جلسة الخطّة: القليل المُعلَن والكثير المُضمَر والمهوِّل!

4

بقلم نقولا ناصيف

«أساس ميديا»

يلتئم مجلس الوزراء اليوم الجمعة على وقْع صراخ عالٍ: بين مَن يتمسّك بقرار حصر السلاح في يد الدولة يمثّل غالبيّته، وبين رافض الخوض فيه مذ أن عدّه باطلاً كالثنائيّ الشيعيّ. خلافاً للمعتاد، إمّا أن يكون رئيس الجمهوريّة أو رئيس مجلس الوزراء على الحياد أو صِمام أمان لمنع الانقسام وانفجار المجلس والجلسة، أو كلاهما في مقلب المؤيّدين للقرار. كلّ منهما يحسب نفسه عرّابه. الرئيس جوزف عون ذو فضل في إطلاق الشعار والتزامه، والرئيس نوّاف سلام معهود إلى حكومته وضعه موضع التنفيذ.

المعلَن في جلسة مجلس الوزراء اليوم الجمعة، إضافة إلى جدول أعمال أُلحِقَ بالبند الوحيد، مناقشة الخطّة التي سيتقدّم بها قائد الجيش العماد رودولف هيكل أمامه. ثمّ يُفتح باب التكهّنات على ما بعد الاطّلاع عليها: إقرار المجلس الخطّة بالأكثريّة في غياب وزراء الثنائي الشيعيّ، أو التريّث في تنفيذها بعد أخذ العلم بها والموافقة عليها، أو رفع الجلسة إلى موعد لاحق يمهّد لفرصة التوافق عليها؟

أمّا غير المعلَن فهو بعض السجالات والآراء المثارة من حول الجلسة قبل انعقادها، ومن غير المستبعد تأثّر هذه بتداعيات تلك:

1- يبدو قائد الجيش، وهو يحمل الخطّة معه، أكثر مَن يعي خطورة المهمّة المدعوّ إلى تنفيذها بناء على طلب السلطة الدستورية ذات الاختصاص. إلّا أنّه يحمل معه أيضاً إلى الجلسة موقفَين ضروريَّين قبل الخوض في التنفيذ: توفير الإمكانات التي تتيح للجيش أداء المطلوب منه عديداً وعتاداً، وفي الوقت نفسه غطاء جامع يتحمّل المسؤولية السياسية الناجمة عن المهمّة المعهود إليه تنفيذها، وذلك يعني موافقة وزراء الثنائي الشيعي عليها ما دامت ستطبّق على تنظيمَيهما.

خلافاً لعام 1991 عندما كُلّف الجيش جمع السلاح عملاً باتّفاق الطائف، وقضت المهمّة بنزعه من الميليشيات الكبرى، مسيحيّة وشيعيّة ودرزيّة على السواء وفي آن، وهي “القوّات اللبنانية” وحركة أمل والحزب التقدّمي الاشتراكي، وهو ما حصل بالتراضي. المهمّة الجديدة  مختلفة وأكثر حساسيّة وخطورة واستغلالاً دونما أن تفقد جوهرها المنصوص عليه في اتّفاق الطائف، وهو حصر السلاح في يد الدولة، بأن أحال “الحزب” سلاحه إلى سلاح الطائفة الشيعية الذي يحميها وليس سلاح الميليشيا الذي يقاتل العدوّ بعدما فقدَ وظيفته حياله. صوّر ولا يزال مذ طُرح حصر السلاح في يد الدولة على أنّه يُنزع من طائفته كي يجعلها مستهدَفة مهدَّدة في كيانها ووجودها وأمنها وعقيدتها حتّى في الداخل ومع الخارج، فيما المقصود هو الميليشيا بالذات، وهو ما يؤدّي تبعاً لذلك إلى دقّ ناقوس خطر مواجهة بين الطائفة والجيش والتخويف من مؤدّاها.

وحدة الجيش على المحكّ؟

2- يحلو للبعض الدائر في فلك “الحزب”، في معرض افتراض إقدام الجيش على جمع السلاح، التلويح بخطر جدّي يطاول وحدة الجيش وتماسكه إلى حد انقسامه. يستعيد هذا البعض سابقة رافقت أحداث 7 أيّار 2008 عندما استقال المساعد الثاني لمدير المخابرات غسّان بلعة ثمّ انضم إليه 34 ضابطاً سنّيّاً بينهم ذوو رتب عالية، منهم عميد حمّود ورئيس فرع الأمن العسكري عصام عبدالله وقائد المنطقة العسكرية في الشمال عبدالحميد درويش، وذوو رتب دنيا في قوّة المكافحة. التحق بهم على الأثر ضابط درزيّ هو رئيس الأركان شوقي المصري.

