جابر في واشنطن: عبور بين ألغام السّياسة والمال

5

بقلم جوزفين ديب – واشنطن

«أساس ميديا»

على الرغم من الخطاب الرسميّ للوفد اللبنانيّ الذي شارك في اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي في واشنطن، والذي قال إنّه لا انقسامات فيما بينه على المقاربات ولا خلافات، إلّا أنّ خلاصة الأسبوع الماضي من العاصمة الأميركية تؤكّد أنّ في لبنان فريقين: فريقاً يقاتل من أجل إقرار الإصلاحات للوصول إلى اتّفاق مع صندوق النقد، وفريقاً آخر يقاتل لمنع إلزام لبنان بالإصلاحات، معتبراً أنّ الحلّ السياسيّ وحده مفتاح حلّ الأزمة اللبنانيّة.

بين هذا الفريق وذاك كباشٌ مستتر لا بدّ أن يظهر قريباً، لا سيما أنّ وزير الماليّة ياسين جابر استحقّ دعم صندوق النقد والبنك الدولي، وبدأ يشقّ طريق لبنان بين الألغام السياسيّة والماليّة نحو العبور لاستعادة الثقة. ولكن هل ينجح في الوصول إلى النهائيّ؟

نجح الوفد الحكوميّ الذي تقدَّمه وزير المال ياسين جابر في تجديد فرصة لبنان للوصول إلى اتّفاق مع صندوق النقد، عبر غوصه باجتماعاته في تفاصيل العقبات اللبنانيّة التي تعترض إنجاز الإصلاحات بسرعة.

قالت مصادر في صندوق النقد لـ”أساس” إنّ الصندوق يُقوِّم دور جابر كثيراً ويدعمه، لا سيما أنّه يدرك حجم الجهود التي يبذلها “فريق الحكومة الإصلاحي”، مقابل الجهود التي يبذلها “الفريق الماليّ المعارض للإصلاحات” لعدم إجراء الإصلاحات.

خروقات متعدّدة

وسط كلّ التوقّعات السلبيّة لنتائج هذه الاجتماعات، استطاع جابر أن يُحرز خرقاً في أكثر من ملفّ:

– أوّلاً: عقد اجتماعاً مع أصحاب سندات اليوروبوندز لمناقشتهم في كيفيّة تسديد لبنان لديونه وإعادة انتظامه الماليّ الدوليّ وإعادة تصنيفه. وتُعتبر هذه خطوة نوعيّة، مع الإشارة إلى الجهود التي قام بها النائب فريد البستاني أيضاً في هذا الملفّ.

– ثانياً: أقنع جابر صندوق النقد بجدّيّة عمل الحكومة على مستوى قانون الفجوة الماليّة، ونجح في التوصّل إلى مسوّدة قانون ستُعرض على طاولة مجلس الوزراء قريباً.

– ثالثاً: على الرغم من عدم دخول الصندوق في النزاع اللبناني الداخلي على تحديد مسؤوليّة الـ16.5 مليار دولار، يرفض الصندوق بالمبدأ تحميل الدولة كلّ الديون، وهو ما عمل عليه وزير المال رافضاً رفضاً قاطعاً نظريّة تحميل الدولة اللبنانيّة كلّ الأعباء الماليّة بسبب الديون، لأنّها ستعجز عن سدادها، وذلك بخلاف فريق من المصرفيّين، قبل أن يُوكِل الفريقان إلى شركة متخصّصة لبتّ هذا النزاع.

– رابعاً: أثمرت اجتماعات جابر مع ممثّلي الصندوق العربي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية عن اهتمام بتمويل صندوق لإعادة إعمار البنى التحتيّة اللبنانية يُنتظر تأسيسه بموجب تشريع خاصّ من مجلس النوّاب. وتحدّث وزير المال عن إمكان وصول التمويل إلى مليار دولار.

– خامساً: أصرّ الفريق الحكوميّ، يتقدّمه جابر، على الفصل بين الإصلاحات الاقتصاديّة والماليّة وبين السرديّات السياسيّة، ونفى كلّ الحديث عن ضغوط سياسيّة يتعرّض لها الوفد اللبناني، ردّاً على كلّ الكلام القائل إنّ لبنان ليس بحاجة إلى “ختم” صندوق النقد، بل إلى إنجاز استحقاقاته السياسيّة والأمنيّة العالقة فقط.

