بين دمشق وغزّة: هل تقرأ “الحركة” المتغيّرات؟

4

بقلم د.سمير صالحة

«اساس ميديا»

قصف الجيش الإسرائيلي منطقة قريبة من القصر الرئاسي السوري قبل أسابيع. الرسالة تعني الرئيس الأميركي أيضاً، ومفادها أنّ تل أبيب تفعل ما تشاء وفق ما تراه مناسباً. لم يتأخّر ردّ ترامب، فقبل المقترح السعودي الاستراتيجيّ: مصافحة ومحادثة مع الشرع في الرياض، وإعلان قرار رفع العقوبات عن سوريا.

قد تكون المواقف التي أعلنها الرئيس أحمد الشرع من إيران في سوريا والمنطقة، وما قاله عن “الجار” الإسرائيلي، وطريقة تعامله مع ملفّات “الأقليّات” في الساحل وشمال شرق سوريا وجنوبها في الأسابيع الأخيرة، إضافة إلى طمأنته لواشنطن إلى أنّ الحرب على بقايا داعش لن تتوقّف، وأنّ الدور سيأتي لتقليص النفوذ الروسيّ، كان لها تأثيرها في طمأنة الرئيس الأميركي. لكنّ إسرائيل غاضبة لأنّ دمشق، بإصغائها للنصائح السعودية والتركية في هذا الخصوص، نجحت في سحب العديد من الأوراق التي كانت تل أبيب تحرّكها في سوريا.

مهّدت السعوديّة الطريق لتسهيل ذوبان الجليد بين واشنطن ودمشق، وولادة مثل هذا القرار من خلال التنسيق المباشر السعودي مع أنقرة. خلوة الرئيسين الأميركي والسوري التي استمرّت حوالي نصف ساعة كانت كافية لإقناع ترامب بأنّ الأمور لا بدّ أن تتغيّر في سوريا.

إشارة الانطلاق

شخصيّة الرئيس السوري، التي تحدّث عنها الرئيس الأميركي نفسه، وما ردّده في الأشهر الأخيرة لعبا دوراً في دفع ترامب لتجاوز العقبة الإسرائيلية، وتذكير بنيامين نتنياهو بأنّ لأميركا حلفاء وشركاء آخرين في المنطقة لا بدّ من الإصغاء إليهم وسط الحراك الإقليمي الجديد ولعبة التوازنات التي تتشكّل في الأشهر الأخيرة. صحيح أنّنا لا نزال في بداية الطريق على خطّ واشنطن – دمشق، وأنّ إسرائيل ستبذل جهداً إضافياً داخل أروقة اللوبيات الأميركية لعرقلة تنفيذ ما يخطّط له ترامب على حساب مصالحها، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ إشارة الانطلاق أُعطيت من قلب العاصمة السعودية.

تسعى إسرائيل إلى نشر الفوضى والتمهيد لمزيد من عدم الاستقرار كي تتمكّن من العبث والتصرّف كما تشاء. أيّ استقرار حقيقي في سوريا أو دول الجوار الأخرى لا يصبّ في مصلحتها. بالمقابل، لا يزال نتنياهو يحلم بتغيير الشرق الأوسط بطريقته، ويحاول ذلك في سوريا وغزّة. كلتا الجبهتين تقاومان، لكن من منظور مختلف في أسلوب وطريقة التعامل مع إسرائيل وتصوُّر شكل البداية الجديدة. رفع العقوبات هو ما يُناقش في دمشق اليوم بعد مصافحة ترامب – الشرع، فما الذي يُناقش في غزّة؟

يقول الرئيس السوري أحمد الشرع إنّ العالم سيُفاجأ بسرعة إعادة الإعمار كما فوجئ بالتحرير: “سوريا الحلم ليست بعيدة، إنّها تقترب يوماً بعد يوم. القادم سيكون أعظم، والوطن قادر على النهوض من تحت الركام ليضيء من جديد”. فهل لـ”حماس” في غزّة حصّتها في هذه الرسائل؟ ما الذي تغيّر مع الشرع في سوريا، وما الذي لم يتغيّر مع “حماس” في غزّة؟

بين التحضير في إدلب لإسقاط النظام، وانطلاق الوحدات باتّجاه حلب، فاصل زمني كبير. على خطّ غزّة – دمشق الكثير من التشابه في الغموض والقلق والثقة. هناك أيّام صعبة، لكنّ الفارق هو في حجم الأمل الذي تحمله العيون وشعار “الأيّام المقبلة أفضل”، على الرغم من كل المخاطر المحدقة والملفّات السياسية والأمنيّة والاجتماعيّة المنتظرة.

“حماس” مطالَبة بالإصغاء

في دمشق بدأ الحبّ المؤجّل، والعمل المؤجّل، وبدأت الثقة المؤجّلة بالعودة. في غزّة لا نعرف بعد ما الذي ينتظرنا.

في سوريا، أصبح الشرع شريكاً مؤثّراً في صناعة المشهد. في غزّة، مشهد “حماس” يميل أكثر نحو أنّها تريد إدارة الأزمة بدل العمل على حلّها.

تلوح في الأفق بادرة جديدة: ترامب يحاول هذه المرّة في غزّة تكرار ما فعله في سوريا، من خلال مبعوثه الخاصّ إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

خيارات “حماس” هي التي أوصلتها للوضع الحالي، والمسؤوليّة لا تقع عليها وحدها، لكنّ تردّدها قد يكلّفها الكثير، وقد تكون هذه الفرصة الأخيرة لها سياسيّاً وشعبيّاً. أوّل ما يمكن لـ”حماس” فعله هو الخروج سريعاً من وضعيّة مَن يستفيد من إطالة عمر الأزمة، وهي حالة تخدم مع الأسف أهداف نتنياهو وحده في غزّة.

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكثيرين عندما تحدّث خلال جولته الخليجية، بحضور وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، عن نيّته رفع العقوبات عن سوريا. تحرّك الشرع باتّجاه المشاركة الفعليّة الإقليمية في إدارة الملفّ السوري، وإطلاق حراك سياسي إقليمي يتّسم بالواقعيّة والعمليّة والمرونة لتسجيل كلّ هذه الاختراقات في علاقة دمشق مع أطراف محلّية وإقليمية عديدة. أمّا “حماس” فتريد إبقاء الأمور ضمن المشهد الغزّيّ مع التركيز على هدف سحب البساط من تحت السلطة الفلسطينية.

خصّص البيان الختامي لقمّة بغداد العربية جزءاً كبيراً من بنوده للقضيّة الفلسطينية وما يجري في غزّة. ليست هذه المرّة الأولى التي تفعل فيها الجامعة العربية ذلك. مشهد اليوم يحمل معه تساؤلاً: هل تكون “حماس” جزءاً من القرارات؟ وهل هي مستعدّة للتوقيع في أسفل الورقة، أم التغريد في مكان آخر؟ دخلت الرياض وأنقرة على خطّ مساعدة الشرع في قيادة المرحلة الانتقالية الجديدة في سوريا، وبدأت نتائج المسار الجديد تظهر بشكل تدريجي على المستويين الداخلي والخارجي. تحرّكت أنقرة والرياض وأبو ظبي والدوحة، بحكم علاقاتهم ومصالحهم مع الطرفين، على خطّ التهدئة بين روسيا وأوكرانيا أكثر من مرّة، وهم ينجحون حيث يفشل آخرون في التعامل مع ملفّ أزمة عالمية. ما الذي يحول دون الإصغاء فلسطينياً إلى هذه العواصم، بالتنسيق مع اللاعبين المصريّ والأردنيّ؟

د.سمير صالحة

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.