برّي: القانون النّافذ أو “عَ السّكّين يا بطّيخ”
بقلم نقولا ناصيف
«أساس ميديا»
ليس بين الكتل والأفرقاء مَن يقارب الانتخابات النيابية العامّة المقبلة على أنّها استحقاق دستوريّ دوريّ فحسب، بل جزء لا يتجزّأ من تداعيات الحرب الإسرائيلية وأحد آخر فصولها السياسيّة. هي انتخابات تصفية حساب أكثر منها انتقالاً من برلمان إلى آخر، وكسب مقاعد وتأكيد حيثيّة شعبيّة. ما لم يُنجز تماماً منذ ما بعد وقف النار في 27 تشرين الثاني، هو ما ينتظر أيّار 2026: كسر شوكة “الحزب” السياسيّة، بعد تقويض آلته العسكريّة.
يُراد لانتخابات 2026 أن تشبه سوابق اختبرها لبنان تكراراً، لكلّ منها خصوصيّتها ودوافعها في نقل البلاد من حقبة إلى أخرى. كأن تشبه انتخابات 1992 التي أنشأت الطبقة السياسية الموالية لسوريا، ومن قبل انتخابات 1972 عندما رامت تدمير مرحلة برمّتها. قلّما مرّت انتخابات نيابية عامّة لم تكن إشعاراً بتحوّلات لاحقة، سواء تلك التي كانت تسبق انتخابات رئاسة الجمهوريّة (1947 و1957 و1964 و1968) أو تنجم عن تحوّل في موازين القوى الداخلية (2005 و2009). الانتخابات المقبلة على صورة تلك بحدّة أعلى بفعل ما تراكم من التجارب السابقة.
أخيراً، بعد التسوية المبرمة في 5 أيلول التي جعلت بند حصر السلاح في يد الدولة معلّقاً بين “الحزب” الذي يرفض تسليم سلاحه، والدولة اللبنانية المصرّة عليه دونما تمكّنها من انتزاعه منه باللين كما بالقوّة، فأدخلت البلاد في مرحلة إدارة أزمة، تقدّم الحديث عن الانتخابات النيابية بدءاً من قانون الانتخاب النافذ ما عداه في ما يُسأل عنه رئيس البرلمان نبيه برّي. لا يكاد أحد في الداخل يلعب الأدوار كلّها في الأزمان والمواقيت والساحات كلّها مثله: في وقف النار والتفاوض عن “الحزب” وانتخاب الرئيس وتأليف الحكومة واستقرارها والتعيينات وكلّ ما يرافق تلك. أخيراً يقوم برياضته المفضّلة، وهي إدارة الصراع على قانون الانتخاب في مجلس النوّاب قبل الوصول إلى مواعيد صناديق الاقتراع.
أوّل ما يؤكّده برّي ويُظهر تمسّكه به هو إجراء الاستحقاق في موعده بمعزل عن قانون الانتخاب. ليس في وارد مناقشة أيّ تعديل في القانون النافذ يعيد تكرار تصويت غير المقيمين للدوائرالوطنية، أي لـ128 نائباً.
يصرّ أوّلاً على المشروع الذي تقدّمت به كتلته النيابيّة القاضي بتلازم وضع قانون خارج القيد الطائفي مع استحداث مجلس للشيوخ عملاً بما أورده اتّفاق الطائف ونصّ عليه الدستور. وخلافاً لما يردّده معارضو الاقتراح، يرى أنّ “الوضع الداخليّ يسمح بمناقشته إذا كانت ثمّة جدّية للعودة إلى اتّفاق الطائف على نحو ما يقول البعض”.
عندما يُسأل عن أنّ الأفرقاء جميعاً تقريباً ينظرون إلى انتخابات 2026 على أنّها مصيريّة مختلفة عن سواها هذه المرّة، يجيب: “لدينا قانون موجود ونافذ يجب أن يطبّق كما هو، يلحظ انتخاب ستّة نوّاب قارّيّين. إذا أرادوا تطبيقه فأنا جاهز. أمّا إذا فكّروا في قانون عَ السكّين يا بطّيخ فأنا جاهز له بدوري، وعندي المشروع البديل”.
