بعد رفع العقوبات عن علي عبدالله صالح ونجله أحمد

74

بقلم خيرالله خيرالله

لا يمكن تجاوز أهمّية التوقيت وتجاهله عندما يتعلّق الأمر بالأحداث السياسية المهمة مثل الحدث اليمني. أن يرفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العقوبات المفروضة على الرئيس اليمني الراحل على عبدالله صالح ونجله العميد أحمد في هذه الأيام بالذات، رفع لظلم ليس بعده ظلم في حق الرجلين. كان ذلك ظلما بغض النظر عن كلّ نقاش في ما يخص الشخصية المعقدة للرئيس الراحل الذي اغتاله الحوثيون في أواخر العام 2017… مؤكدين أنّهم لن يغفروا له تصديه لهم ولمشروعهم، علما أنّه كان وراء وجودهم أصلا. كان علي عبدالله صالح وراء التشجيع على قيام ما يسمّى «حركة الشباب المؤمن»، الذين صاروا لاحقا الحوثيين، في سياق سعيه إلى توازن داخلي بعدما حاول الإخوان المسلمون والسلفيون التمدد في عمق الشمال اليمني حيث الثقل الزيدي.

يبقى أهمّ من رفع العقوبات هل من أبعاد سياسية وعسكرية لهذه الخطوة، أم جاءت بعد فوات الأوان بعدما تدهور الوضع في اليمن إلى حدود مروّعة وتحول البلد، في جزء منه، إلى موطئ قدم لإيران قي شبه الجزيرة العربيّة؟

أُقرّت العقوبات في  العام 2015 بموجب القرار 2140 بحجة عرقلة علي عبدالله صالح، الذي كان في صنعاء، فيما كان نجله الأكبر في أبو ظبي، لسلوك «الشرعيّة» اليمنية التي كان على رأسها عبد ربّه منصور هادي. ترافق ذلك أيضا مع تقارب بين الرئيس الراحل والحوثيين في ظلّ تجاهل إقليمي لواقع الحال المتمثل بأن بينهما ما صنعه الحداد وثأرا ذا طابع شخصي لعبد الملك الحوثي على الرجل.

كان هناك تجاهل لواقع آخر ناتج عن أنّ من خلف علي عبدالله صالح في الرئاسة لعب دورا محوريا في تمكين الحوثيين من الوصول إلى صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014. رفض عبد ربّه التصدي للحوثيين في محافظة عمران خط الدفاع الأول والأخير عن صنعاء. قبل ذلك لعب، عبدربّه منصور، الذي استعيض عنه بالدكتور رشاد العليمي على رأس مجلس القيادة الرئاسي في نيسان – ابريل 2022، دورا في تفكيك الجيش اليمني. كان كلّ ما فعله من منطلقي الحقد على علي عبدالله صالح ورغبة في تصفية حسابات معه… ومن جهل في السياسة، بما في ذلك بموازين القوى الداخليّة في اليمن نفسه.

استغلّ عبد ربّه ظروفا داخلية يمنية وأخرى إقليمية في السعي إلى التحكّم باليمن غير آبه بأنّ البلد تشظّى بفعل عوامل عدة لا ادراك له بها. من أبرز هذه العوامل الإنقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون على علي عبدالله صالح مستغلّين «الربيع العربي» في شباط – فبراير 2011 والذي يتبيّن اليوم أنّّه لم يكن سوى خريف. لم يدرك الإخوان المسلمون، بجناحيهم المدني والعسكري، أنّهم كانوا يؤدون دورا مطلوبا منهم إيرانيا في إنهاء حكم علي عبدالله صالح، بحسناته وسيئاته ومزاجيته التي زادت مع تقدّمه بالعمر. صبّ كلّ ما فعلوه في خدمة المشروع الإيراني في اليمن، وهو مشروع يعتمد بشكل خاص على الحوثيين الذين صاروا يسمون نفسهم «جماعة انصار الله» والذين تربطهم علاقة قويّة قديمة وعميقة، بل علاقة عضوية، مع «حزب الله» في لبنان.

لعب الإخوان المسلمون دورهم في إيصال الحوثيين إلى صنعاء. ساعدهم في ذلك جهل عبد ربْه منصور بالسياسة ورغبته في الإنتقام من علي عبدالله صالح. كانت الترجمة الفعلية لتلك الرغبة في الإنتقام تفكيك الجيش اليمني الذي تبدو الحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت. كانت في الجيش قوة متراصة يقودها أحمد علي عبدالله صالح. كانت هذه القوة متمثلة في الحرس الجمهوري والويته التي كانت رأس الحربة في خوض ست حروب مع الحوثيين بين 2004  و  2010. من الواضح أنّ رفع العقوبات عن أحمد علي عبدالله صالح لن يساعده، بعد مرور كل هذه السنوات، في استعادة ما بناه عسكريا.

كانت العقوبات على علي عبدالله صالح ونجله نقطة إلتقاء بين الحوثيين والإخوان المسلمين. انتقم كلّ من الطرفين، على طريقته، من الرجل الذي حكم اليمن من 1978 إلى مطلع 2012. في النهاية، دفع اليمن كلّه ثمن تلك الرغبة في الإنتقام من جهة والرغبة الأخرى في الإستيلاء على السلطة من جهة أخرى.

خدم الأخوان الذين صاروا ممثلين في السلطة عبر اللواء علي محسن صالح الأحمر (قريب علي عبدالله صالح الذي انشق عنه) في الدفع في إتجاه فرض العقوبات على الرئيس السابق ونجله. لا شكّ أنّ مجلس القيادة الرئاسي الحالي لعب دورا مهمّا، بدعم من قوى إقليمية، في رفع العقوبات. لا شكّ أيضا أن ثمة حاجة إلى إعادة نظر في الموقف الدولي من الحوثيين الذين لم يترددوا في لعب دور الأداة الإيرانيّة في عرقلة الملاحة  في البحر الأحمر بحجة دعم غزّة.

هل يساهم قرار رفع العقوبات عن علي عبدالله صالح ونجله في ترميم الوضع الداخلي في اليمني وقيام جبهة متراصة في وجه الحوثيين؟ يبدو مثل هذا السؤال مشروعا. لكن الكثير يعتمد على مدى قدرة القوى الإقليمية والدولية، في مقدّمها الولايات المتحدة، على الخروج باستراتيجية واضحة ترتكز أولا وأخيرا على أن لا يمنَ قابلا للحياة ولا صيغة جديدة لإعادة تركيب البلد، في ظلّ نظام لا مركزي، بوجود الحوثيين وما يمثلونه. الأكيد أن احمد علي عبدالله صالح يعرف جيدا أن اليمن، كما كان عليه في عهد والده، انتهى إلى غير رجعة. السؤال الآن كيف يستطيع هذا الضابط الذي عمل طويلا في ظلّ والده المساهمة في قيام يمن جديد لا علاقة له بالحوثيين، بمقدار ما لديه علاقة بصيغة جديدة للبلد تصبّ في جعل الإستقرار يعمّ المنطقة بعيدا عن النفوذ الإيراني بأشكاله المختلفة…

خيرالله خيرالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.