– سادساً: نجح جابر في اجتماعات الخريف هذه في الحصول على قروض من البنك الدولي في ملفّات حيويّة عدّة، وهو ما يُعتبر تقدّماً ملحوظاً على مستوى الثقة.

بيع السّلاح والسّلام مقابل الإصلاحات؟

في واشنطن، يستعيد الفريق المناهض للاتّفاق مع صندوق النقد رواية عدم حاجة لبنان إلى الصندوق، بل إلى الاستثمارات بعد سحب السلاح من “الحزب” وإنجاز السلام مع إسرائيل. وهذا ما عبّرت عنه الموفدة الأميركيّة مورغان أورتاغوس في قطر قبل أسابيع قليلة جدّاً من إزاحتها عن الملفّ اللبناني، مع الإشارة إلى أنّها، بعدما أحدث تصريحها ضجّة كبيرة واستغلّه الفريق المناهض للاتّفاق، عادت وأكّدت ضرورة الالتزام بشروط الصندوق لينجح لبنان في الحصول على الثقة الدوليّة.

في كواليس النقاشات في العاصمة الأميركية، يطرح الفريق المصرفيّ المناهض للاتّفاق سرديّة “السلاح والسلام مقابل الاتّفاق مع الصندوق”. وفي الكواليس أيضاً، يدور نقاش ليس فقط في صوابيّة هذه المعادلة، بل وفي قدرة أصحابها على تحويلها من المبدأ النظريّ إلى الواقع العمليّ. فمن يملك قرار السلام مع إسرائيل؟ ومن يملك قرار السلاح؟ حتماً ليسوا أصحاب هذه السرديّة. وبالتالي لا يستطيع أحد بيع شيء لا يملكه، حتّى لو كان رهان البعض على حرب تدميريّة على البلد، لأنّ ما يُبنى على العنف ليس سلاماً مستداماً.

من هذا المنطلق، ورد في حديث الموفد الأميركي توم بارّاك على منصّة “إكس” في سياق حديثه عن لبنان، تعبيرٌ شديد الدلالة، إذ قال إنّ واشنطن أعطت لـ”الحزب” فرصة الذهاب إلى اتّفاق من دون هزيمة. بغضّ النظر عن صوابيّة هذا الكلام من عدمه، تكمن المعادلة التي لا تزال مطروحةً وتُعتبر الفرصة الأخيرة للبنان في تحمّل السلطة مسؤوليّتها ووضع خريطة طريق مع “الحزب” لحلّ قضيّة السلاح سريعاً، ومقاربة ملفّ السلام في المنطقة بشكل جديد وعلنيّ يواكب المتغيّرات، من دون تدوير المواقف القديمة وإعادة عرضها وكأنّها جديدة.

أمّا في المال فلا يزال الصندوق، مع كلّ التأخير والملاحظات التي وضعها على القوانين الإصلاحية، يدعم جهود الحكومة اللبنانيّة، التي يقود عملها في الملفّ الماليّ الوزير ياسين جابر، الحريص دائماً في اجتماعاته على فصل كلّ السرديّات السياسيّة في شأن السلاح والسلام عن مهمّته الأساسيّة المتمثّلة في إنقاذ تصنيف لبنان من اللائحة الرماديّة والتزام العمل على تنفيذ شروط صندوق النقد.

يتقدّم لبنان كالسُّلحفاة على مستوى الإصلاحات، إلّا أنّ ما يجب طرحه هنا هو: هل تُحصِّن السلطة، بمختلف رئاساتها، عمل الحكومة الواقعة بين استحقاق تنفيذ شروط الصندوق من جهة، ومحاربة المعارضين للصندوق من جهة أخرى؟ أم في السلطة من هو متواطئ على حكومته؟

لا شكّ أنّ المرحلة المقبلة ستكون أكثر قسوة في هذه المعركة، خصوصاً مع اقتراب وضع الإطار النهائيّ لقانون الفجوة الماليّة والتعديلات على قانون إعادة هيكلة المصارف.

جوزفين ديب – واشنطن

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.