توماس فريدمان: إسرائيل تسير نحو الانتحار

2

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للمعلق توماس فريدمان اختار فيه الطريق السهل قائلا إنه سيترك للمؤرخين مناقشة ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. لكن ما هو واضح تماما في نظره الآن هو أن هذه الحكومة الإسرائيلية ترتكب انتحارا [للكيان] وجرائم قتل [الفلسطينيين] وجرائم قتل “الإخوة” [اليهود].

وعبر في مقالته عن قلقه من أن الحرب تدمر مكانة إسرائيل في العالم وتقتل المدنيين في غزة دون أي اعتبار لحياة الأبرياء، وتمزق المجتمع الإسرائيلي ويهود العالم ممن يريدون الوقوف إلى جانب إسرائيل مهما كلف الأمر، وأولئك الذين لم يعودوا قادرين على تحمل أو تفسير أو تبرير مسار هذه الحكومة الإسرائيلية تجاه الدولة اليهودية، ويريدون الآن النأي بأنفسهم عنها.

وقد لفت انتباه فريدمان مقطع من تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” من إسرائيل يوم الاثنين حول الغارات الإسرائيلية على مستشفى في جنوب غزة، أسفرت عن مقتل 20 شخصا على الأقل، وفقا لوزارة الصحة في غزة، بمن فيهم خمسة صحافيين يعملون في وسائل إعلام دولية، بالإضافة إلى مسعفين وعدة أشخاص آخرين: “قال الجيش الإسرائيلي بأنه نفذ غارة في منطقة مستشفى ناصر، دون أن يحدد الهدف”. وجاء في البيان أن الجيش يأسف “لأي أذى لحق بأفراد غير متورطين”، مضيفا أن “رئيس أركانه أمر بإجراء تحقيق فوري”.

ويعلق فريدمان أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شعر بالفزع من هذا التفسير فأصدر بيانا نادرا أعرب فيه عن أسفه، قائلا إن “إسرائيل تأسف بشدة على هذا الحادث المأساوي”.

وأكد أن ما وصفه نتنياهو بـ”حادث مأساوي” هو النتيجة الحتمية لسياسته المتمثلة في إطالة أمد الحرب في غزة للبقاء في السلطة، وتجنب محاكماته الجنائية وتجنب أي لجنة تحقيق إسرائيلية في تواطؤه العميق في الفشل في منع الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول.

 ويقول فريدمان إن نتنياهو يحتاج لكي يظل في السلطة، لدعم وزراء اليمين المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش، المنخرط في جهد لإغراق الضفة الغربية بأكبر قدر ممكن من المستوطنات اليهودية لمنع قيام أي دولة فلسطينية هناك. كما يشجع سموتريتش على إخلاء الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، لتمهيد الطريق أمام إسرائيل لاستيعاب كليهما.

وأشار إلى أن من المكر والخبث أيضا استخدام الجيش لنقل مئات الآلاف من المدنيين الغزيين من جزء إلى آخر في غزة، بحجة إجلائهم من مناطق القتال، ثم هدم منازلهم عمدا بالجرافات دون أي سبب عسكري حقيقي، بل بدافع خفي واضح، وهو جعل حياتهم بائسة لدرجة تدفعهم إلى مغادرة المنطقة تماما. ومن المخزي أيضا إيقاف المساعدات الإنسانية وبدئها، على أمل أن يجوع الناس بما يكفي للمغادرة.

وقال إن هذا ليس مجرد قتل محض، بل هو أيضا انتحار وقتل للأخوة اليهود، حيث تسير إسرائيل في طريق الدولة المنبوذة، لدرجة أن الإسرائيليين سيفكرون مرتين قبل التحدث بالعبرية عند السفر إلى الخارج. وقدم أمثلة عما يتعرض له الإسرائيليون في الخارج، مثل منع مدير متنزه في جنوب فرنسا مجموعة من الأطفال الإسرائيليين من الدخول. وكذا الحرب الكلامية بين رئيس الوزراء الأسترالي ونتنياهو الذي وصف الأول بالضعيف. ومنع باخرة إسرائيلية من الرسو عند جزيرة سيروس اليونانية.

ويكرر فريدمان لازمته عندما يقارن إسرائيل بحماس ويتساءل: لماذا يتحالف العالم الآن ضد إسرائيل فقط؟ وينسى حماس، مجيبا أن العالم يرفع من قيمة إسرائيل أكثر من حماس، ولأن إسرائيل لطالما رفعت من شأن نفسها.

ثم يكمل الإجابة على السؤال بالقول: ولأن العالم يستطيع الآن التمييز بين حرب تشن من أجل بقاء الدولة اليهودية وحرب تشن من أجل البقاء السياسي لرئيس وزرائها. وأخيرا، لأن العالم لم يعد يستطيع غض الطرف، كما فعل لأشهر، عن فقدان أرواح المدنيين الفلسطينيين في غزة كنتيجة حتمية لحرب كانت إسرائيل – كما أملت – تحاول فيها طرد حماس من غزة واستبدالها بقوة حفظ سلام عربية بالشراكة مع السلطة الفلسطينية. لقد اعترفت السلطة الفلسطينية بإسرائيل، ويمكنها، إذا ما أُعيد تشكيلها، أن تكون شريكا في حل الدولتين.

ولأن نتنياهو أوضح الآن بجلاء رفضه أن تحكم حماس أو السلطة الفلسطينية غزة، فإن الحرب تبدو بشكل متزايد على حقيقتها: حرب لتوسيع احتلال إسرائيل من الضفة الغربية إلى غزة. لذا يبدو للكثيرين حول العالم أن المدنيين الفلسطينيين يقتلون بالعشرات يوميا تقريبا كنتيجة حتمية، ليس لحرب عادلة من أجل بقاء إسرائيل ومحاولة لإيجاد شريك فلسطيني أفضل في غزة، بل لضمان عدم وجود شريك فلسطيني لإسرائيل في غزة.

ويستنتج أنه ليس عجبا أن تفقد إسرائيل هذا العدد الكبير من الأصدقاء حول العالم – بالإضافة إلى شركاء إقليميين محتملين مثل السعودية – الذين أصبح هذا الأمر جليا بالنسبة لهم.

وينهي مقاله بالقول: “للأسف، إذا كان هذا انتحارا جيوسياسيا، كما أعتقد، فقد أصبح انتحارا بمساعدة. وهناك شخص واحد قادر على إيقاف كل هذا الآن، وهو الرئيس ترامب. آمل أن أكون مخطئا، لكنني أخشى أنه – كما خدع فلاديمير بوتين ترامب ليتخلى عن وقف إطلاق النار في أوكرانيا ويختار بدلا من ذلك وهم السلام الشامل، خدع نتنياهو ترامب ليتخلى عن وقف إطلاق النار في غزة سعيا وراء وهم “النصر الشامل” الذي يحلم به نتنياهو”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.