جعجع يدعو إلى مصالحة بين الشيعة واللبنانيين
كتب عوني الكعكي:
سيفاجأ الكثيرون بما سأكتبه اليوم، خصوصاً أنني عندما أعترض على موضوع سياسي، لا تكون أمور خاصة هي السبب، بل أكتب قناعاتي، والمشكلة أنّ ما أكتبه في بعض الأوقات يتعارض مع مصالح بعض السياسيين.
البارحة استمعت بإمعان الى الدكتور سمير جعجع في مناسبة ذكرى «شهداء القوات» وأبدأ بالملاحظات التالية:
1- أبهرتني طريقة إلقاء كلمته بدون أي ورقة، وكأنه متمرّن ومتمرّس بما يقول واستعدّ له منذ مدة.
2- أعجبت بطرحه للمواضيع جميعها.. ولكن من ناحية مبادئه ومصالحه الخاصة به.
3- يعجبني الدكتور أنه من الأشخاص السياسيين الذين يعرفون متى يربحون وكيف يستفيدون مما ربحوه.
وهذا ما حصل بعد «اتفاق الطائف»، إذ علينا أن نعترف أنّ الدكتور جعجع عندما تمّ الاتفاق بين جميع المتقاتلين على تسليم السلاح الى الدولة… أو أن يتخلّوا عنه، أقدم الدكتور سمير جعجع على بيع سلاحه، وهذا يدلّ على أنه تصرّف بمنتهى الذكاء.
وكذلك فعل الزعيم وليد جنبلاط الذي سلّم قسماً منه الى الدولة والقسم الثاني الى الدولة السورية…
وهنا لا أريد أن أقارن بين الدكتور جعجع وبين حزب الله.
إذ لو عدنا الى تاريخ 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 حين وافق الحزب على وقف إطلاق النار مع إسرائيل ولم ينفّذ الخطوة الثانية في الاتفاق وهي تسليم السلاح للدولة اللبنانية، بل ترك إسرائيل تستغل الموقف وتقوم هي بالعمل الذي كان على الحزب أن يفعله.. وهذه خطوة ناقصة اتبعها الحزب… وتُسجّل عليه.
ولا أريد أن أجري مقارنة بين موقف الدكتور جعجع وبين الحزب، ولكن التذكير ضروري لإنعاش ذاكرة القرّاء الأعزاء.
خامساً: لفت انتباهي عندما تحدّث عن الإمام المغيّب سماحة الإمام موسى الصدر، وتبنّى ما قاله الإمام بأنّ لبنان وطن نهائي للشيعة.
سادساً: ما قاله جعجع عن الإمام الخميني قبل أسبوعين من قبول قرار وقف إطلاق النار في الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988، حين أكد على استمرار المقاومة واصفاً أي تردّد بالخيانة. بعدها بأسبوعين فقط، أعلن قبوله بوقف إطلاق النار، ولو أنّ هذا القبول بالنسبة له كان كمن يتجرّع العلقم.
سابعاً: بدت حنكة جعجع حين طالب الحزب بتذكر كلام الإمام علي: «من شاور الرجال شاركها في عقولها. وأعقل الناس من أضاف عقول الناس على عقله».
وهو بهذا دعا الحزب للعودة الى لغة العقل.
ثامناً: استشهد بوصايا سماحة الإمام محمد مهدي شمس الدين حين أوصى أبناءه الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم. وهذه غاية الحكمة.
تاسعاً: وجّه كلامه مخاطباً الشيعة فذكّرهم أنهم لم يأتوا الى لبنان ليذهبوا، بل هم مكوّن أساسي من النسيج اللبناني، وقال لهم:
“إنّ السلاح لا يحمي ولا يبني ولا يردع… وعلى العكس من ذلك تماماً جلب الدمار والخراب والتهجير، واستجلب احتلالاً جديداً… وثبت أيضاً أنّ هذا السلاح لا يحمي الشيعة وإنما يحتمي بهم ويتخذ منهم متراساً، ولا يؤمّن مصالحهم ولا يعالج هواجسهم ومخاوفهم، لا بل يغرقهم في مخاطر وحروب وجودية.
وختم جعجع كلامه بالقول الى الطائفة الشيعية الكريمة:
«ننتظركم مثل سائر اللبنانيين، لننطلق سوياً في مشروع الإنقاذ… في مشروع النهوض والإصلاح. لنبني معاً دولة فعلية ذات سيادة وسلطة مطلقة. فهل أبلغ من القول بأنّ الهدف هو بناء دولة عصرية حديثة تتمتع بالثقة والاستقرار والإنتاجية».
وركزّ جعجع بهدوء وثقة، طالباً من الطائفة الشيعية الكريمة بألا ينخدعوا بكلام مَن يحدثهم عن الضمانات.
وختم: أنتم الثقة وأنتم الضمانة، كما كل مكوّنات لبنان، ضمانة لبعضها البعض.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.