّ العزلة. وهذا ما قد يدفع تل أبيب لتقديم تنازلات بشأن أسماء الأسرى، أكانَ في هذه المرحلة أو مرحلةٍ لاحقة، بخاصّة أنّ كلام روبيو وقبله الرّئيس ترامب وتغيّر الرأي العامّ الأميركيّ الذي بات يشهدُ انتقادات غير مسبوقة لإسرائيل يؤكّدان أنّ سياسة الحكومة اليمينيّة في تل أبيب باتت تُشكّل عبئاً على كاهل الإدارة الأميركيّة التي تُريد أن تتفرّغ لمعركتها الاقتصاديّة والتجاريّة مع الصّين.

‏هذا ابني يا سيدي : الحرب انتهت وهو لم يعد !! مسكينة هذه الأم ، لاتعلم أن الحروب لايعود منها إلا قادتها.

ابراهيم ريحان

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.