ترامب وحده قادر على وقف الحرب

10

بقلم موفق حرب

«أساس ميديا»

يقترب لبنان من نهاية شهرٍ يُفترض أن يحمل زيارة بابويّة تاريخيّة، لكنّ المزاج العامّ لا يعكس أجواء الاحتفال المنتظَر بقدر ما يعكس حذراً شديداً ممّا قد تُقدم عليه إسرائيل في الجنوب وربّما أبعد، فالتصريحات المتشدّدة في تل أبيب والتحرّكات العسكريّة المكثّفة وغياب الضمانات الدوليّة الواضحة كلّها عوامل جعلت النقاش في بيروت يدور حول سؤال واحد: هل يمكن احتواء التوتّر أم يقترب لبنان من مواجهة جديدة؟

لم يُصدر المجلس الوزاريّ الإسرائيليّ المصغّر حتّى الآن قراره النهائيّ، لكنّ الخطط العملانيّة باتت مكتملة، وجميع المؤشّرات تشير إلى أنّ قرار الحرب أصبح “الوضع الافتراضيّ” ما لم يتدخّل الرئيس دونالد ترامب بقوّة ويغيّر مسار الأيّام المقبلة.

في إسرائيل، تتزايد القناعة بأنّ عمليّة عسكريّة واسعة ضدّ “الحزب” باتت مسألة وقت، إلّا إذا قدّمت الدولة اللبنانيّة خطوات فوريّة وموثوقة لتطبيق القرار 1701 وشروط وقف النار في عام 2024. وتؤكّد مصادر أمنيّة في تل أبيب أنّ إعادة تسلّح “الحزب” تسير بوتيرة تفوق ما حقّقته إسرائيل من تعطيل خلال الأشهر الماضية، وأنّ مؤسّسات الدولة الأمنيّة والعسكريّة تميل اليوم إلى الاعتقاد بأنّ استعادة الردع لم تعُد ممكنة إلّا من خلال عمل عسكريّ كبير.

النّافذة تضيق

في المقابل، يتعامل المسؤولون في بيروت والمنطقة حتّى داخل إسرائيل نفسها مع حقيقة واحدة هي أنّ الرئيس ترامب هو وحده القادر فعليّاً على وقف هذه العودة إلى الأعمال الحربيّة. لا يشبه نفوذه نفوذ أيّ طرف آخر، سواء على حكومة بنيامين نتنياهو أو على العواصم العربيّة المعنيّة.

على الرغم من أنّ نافذة دبلوماسيّة لا تزال مفتوحة، بفضل المبادرة التي أعلنها الرئيس اللبنانيّ جوزف عون في 21 تشرين الثاني، تضيق هذه النافذة كلّ ساعة مع اقتراب آخر السنة، موعد إتمام مهمّة حصر السلاح التي اتّخذتها الحكومة اللبنانيّة.

في واشنطن، ينعكس هذا التوتّر على شكل انقسام داخل الإدارة الأميركيّة. فبعض الأصوات النافذة في الكونغرس ودوائر النفوذ المحيطة بالبيت الأبيض تضغط باتّجاه منح إسرائيل الضوء الأخضر للمضيّ في عمليّة “حسم” يُعتقد أنّ حرب 2024 لم تنجزها. هؤلاء يجادلون في أنّ تسارع إعادة تسليح “الحزب” يؤكّد أنّ وقف النار السابق جاء مبكراً جدّاً، وأنّ تأجيل المواجهة اليوم يعني حرباً أكبر غداً.

لكن داخل البنتاغون تسود مقاربة مختلفة تماماً. فالمسؤولون العسكريّون يحذّرون من أنّ أيّ حرب إسرائيليّة واسعة ستستنزف قوّات كبيرة لأشهر طويلة، وستضع الولايات المتّحدة أمام التزامات لوجستيّة تتعلّق برعاياها في لبنان، وخصوصاً أنّ الضبّاط الأميركيّين يثنون على أداء الجيش الذي استثمرت فيه واشنطن لعقود.

مع ذلك، يبقى الجميع متّفقاً على أنّ الكلمة الحاسمة في النهاية تعود للرئيس ترامب وحده، فهو صاحب النفوذ الأكبر على القرار الإسرائيليّ وصاحب القدرة على تحويل مسار الأزمة نحو التهدئة أو نحو مواجهة أوسع. يتغيّر المشهد الإسرائيلي بسرعة على الأرض. فمنذ الصيف، انتقلت إسرائيل تدريجاً من غارات محدودة وعمليّات ميدانيّة ضيّقة لفرض التزام “الحزب” وقف النار، إلى استعداد فعليّ لحملة ميدانيّة واسعة. تتحدّث التقارير الاستخباريّة الإسرائيليّة عن عودة الصواريخ الثقيلة إلى جنوب الليطاني وتزايد عدد المسيّرات، وعن إعادة بناء شبكات الأنفاق بشكل يفوق ما كانت عليه قبل وقف إطلاق النار، وعن سلسلة حوادث يصفها الجيش الإسرائيليّ بأنّها خروقات مباشرة للاتّفاق.

