حديث الجمعة-التحفيز في الإسلام
التحفيز حاجة فطرية للإنسان تدفعه إلى العمل والإنجاز والارتقاء في مسيرته الحياتية والدينية، فقد يمر بلحظات ضعف وتراخٍ وفتور، مما يستلزم وجود دافع روحي أو نفسي يعينه على الاستمرار ومواجهة الصعوبات.
وقد أولى الإسلام أهمية كبيرة للتحفيز، حيث جمع بين الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، والثواب والعقاب، كوسائل فاعلة لدفع المسلم نحو الطاعة والجد والاجتهاد. ولا شك أن التحفيز في الإسلام يختلف عن غيره من أنظمة التحفيز البشرية، إذ يستمد قوته من إيمانه بالله تعالى، ومن اليقين بالجزاء الأخروي، ومن القيم الأخلاقية والروحية التي تغرس في قلب المسلم حب العمل والالتزام.
أولاً: التحفيز من خلال القرآن الكريم
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تحفّز المؤمن على العمل الصالح وتجنّب المعاصي. فقد استخدم أسلوب الترغيب بالجنة وما فيها من نعيم مقيم، وأسلوب الترهيب من النار وما فيها من عذاب أليم. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ [سورة لقمان]. وفي المقابل قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [سورة المائدة ].
كما استخدم القرآن أسلوب المقارنة بين حال المؤمنين وحال الكافرين. قال تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ [سورة السجدة ] وقال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [سورة المطففين ]، وهو توجيه صريح يحثّ المسلمين على التنافس في الطاعات والخيرات.
ثانياً: التحفيز في السنة النبوية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجّع أصحابه بالكلمة الطيبة، ويُثني على أفعالهم الحسنة، ويضرب لهم الأمثال التي ترفع من عزائمهم. يقول صلى الله عليه وسلم: “الدالّ على الخير كفاعله” [رواه الترمذي]. وهذا تحفيز قوي للمسلم لنشر الخير والدعوة إليه، إذ يجعله يشعر أن مجرد دلالته على عمل صالح له أجر فاعله. كما ورد عنه قوله: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” [رواه البخاري ومسلم]، وهو حديث يحفّز المؤمن على تصحيح نيته في كل عمل، ليكون له الأجر الكامل عند الله.
ثالثاً: التحفيز بالترغيب في الجنة
بما تحمله من نعيم مقيم وخلود أبدي، تعد أعظم وسيلة للتحفيز في الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر” [رواه البخاري ومسلم]. فهذا الوصف يزرع في قلب المؤمن حافزاً لا ينطفئ، يدفعه للعمل الدائم والمجاهدة في سبيل نيل رضا الله. وبلوغ أعلى المراتب.
رابعاً: التحفيز بالتحذير من النار
الترهيب من النار يمثل جانباً آخر من التحفيز، إذ يجعل المسلم يحسب ألف حساب قبل أن يقترف معصية. قال الله تعالى: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ [سورة الليل]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكّر أصحابه بعذابها ليحفّزهم على أي عمل مهما كان بسيطاً يمكن أن يكون سبباً للنجاة من النار، فقال: “اتقوا النار ولو بشق تمرة” [رواه البخاري].
خامساً: التحفيز من خلال القدوة
فقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم النموذج الأعلى في الأخلاق والعمل والعبادة. وكان أصحابه يرونه فيزدادون حباً للطاعة وشوقاً للعبادة. قال الله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [سورة الأحزاب].
سادساً: التحفيز الاجتماعي
لم يغفل الإسلام عن دور المجتمع في التحفيز، فقد دعا إلى التشجيع المتبادل بين المسلمين، وإلى بث روح التعاون والدعم النفسي. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً” [رواه البخاري]. فهذه الروح الجماعية تولّد في الفرد دافعاً للعمل والالتزام، لأنه يشعر أنه جزء من أمة مترابطة.
سابعاً: التحفيز بالثواب الدنيوي
لا يقتصر الإسلام على التحفيز الأخروي، بل وعد أيضاً بخيرات دنيوية للمؤمنين. قال تعالى: ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [سورة النحل]. وهذه الحياة الطيبة هي تحفيز دنيوي ملموس يجعل المسلم يرى ثمرة عمله في الدنيا قبل الآخرة.
ثامناً: التحفيز الذاتي
يغرس الإسلام في المسلم دافعاً داخلياً، وهو ما يعرف بالرقابة الذاتية. فالمسلم لا يحتاج دائماً لمن يراقبه أو يوجهه، لأنه يعلم أن الله مطّلع على عمله. وهذا التحفيز الداخلي هو أقوى أنواع التحفيز، لأنه يجعل الإنسان ثابتاً وصادقاً في السر والعلن.
تاسعاً: التحفيز في ميادين العمل
الإسلام شجّع على العمل والإتقان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” [رواه الطبراني]. هذا الحديث يمثل تحفيزاً عظيماً على الجد والاجتهاد.
ختاماً، من خلال ما سبق نرى أن التحفيز في الإسلام شامل لكل جوانب الحياة، فهو ليس مجرد كلمات تشجيع أو وعود مؤقتة، بل منظومة متكاملة تربط بين الدنيا والآخرة، وبين الفرد والمجتمع، وبين العمل والنية. فالقرآن الكريم والسنة النبوية شكّلا مدرسة للتحفيز الراسخ الذي يصنع أجيالاً قادرة على مواجهة التحديات بثقة وعزيمة. والتحفيز الإسلامي يتميز بأنه يدفع المسلم للعمل لا بدافع المصلحة الفردية فقط، بل من أجل نيل رضا الله وخدمة الأمة. وهكذا يبقى التحفيز في الإسلام من أهم عناصر القوة الروحية والنفسية التي تحتاجها المجتمعات المسلمة في مسيرتها نحو النهضة والتمكين.
المهندس بسام برغوت
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.