عندما يُقال له إنّ انتخابات 2022 أُجريت تبعاً لتعديل أتاح تصويت غير المقيمين للدوائر الوطنية ولم يخرج منها الثنائي الشيعي خاسراً آنذاك، يجيب: “الأوضاع تغيّرت تماماً. ما كان متاحاً آنذاك أصبح معدوماً الآن، وهو تكافؤ الفرص والمساواة بين غير المقيمين في أماكن انتشارهم. بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة والضغوط التي ترافقها الآن، في الداخل وهناك، يصبح من المتعذّر إدارة حملات انتخابيّة يتساوى غير المقيمين فيها”.
يضيف: “لن أتحدّث عن “الحزب” بل عن حركة أمل. هل في وسع ناخبيها في ألمانيا، وهم يشكّلون كتلة كبيرة، ممارسة حقّهم في الاقتراع على نحو حرّ دونما تعرّضهم لمضايقات ومراقبة وربّما تعقّب أو حتّى إجراءات عقابيّة إذا عبّروا عن آرائهم وخياراتهم ومرشّحيهم؟ ما عساي أن أقول عن “الحزب” إذن؟ ليس في ألمانيا فحسب، بل في أوروبا كلّها وفي الولايات المتّحدة الأميركية وحتّى في بلدان عربيّة. سيُمنع الحركيّون من تنظيم حملاتهم. الوضع تغيّر تماماً. أمامنا القانون الحالي النافذ كي نطبّقه. مَن يتحدّث عن تعديل يدور في حلقة مفرغة. المشكلة ليست في القانون بل في مَن لا يريد تطبيقه”.
مذ وضْع قانون الانتخاب الحالي النافذ رقم 44 الصادر في 17 حزيران 2017، لم يُصَر إلى تعديله سوى مرّة واحدة عام 2021 توطئة لثاني انتخابات تلت صدوره، بتعليق المادّة 122 القائلة باقتراع غير المقيمين لستّة نوّاب قارّيّين تُستحدث لهم ستّة مقاعد فيُرفع عدد النواب إلى 134 نائباً، على أن تطبّق في الانتخابات التالية (2022). ما لم يحدث بأن عُدِّل القانون لتمكين غير المقيمين من الاقتراع للنوّاب الـ128.
لم تقُم المعضلة في تجاوز نصّ القانون بتعديله عام 2021، بل بالخطأ الاصل في تطبيقه للمرّة الأولى في انتخابات 2018 بفعل تسوية سياسية تواطأت عليها الكتل الرئيسة منبثقة من التفاهم الذي رافق لسنتين خلتا انتخاب الرئيس ميشال عون، قضت بالذهاب إلى تطبيق مادّة في قانون أضحى باطلاً عديم الوجود هو قانون الانتخاب رقم 25 الصادر في 8 تشرين الأوّل 2008 وأُجريت على أساسه انتخابات 2009. ونصّت المادّة 114 منه على “حقّ اللبنانيّين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية في الاقتراع في أماكن إقامتهم في الخارج في الانتخابات النيابية العامّة التي تلي انتخابات عام 2009”. تبعاً لذلك، طُبّقت المادّة 114 من قانون عديم الوجود صادر عام 2008 على انتخابات 2018 المرعيّة بقانون انتخاب جديد صدر عام 2017.
بتعيينه ستّة نوّاب قارّيّين، نقض قانون 2017 ما كان نصّ عليه قانون 2008 عندما تحدّث عن اقتراع غير المقيمين، فعنى ضمناً أنّهم يصوّتون للدوائر الوطنية. مع ذلك، استندت انتخابات 2018 إلى أحد بنود قانون غير نافذ في معرض تطبيق قانون نافذ.
منذ انتخابات 2018 تدور المعضلة حول المادّة هذه بالذات: لمَن يقترع غير المقيمين؟ انقسام الكتل من حولها غير طائفي أو مذهبيّ: الثنائي الشيعيّ والتيّار الوطني الحرّ مع التصويت للمقاعد القارّيّة، وحزبا القوّات اللبنانية والكتائب والحزب التقدّمي الاشتراكي مع التصويت للمقاعد الوطنية.
ليس للسجال المستعصي الدائر بين الأفرقاء حول القانون الحاليّ، من حيث تعديله أو نفاذه كما هو، سوى مغزى واحد: الوصول في انتخابات 2026 إلى قطع رأس “الحزب” بحرمانه الاحتفاظ بالمقاعد الشيعيّة كلّها.
نقولا ناصيف
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.