حديث الجمعة – الطاقة الإيجابية في الإسلام

9

المهندس بسام برغوت

في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، يبحث الإنسان عن مصادر تمنحه السكينة، وتعينه على مواجهة ضغوط الحياة، وتدفعه نحو النجاح والسلام الداخلي. من بين المفاهيم التي ذاع صيتها في العصر الحديث هو “الطاقة الإيجابية”، وهي تلك القوة النفسية والروحية التي تمنح الإنسان التفاؤل، والرضا، وحسن الظن، والعمل الجاد، والتعامل الحسن مع الذات والآخرين.

ورغم أن هذا المصطلح يُستخدم كثيرًا في مجالات التنمية البشرية والعلوم النفسية الحديثة، إلا أن جذوره راسخة في تعاليم الإسلام وقيمه الروحية والأخلاقية. فالإسلام دين يدعو إلى التفاؤل، والرضا، والمحبة، وحسن الظن بالله وبالناس، ويحث على إزالة المشاعر السلبية كالحسد، والغل، والتشاؤم، واليأس.

-1 مفهوم الطاقة الإيجابية في الإسلام:

رغم أن مصطلح “الطاقة الإيجابية” لم يُذكر صراحة في القرآن الكريم أو السنة النبوية، إلا أن معانيه حاضرة بقوة في النصوص الشرعية. فالإيجابية في الإسلام تُترجم إلى سلوكيات عملية ونفسية وروحية؛ مثل التفاؤل، حسن الظن، الرضا بالقضاء، الإحسان إلى الناس، الإقبال على الحياة، ونشر المحبة والسلام.

الطاقة الإيجابية في الإسلام ليست مجرد شعور داخلي، بل هي حالة دائمة من التوازن بين الإيمان والعمل، بين القلب والضمير، بين الفرد والمجتمع. هي طاقة نابعة من صلة العبد بربه، ومن طهارة القلب ونقاء النفس، ومن تطبيق القيم الإسلامية في الحياة اليومية.

-2 مصادر الطاقة الإيجابية في القرآن الكريم :

القرآن الكريم، كتاب الله الذي أنزله لهداية البشر، مليء بالآيات التي تبث في النفس الإنسانية الطمأنينة، وتحفز على الإيجابية، وتمنع الوقوع في براثن السلبية واليأس، كما يأتي: 

  • حسن الظن بالله: قال تعالى : “وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم” (سورة البقرة). هذه الآية تعلم المسلم أن الخير قد يكون في ما يراه شرًا، وأن عليه أن يحسن الظن بربه، مما يولد في داخله طاقة إيجابية تدفعه للثقة بالله وتقبل الأقدار.
  • الدعوة إلى الصبر والرضا : “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (سورة الشرح). هذه الآية تغرس في القلب الأمل، وتبشر بأن الشدة لن تدوم، وأن بعد الضيق فرج، مما يجعل المسلم يتشبث بالصبر ويستمد طاقته من إيمانه بالله.
  • الدعوة إلى نشر الخير: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (سورة البقرة) ، هذه الآية تدعو إلى الكلمة الطيبة، وهي من أكبر مصادر الطاقة الإيجابية في العلاقات الإنسانية، فالكلمة الطيبة صدقة، وتنعكس على القائل والمقول له بالخير.

-3 توجيهات الرسول في السنة النبوية:

رسول الله محمد هو النموذج الأسمى للطاقة الإيجابية، فقد كان يواجه الشدائد بقلب مطمئن، ويُعامل الناس برحمة، ويغرس في أصحابه حب الحياة والعمل.

  • التفاؤل الدائم: كان النبي يحب الفأل الحسن، ويكره التشاؤم، ويرى أن التفاؤل يجلب الراحة والنجاح، وهو جوهر الطاقة الإيجابية.
  • الابتسامة: قال : “تبسمك في وجه أخيك صدقة.” الابتسامة لغة عالمية، وبثّ للطاقة الإيجابية دون كلمات، وهي سنة نبوية بسيطة ولكنها عظيمة الأثر.
  • زرع الأمل في النفوس: قال : “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”. هذه دعوة واضحة للاستمرار في العمل الإيجابي حتى في أحلك الظروف.

-4 الطاقة الإيجابية في سلوك المسلم:

الإسلام لا يكتفي بالدعوة إلى الإيجابية في الأقوال والمشاعر، بل يحولها إلى سلوك عملي يومي، يشمل:

  • صلة الرحم: التواصل مع الأهل والأقارب يعزز الحب والود، ويقلل من مشاعر الوحدة والضيق، ويبعث في النفس السعادة والرضا.
  • العمل والإنتاج: قال النبي : “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.” العمل المتقن يولّد طاقة إيجابية، ويجعل الإنسان يشعر بقيمته، ويشجعه على العطاء.
  • الذكر والدعاء: الذكر من أعظم مصادر الطاقة الإيجابية، فهو يغذي الروح، ويطهر القلب، ويطمئن النفس: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” (سورة الرعد).

-5 التحرر من الطاقة السلبية في الإسلام:

كما أن الإسلام يحفز على الطاقة الإيجابية، فإنه يحذر من مصادر الطاقة السلبية ، ومنها:

  • الحسد: يؤدي إلى الحقد والكراهية.
  • الغيبة والنميمة: تزرع الفتنة وتنشر السلبية.
  • التشاؤم: يثبط العزائم ويبعد عن التوكل.
  • اليأس والقنوط: منهي عنه، لأن رحمة الله وسعت كل شيء، قال تعالى: “وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (سورة يوسف).

-6 أثر الطاقة الإيجابية على الفرد والمجتمع:

  • على الفرد: تمنحه الطمأنينة – تعزز ثقته بنفسه وبربه – تزيد من إنتاجيته.
  • على المجتمع: تنشر المحبة والسلام – تقلل من العنف والخلافات – تبني مجتمعات قوية متماسكة.

ختاماً، إن الطاقة الإيجابية في الإسلام ليست فكرة سطحية أو مؤقتة، بل هي نمط حياة يرتبط بالإيمان والسلوك والتعامل مع النفس والآخرين. الإسلام دين يدعو إلى التفاؤل، ويزرع الأمل، وينهى عن التشاؤم واليأس، ويحث على العمل والإحسان والرحمة. لذلك، فإن المسلم الذي يعي هذه القيم يعيش حياة مليئة بالسكينة، ويكون مصدر نور لمن حوله. فلنحرص جميعًا على شحن أنفسنا بهذه الطاقة الربانية من خلال الإيمان، الذكر، العمل الصالح، حسن الظن، وصحبة الخير، حتى نكون كما أراد لنا خالقنا: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا”(سورة البقرة).

المهندس بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.