في المقابل، جاء خطاب الرئيس جوزف عون ليقلب الحسابات وربّما يقدّم آخر فرصة قبل الانفجار. ففي إطلالته المتلفزة، قدّم أوسع مقاربة لبنانيّة منذ عام 2006 لتنفيذ القرار 1701، معلناً استعداد الدولة لنشر قوّات إضافيّة جنوب الليطاني، وجمع الأسلحة الثقيلة، وتفكيك البنى العسكريّة غير الشرعيّة ضمن جدول زمنيّ سريع. وفي المقابل، طالب بانسحاب إسرائيليّ من النقاط الحدوديّة المتنازَع عليها ووقف الخروقات الجوّيّة وحماية أمنيّة أميركيّة واضحة. وقد خاطب ترامب بشكل مباشر، مذكّراً بأنّ وقف النار في عام 2024 كان إنجازاً أميركيّاً بامتياز، وداعياً إلى استكمال المهمّة عبر تسوية شاملة.

استغلّت القاهرة وعدد من العواصم هذه اللحظة لتكثيف الوساطة. فالتنقّل بين العواصم بات يوميّاً، والاقتراحات تتوالى: انتشار تدريجيّ للجيش اللبنانيّ مقابل انسحاب إسرائيليّ متوازن، آليّة مراقبة دوليّة بمشاركة أميركيّة، وخطط لإعادة إعمار الجنوب بشروط محكمة تحول دون عودة التهريب أو تجدّد التسليح.

موقع استثنائيّ

هنا تبرز الزاوية الفرنسيّة، التي وإن لم تجلس في الصفّ الأوّل من صانعي القرار، تحاول استعادة موطئ قدم دبلوماسيّ في الأزمة. فباريس، التي فقدت كثيراً من نفوذها في لبنان خلال السنوات الماضية، تتحرّك اليوم بنشاط عبر الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ، وتحاول بناء مظلّة سياسيّة دوليّة تُبقي خطوط الضغط على إسرائيل مفتوحة وتمنح لبنان غطاءً دبلوماسيّاً في لحظة حرجة. غير أنّ ثقلها الحقيقيّ يبقى محدوداً في معادلة التهدئة الحاليّة لأنّ القرار الأمنيّ في إسرائيل يمرّ حصراً عبر واشنطن. وهكذا يبقى الدور الفرنسيّ مهمّاً من حيث التعبئة السياسيّة والدوليّة، لكنّه مكمّل لا مقرِّر في مسار التصعيد أو التهدئة.

أمّا إيران، فعلى الرغم من تهديداتها العلنيّة بالردّ على أيّ عمليّة إسرائيليّة واسعة، تواجه واقعاً أكثر تعقيداً. فالهجمات التي تعرّضت لها بنيتها الصاروخيّة والدفاعيّة، والضربات المؤلمة التي تلقّاها حلفاؤها ووكلاؤها في الإقليم خلال 2024 و2025، قلّصت قدرتها على فتح جبهة ثانية أو قلب الموازين ميدانيّاً. وبحسب تقويمات عدّة، باتت طهران تركّز أكثر على أولويّات داخليّة وإدارة ملفّها النوويّ مع واشنطن منها على رغبتها في خوض مواجهة استنزاف في لبنان في هذه الفترة، على الرغم من إصرارها على الحفاظ على نفوذها في لبنان والإمساك بقرار السلم والحرب فيه.

وسط كلّ ذلك، يقف الرئيس ترامب في موقع استثنائيّ. فهو يمتلك التأثير الأكبر على الحكومة الإسرائيليّة، ويتمتّع بعلاقات مفتوحة مع القوى العربيّة الأساسيّة، ويسيطر بالكامل على أدوات الدعم العسكريّ والدبلوماسيّ لواشنطن. وتقول شخصيّات إسرائيليّة في لقاءات مغلقة إنّ “طلباً واحداً من ترامب يكفي لفرملة القرار”، وإنّ الحكومة الإسرائيليّة “ستحسب جيّداً كيفيّة الردّ إذا جاء النداء من البيت الأبيض”.

رمت مصر، وهي تشعر بحجم المخاطر، جهاز مخابراتها في وساطة محمومة. ترامب يفهم ذلك تماماً. وعندما سُئل ما إذا كان سيستقبل جوزف عون في البيت الأبيض، كان جوابه “بالتأكيد، سأفعل ذلك، بالتأكيد”. يقول التاريخ إنّ ترامب سيختار الصفقة، لكن فقط إذا كانت الصورة لا تُقاوَم والمخاطرة على عاتق الآخرين. قدّم عون له النصّ. كلّ ما بقي هو أن يرفع ترامب الهاتف ويوقف نتنياهو.

يمتلك لبنان اليوم ورقة وحيدة قادرة على تغيير المسار: تحويل مبادرة الرئيس جوزف عون من عرضٍ نظريّ إلى خطوات فوريّة ومرئيّة، بدءاً بانتشار واسع للجيش جنوب الليطاني وحتّى أبعد من الجنوب، مروراً بإجراءات واضحة لجمع الأسلحة الثقيلة، وصولاً إلى المسارعة إلى تحويل تصريح ترامب عن استعداده لاستقبال عون إلى دعوة رسميّة إلى واشنطن من دون تأخير، وإقناع ترامب بأنّ المكسب السياسيّ والشخصيّ أكبر من أيّ مغامرة عسكريّة.

موفق حرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.