ترامب يخرج الصين من الشرق الأوسط

17

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

ما هي الرسالة التي أراد الرئيس الأميركي دونالد ترامب توجيهها إلى الصين من خلال زيارته منطقة الخليج؟ وكيف يحاول إعادة ترسيخ الولايات المتّحدة قوّةً خارجيّةً أولى على مستوى العالم؟

وفقاً للباحثة في “معهد هدسون” الأميركي زينب ربوع، تعتبر بكين منطقة الخليج مسرحاً أساسيّاً في استراتيجيّتها لإزاحة النفوذ الأميركي وإعادة تشكيل ديناميكيّات القوّة العالمية. فهذه المنطقة توفّر لبكّين خيارات مختلفة لتحدّي الهيمنة الأميركية من خلال خمسة عوامل:

-1 يمكن للخليج أن يزوّد الصينَ الطاقةَ التي تحتاج إليها لدعم اقتصادها الصناعي. توفّر المنطقة ما يقرب من نصف واردات الصين من النفط الخام، وترى بكين أنّ أمن الطاقة على المدى الطويل ضروريّ لاستقرار النظام.

2- الشرق الأوسط ممرّ جيوسياسي يربط شرق آسيا بأوروبا وإفريقيا. أعطت مبادرة الحزام والطريق الصينية الأولويّة للموانئ والممرّات اللوجستية ونقاط الوصول التجارية في جميع أنحاء الخليج. وهو ما يمنح بكين نفوذاً على طرق التجارة البحريّة والبرّية الرئيسيّة. ويُتوقّع أن يسهم طريق الحرير الرقمي، وهو الركيزة التكنولوجيّة لمبادرة الحزام والطريق، بما يصل إلى 255 مليار دولار في الناتج المحلّي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي وأن يولّد 600 ألف وظيفة في قطاع التكنولوجيا بحلول عام 2030.

تقويض الضّوابط

3- توفّر المنطقة للصين رأس المال والفرص لتصدير تقنيّاتها. يمكن لصناديق الثروة السيادية في السعودية والإمارات أن تكون مصادر استثمار راسخة ومستقرّة سياسياً للشركات الصينية، جاعلةً دول الخليج شركاء مثاليّين لبكين في سعيها إلى عولمة سياستها الصناعية وتوسيع نطاق منصّاتها التكنولوجيّة. وإذ تسعى دول الخليج إلى تحقيق تحوُّل رقمي سريع، يمكن أن يمنح هذا الشركات الصينية فرصاً أكبر للحصول على التمويل وفرصة لتشكيل أنظمة بيئية تكنولوجيّة ناشئة من الصفر.

4- تساعد المنطقة الصين على تقويض ضوابط التصدير وأنظمة العقوبات الأميركية. يمكن للمنطقة، وخاصّة الجهات الخاضعة للعقوبات مثل إيران، والصين العمل معاً للالتفاف على القيود الغربية. فمن خلال الاستفادة من الشبكات الإقليمية والقنوات المالية الغامضة، تُسهّل الشركات الصينية نقل التقنيّات الحسّاسة ورؤوس الأموال، مقوّضةً فعّاليّة العقوبات الأميركية وكاشفةً حدود القوّة الاقتصادية لواشنطن.

طوّرت الصين طريقة لاستيراد النفط الإيراني مع تجنّب الشبكات المالية وخدمات الشحن الغربية. باستخدام ناقلات النفط “الأسطول المظلم”، تشحن إيران النفط إلى الصين وتتلقّى المدفوعات من خلال بنوك صينية أصغر. ومع تراجع المصافي الكبرى المملوكة للدولة بسبب مخاطر العقوبات، يتمّ الآن التعامل مع حوالي 90 في المئة من صادرات النفط الإيرانية بواسطة “أباريق الشاي”، وهي مصافٍ صينيّة صغيرة ومستقلّة.

5- يُتيح الشرق الأوسط للصين مساحة عمليّاتيّة لإضعاف التحالفات التي تقودها الولايات المتّحدة وتشويه سمعة النفوذ الأميركي. تُقدّم بكين نفسها بديلاً استراتيجيّاً غير مُقيّد بالظروف السياسية لواشنطن. وتُروّج لروايات مُناهضة للولايات المتّحدة تُصوِّر السياسة الأميركية مُزعزعةً للاستقرار ومُهتمّةً بمصالحها الذاتية.

يتردّد صدى هذه الرسالة في مختلف أنحاء الجنوب العالمي، وتؤدّي إلى تآكل سلطة الولايات المتّحدة في مناطق رئيسية، وتشير الى تزايد عواقب حملة النفوذ الصينية بشكل واضح في العلاقات الدفاعية الأميركية في جميع أنحاء المنطقة، مثال انهيار صفقة بيع واشنطن طائرات إف-35 المقاتلة للإمارات العربية المتّحدة البالغة قيمتها 23 مليار دولار، وهو ما أضعف إحدى أكثر شراكات الدفاع الأميركية تقدّماً في المنطقة.

التّصدّي لنفوذ الصّين

تستغلّ الصين، وفق الباحثة، انخراطها في الشرق الأوسط كحصان طروادة لترسيخ نفوذها من خلال ثلاث آليّات رئيسية:

1- تدمج منصّات التكنولوجيا الصينية أنظمة المراقبة والحوكمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مباشرةً في مؤسّسات الدولة، وهو ما يُطبِّع اعتماد تلك الدول على الصين في البنية التحتية والمعايير.

2- تجعل اتّفاقات التعاون الصينَ من وظائف الدولة الأساسية، مثل الاتّصالات، وهو ما يُصعّب على واشنطن التنافس على الوصول والنفوذ.

3- تهدف صفقات بكين إلى ترسيخ علاقات طويلة الأمد في مجال الطاقة، مع توسيع نطاق معاملات “البترويوان”، بما يُضعف مكانة الدولار الأميركي بصفته معياراً عالمياً. يُرسّخ هذا النموذج مكانة بكين كشريك لا غنى عنه في كلّ شيء، من البيانات إلى التمويل إلى الأمن.

تعتقد الباحثة أنّ الولايات المتّحدة لم تعد تنظر إلى الشرق الأوسط كمسألة هامشيّة، بل كساحة حيويّة للمنافسة الاستراتيجية مع الصين. ويؤكّد هذه الرسالة تعهُّد السعودية باستثمارات مرتبطة بالولايات المتّحدة بقيمة 600 مليار دولار، بما في ذلك أكثر من 100 مليار دولار في صفقات شراء أسلحة. في الوقت نفسه، تُعِدّ واشنطن صفقةً تهدف إلى إقصاء الصين عن البنية التحتية الخليجية المستقبلية في مجالات الذكاء الاصطناعي والمراقبة والحوسبة السحابيّة.

في رأيها، تُعدّ هذه الاتّفاقات جزءاً من استراتيجية الإدارة الأميركية للتصدّي لنفوذ الصين المتزايد من خلال جعل السيادة الرقمية محوراً أساسيّاً للشراكات الأمنيّة الأميركية. ويتجلّى هذا التحُّول في قرار ترامب رفع العقوبات عن دمشق في محاولة لإعادة دخول ساحة استراتيجيّة تنازلت عنها إدارة أوباما للصين وروسيا وإيران، ولمنع بكين من احتكار منطقة محورية استراتيجيّاً في الشرق الأوسط. وتخلص إلى القول إنّه “في منطقة تتّسم بالولاءات المتغيّرة وعدم اليقين الاستراتيجي، تؤكّد واشنطن التزامها المتجدّد تشكيل توازن القوى، لا الردّ عليه”.

إيمان شمص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.