عُزيت استقالاتهم من الجيش إلى احتجاجهم على عدم تدخّله لوقف اجتياح “الحزب” الأحياء السنّيّة في بيروت الغربية وصولاً إلى محاصرة قريطم، واتّهامه بالضلوع الضمنيّ في ما حصل من استهداف للطائفة السنّيّة. مغزى استرجاع السابقة أنّ تحرُّك أولئك الضبّاط لم ينشأ من طلب رئيس “تيّار المستقبل” النائب وقتذاك سعد الحريري، بل تحرّكوا من تلقائهم قبل أن تستوعب قيادتهم امتعاضهم وغضبهم وتكلّف الجيش الانتشار في بيروت الغربية.

ما حدث في ذلك الحين من إشعار طائفة باستهدافها من طائفة أخرى مرشّحٌ إلى أن يتكرّر دونما أن يكون ثمّة مَن يوعز بالانقسام والعصيان أو يؤلّب عليه. يُصوَّب هذا الإيحاء في معرض التهديد والتخويف على الجيش مباشرة أكثر منه على السلطات الدستوريّة.

تواصل محدود

3- على الرغم من التواصل المحدود الأثر بين رئيس الجمهورية و”الحزب” عبر وسطاء، بيد أنّه أقرب إلى السلبيّة. مع رئيس البرلمان نبيه برّي التواصل المباشر مقطوع تماماً. لثلاثة أسابيع خلت لم يزُر قصر بعبدا ويجتمع برئيس الجمهورية. حينما أوفد الرئيس إليه أخيراً مستشاره وصهره أندره رحّال لم يفضِ الاجتماع إلى إعادة وصل ما انقطع.

أكثر ما أثار امتعاض برّي قول الموفد له نقلاً عن رئيس الجمهورية إنّه كان في صدد تأجيل جلسة مجلس الوزراء في 5 آب لمزيد من الدرس لو لم يبادر وزراء الثنائي الشيعي إلى الانسحاب منها. الأكثر وقْعاً عند “الحزب” تكراره التعهّد الذي قطعه له قائد الجيش آنذاك، بين دورتَيْ الاقتراع الأولى والثانية في جلسة انتخابه رئيساً للجمهوريّة في 9 كانون الثاني المنصرم، أمام النائبين محمد رعد وعليّ حسن خليل، ومفاده أنّه لن يعمل على سحب سلاح “الحزب”. بعد نحو ساعة من ارفضاض الاجتماع، في خطاب القسم في الجلسة نفسها، قطع الرئيس المنتخَب عهداً على نفسه أمام اللبنانيّين بحصر السلاح في يد الدولة.

المخارج المطروحة

4- ليست دعوة برّي في 31 آب المخرج الوحيد الذي يطرحه الثنائيّ على رئيسَيْ الجمهورية والحكومة، ويقضي بإجراء حوار في سياسة أمن وطني تنبثق منها استراتيجية دفاعية تجمّد مفاعيل قرارَيْ 5 و7 آب. يطرح “الحزب” أيضاً مخرجاً من المعضلة نفسها يقضي بتجميد القرارين المفترض أنّهما مبنيّان على ورقة الموفد الأميركي توم بارّاك، بعدما رفضتها إسرائيل وامتنعت سوريا عن إبداء الاستعداد لتطبيق التزاماتها فيها.

كان لبنان أدخل بنداً إضافيّاً أخيراً في تلك الورقة يُلزم الأفرقاء الثلاثة بتنفيذها وإلّا عدّ نفسه في حِلّ منها. لم تجب سوريا حيال استعدادها الخوض في مصير مزارع شبعا وترسيم الحدود الشرقية، فيما رفضت إسرائيل الانسحاب من التلال الخمس، وقد وسّعت أخيراً انتشارها ليمسي على نقاط تسع، ورفضت إعادة الأسرى قبل تحقّقها من تجريد “الحزب” من آخر خرطوشة في جعبته.

يقول المخرَج المتداوَل وشبه المستحيل إلى تجميد تنفيذ الورقة الأميركية، وتبعاً لذلك قرار حصر السلاح في يد الدولة، وكلاهما يرفضهما “الحزب”، بفعل إخلال الطرفَيْن الآخرين المعنيَّين وتنصُّل الأميركيّين ممّا ألزموا أنفسهم به عند توقيع اتّفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني بضمان تطبيقه كاملاً، ولم يفعلوا.

نقولا ناصيف

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.