حديث الجمعة – “ ان الله لا يضيع اجر من احسن عملا”

4

المهندس بسام برغوت

فعل الخير من أعظم القيم الإنسانية وله مكانةً بارزة في الإسلام، إذ إنّ الرسالة الإسلامية هدفت إلى تهذيب النفوس وتطهيرها من الأنانية والبخل، وتربيتها على البذل والعطاء. فالخير في الإسلام ليس مجرّد عمل عابر يقوم به المسلم متى شاء، بل هو منهج حياة متكامل يُلازم المؤمن في سلوكه ومعاملاته اليومية، ويعبّر عن حقيقة إيمانه بالله تعالى.

وقد أكّد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على قيمة الخير وفضله، فجعل الله سبحانه وتعالى الجزاء عليه مضاعفًا في الدنيا والآخرة، واعتبره من أعظم وسائل التقرب إليه. كما ارتبط فعل الخير بمفاهيم اجتماعية وأخلاقية عديدة، كالرحمة، والتكافل، والإيثار، ما يجعل منه ركيزة أساسية في بناء مجتمع متماسك متعاون، تسوده المودة والعدالة.

معنى فعل الخير في الإسلام

هو كل عمل يُقرّب إلى الله تعالى وينفع الناس في دينهم أو دنياهم، فالخير لا يقتصر على العبادات والطاعات فقط، بل يشمل الأعمال الدنيوية التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، مثل مساعدة المحتاج، وإطعام الجائع، وتعليم الجاهل، وحماية البيئة، وغير ذلك من صور الإحسان. قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ… وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ﴾ [سورة البقرة]. فالآية تبيّن أنّ البرّ (وهو الخير) يتجلى في الإيمان الصادق مقترنًا بالعمل النافع.

وردت عشرات الآيات من القرآن الكريم  تحثّ على فعل الخير، نذكر منها: قوله تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [سورة الحج]. وقوله: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [سورة الزلزلة]. وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة البقرة].

ومن السنة النبوية : قول النبي : “أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس”. وقوله أيضًا: “كل معروف صدقة”، أي أن كل خير يفعله المسلم تجاه غيره هو بمثابة صدقة يُثاب عليها. وقوله: “اتقوا النار ولو بشق تمرة”، دلالة على أن أي قدر من الخير، ولو كان يسيرًا، له قيمته عند الله.

أنواع فعل الخير في الإسلام

  1. الخير المادي: ويتمثل في العطاء المالي أو المادي، مثل:
  • الصدقة والزكاة: وهي من أبرز صور الخير المادي، تُطهّر المال وتغرس روح التكافل.
  • الإنفاق في سبيل الله: كتمويل مشاريع تعليمية أو صحية أو اجتماعية.
  • إطعام الطعام: وقد جعله النبي من أعظم القربات.
  1. الخير المعنوي : ويشمل كل ما لا يُقاس بالمال، مثل:
  • الكلمة الطيبة: قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83].
  • النصيحة والإرشاد: كتعليم الجاهل أو توجيه الضال.
  • الإصلاح بين الناس: وهو من أعظم القربات التي تؤدي إلى وحدة المجتمع.
  1. الخير العام : وهو ما يعود بالنفع على المجتمع ككل، مثل:
  • بناء المدارس والمستشفيات.
  • الحفاظ على البيئة.
  • المشاركة في المبادرات الاجتماعية والتطوعية.

أثر فعل الخير على الفرد

  1. زيادة الإيمان والتقوى: لأن الخير يقرّب العبد من الله ويجعله أكثر خشية له.
  2. الراحة النفسية: فالمسلم يشعر بالرضا والسعادة حين يُسهم في إسعاد الآخرين.
  3. محبة الناس: إذ يميل البشر طبيعيًا إلى من يحسن إليهم.
  4. البركة في الرزق والعمر: كما ورد في الحديث: “ما نقص مال من صدقة”، أي أن العطاء يزيد صاحبه خيرًا.

أثر فعل الخير على المجتمع

  1. تعزيز التكافل الاجتماعي: فيتعاون الناس على قضاء حوائج بعضهم البعض.
  2. تقليل الفقر والبطالة: عبر نشر ثقافة المساعدة وتوفير الفرص.
  3. إشاعة المحبة والسلام: إذ يقلّ الحقد والكراهية بين الأفراد.
  4. تحقيق العدالة الاجتماعية: فالخير يُعيد التوازن بين الأغنياء والفقراء.

نماذج عملية من فعل الخير

  • النبي : كان أكرم الناس وأسرعهم إلى العطاء، حتى قال فيه الصحابة: “ما سُئل رسول الله عن شيء فقال: لا”.
  • الصحابة الكرام: كأبي بكر الصديق الذي أنفق ماله كله في سبيل الله، وعمر بن الخطاب الذي كان يحمل الدقيق على ظهره للفقراء.
  • التاريخ الإسلامي: مليء بالأوقاف الخيرية التي أسست المدارس والمستشفيات ودور العلم.

صور معاصرة لفعل الخير

في العصر الحديث، لم يعد الخير مقصورًا على صور تقليدية كالصدقة، بل ظهرت مجالات جديدة منها:

  • المشاركة في الجمعيات الخيرية.
  • التطوع في حملات التوعية الصحية والتعليمية.
  • تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين والمتضررين من الحروب والكوارث.
  • دعم المشاريع الصغيرة للأسر المحتاجة.

التحديات التي تواجه فعل الخير

رغم وضوح أهمية الخير، إلا أن هناك تحديات قد تعيق انتشاره، مثل:

  • ضعف الوعي الديني: حيث يجهل بعض الناس فضل العطاء.
  • النزعة الفردية والأنانية: التي تدفع البعض للاهتمام بمصالحه الخاصة فقط.
  • سوء استغلال التبرعات: ما قد يفقد الناس الثقة ببعض الجهات الخيرية.

ختاماً ،

إن فعل الخير في الإسلام ليس عملًا هامشيًا أو اختيارًا ثانويًا، بل هو واجب ديني وأخلاقي يترتب عليه فلاح الإنسان في الدنيا والآخرة. فالخير يختصر جوهر الرسالة الإسلامية التي بُعث بها النبي محمد رحمةً للعالمين. وإذا التزم المسلمون بهذه القيمة العظيمة، فإنهم يسهمون في بناء مجتمع متماسك، متعاون، يعكس الصورة المشرقة للإسلام. ولذلك، يجب أن يحرص كل مسلم على أن يكون فعله اليومي قائمًا على الخير والإحسان، مهما كان صغيرًا، لأن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، بل يجعل لهم في الدنيا رفعةً ومحبةً، وفي الآخرة ثوابًا عظيمًا.

المهندس بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.