باريس: حلّ الدولتين يبدأ بتمكين السّلطة الفلسطينيّة

2

بقلم وليد شقير
«أساس ميديا»
تدرك فرنسا صعوبة إيقاف الحرب الإسرائيليّة في غزّة وعلى الفلسطينيّين. تعي أيضاً أنّ التزامها السعي إلى قيام الدولة الفلسطينية من خلال اشتراك الرئيس إيمانويل ماكرون مع وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان في مؤتمر دعم حلّ الدولتين في نيويورك الإثنين المقبل، يحتاج إلى مسار من الضغوط على إسرائيل.
هناك طريقان للحصول على نتائج من هذه الضغوط، في ظلّ المعارضة الإسرائيلية الشديدة لِما تقوم به فرنسا:
1- أن تمارس الولايات المتّحدة تأثيرها الضاغط على إسرائيل، وهذا لم يحصل لأنّ واشنطن ما تزال تدعم إسرائيل بقوّة.
2- التحرّك الدوليّ الذي يفضي إلى إقناع أميركا بأنّ حلّ الدولتين هو الحلّ الوحيد للقضيّة الفلسطينيّة.
المقاربة الواقعيّة لباريس
تقول “المقاربة الواقعيّة” لباريس إنّ ما تقوم به إسرائيل حاليّاً من هجوم في غزّة وما تفعله في الضفّة الغربية من استعداد لضمّ أراضيها هما ردّ على مؤتمر حلّ الدولتين. لا يقتصر الأمر على استهداف المؤتمر بل يتعدّاه إلى خلق أزمة إنسانيّة كبرى. باريس مقتنعة في الوقت نفسه بأنّ ما تضعه على الطاولة كمشروع حلّ يحتاج إلى نفَس طويل لأنّه لن يتحقّق قريباً. سيكون انعقاد المؤتمر يوم الإثنين نقطة تحوّل مهمّة جدّاً على الصعيد العالمي، نظراً إلى ما سيشهده من اعترافات جديدة بدولة فلسطين. هذا على الرغم من أنّ مفاعيله لن تُترجم فوراً.
إلحاح وقف حرب غزّة والمساعدات الإنسانيّة
ذكّرت مصادر في الإليزيه بأنّ الرئيس ماكرون كان أوّل من طلب وقف إطلاق النار في غزّة، وأنّ مبادرة دعم حلّ الدولتين كانت خلال زيارة لماكرون للمملكة العربيّة السعوديّة، وانتهت إلى بيان مشترك في هذا الصدد. قالت: “نحن نعتقد، ومقتنعون، أنّ حلّ الدولتين هو الوحيد القابل للحياة من أجل التوصّل إلى حلّ القضيّة الفلسطينيّة التي طالت أزمتها. وفي مقاربتنا للفظاعات المرتَكبة في غزّة سيكون الملحّ بالنسبة لنا هو وقف النار وتحريك المساعدات الإنسانية نحو القطاع”.
أوضحت المصادر أنّه بالاشتراك مع السعودية ودول كثيرة “نتشارك معها هذه القناعات، كنّا دعونا إلى الاجتماع الدوليّ في 18 حزيران الماضي، إلّا أنّ الهجوم الإسرائيلي على إيران أدّى إلى تأجيله. لكنّ بيان نيويورك في تمّوز الماضي أدّى إلى إرساء قاعدة لحلّ الدولتين ومن أجل وقف النار وتسيير المساعدات الإنسانية للقطاع (إعلان نيويورك)”.
على “حماس” التّراجع وعلى السّلطة الإصلاحات
اعتبرت المصادر أنّ “على “حماس” أن تتراجع لأنّ إعلان نيويورك التزم دعم السلطة الفلسطينية التي علينا إعادتها إلى القطاع. بعث الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس برسالة إلى الرئيس ماكرون التزم فيها إجراء إصلاحات في مؤسّسات السلطة وتنظيم انتخابات لم تحصل منذ عقدين في عام 2026. هذا الأمر يقود إلى قيام دولة فلسطينية. بناء عليه بعث الرئيس ماكرون رسالة إلى دول عدّة من أستراليا إلى كندا ودول أوروبية… بهذا قرّرت هذه الدول في ردّها أن تعترف بالدولة الفلسطينيّة، وهذا يشمل دول مجموعة السبع (من دون أميركا)”.
لفتت المصادر إلى أنّ مؤتمر 22 أيلول في نيويورك سيكرّس حقيقة تقول إنّه لا يمكن شطب حلّ الدولتين، لا سيما بعد تصويت 142 دولة الأسبوع الماضي، بما فيها معظم الدول الأوروبية وروسيا والصين، لضرورته ولقيام الدولة الفلسطينية.
أشارت المصادر إلى أنّ “ما تركّز عليه باريس في اتّصالاتها مع واشنطن هو الإلحاح لوقف القتال في غزّة لأنّه لن يؤدّي إلّا إلى إطالة الحرب، وهذا ليس في مصلحة إسرائيل ولا المنطقة. ونأمل في 22 أيلول أن نُقنع أميركا بذلك. أدّى امتداد الحرب إلى قصف قطر، ونحن وبريطانيا وكندا وعدد من الدول أكّدنا تضامننا مع الدوحة”.
باريس لفرض عقوبات ولأوسع ائتلاف دعماً للسّلطة
يُذكر أنّ فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تموّل السلطة الفلسطينية من بين الدول الغربية، للحؤول دون انهيارها نظراً إلى ضعفها، الذي ازداد بفعل مصادرة إسرائيل عائداتها الجمركيّة. تعمل باريس مع المملكة العربية السعوديّة وسائر الدول العربية لقيام أوسع ائتلاف لمساندة السلطة.
تواكب الضغوطَ، التي تمارسها فرنسا لأجل وقف حرب غزّة ودعم حلّ الدولتين، نقاشاتٌ لفرض عقوبات بدأتها بعض الدول الأوروبية على إسرائيل وعلى المتطرّفين فيها أمثال الوزيرين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
يُعدّ وقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل أوّل إجراء قامت به فرنسا منذ أيلول 2024. وهذه العقوبات موضوع نقاش في الاتّحاد الأوروبيّ ومع دول غربيّة أخرى. أعلنت رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة أورسولا فان دير لاين قبل أيّام بحثَ فرضِ عقوباتٍ على الوزراء المتطرّفين بسبب الفظاعات التي ترتكبها إسرائيل في غزّة بالتجويع والتهجير اللذين يُعدّان خرقاً للقانون الدوليّ.
لكنّ فرض العقوبات مسألة معقّدة في الاتّحاد الأوروبيّ في ظلّ رفضِ دولٍ فرضَها. وقد تعلن ألمانيا تعليق إرسالها معدّات عسكريّة إلى تل أبيب. لكنّ هذا لا يلغي أنّ هناك انقسامات في الاتّحاد حول العقوبات. ترى باريس أنّه إذا تعذّر الإجماع الأوروبيّ فستلجأ الدول المقتنعة بالأمر إلى فرض تلك العقوبات بشكل منفرد.
حتّى الآن لم تنجح جهود ماكرون والدبلوماسيّة الفرنسيّة في إقناع الرئيس دونالد ترامب بالعودة عن مواصلة دعمه لإسرائيل. حجّة فرنسا هي أنّ ترامب يحلم بتحقيق سلام بين إسرائيل والدول العربية، إلّا أنّ ذلك غير ممكن من دون حلّ الدولتين.
وليد شقير

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.