حديث الجمعة _ عيد الأضحى المبارك

18

المهندس بسام برغوت

عيد الأضحى هو أحد أعظم المناسبات الدينية في الإسلام، ويُعرف أيضًا بـ”العيد الكبير” مقارنة بعيد الفطر الذي يُسمى “العيد الصغير”. يحتفل به المسلمون في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وهو اليوم التالي ليوم عرفة، أحد أعظم أيام العام في الإسلام. يترافق العيد مع موسم الحج الذي يُعد خامس أركان الإسلام، حيث يؤدي الحجاج مناسكهم في مكة المكرمة، بينما يحتفل المسلمون حول العالم بهذا اليوم المبارك من خلال الصلاة، والأضاحي، والتكبيرات، وصلة الأرحام.

لماذا سُمي “عيد الأضحى” بهذا الاسم؟

سُمي “عيد الأضحى” نسبةً إلى الأضحية التي يُقدمها المسلمون تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى، إحياءً لذكرى نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بذبح ابنه إسماعيل، فامتثل لأمر الله، ولكن الله فداه بكبش عظيم. وقد وردت القصة في القرآن الكريم في سورة الصافات، لتصبح بعد ذلك رمزًا للتضحية والطاعة المطلقة لله.

رمزية الاسم

لفظ “الأضحى” مشتق من “الضحى”، وهو وقت شروق الشمس، ويُقال إن وقت الأضحية المفضل هو بعد صلاة العيد، الذي يأتي عادة في وقت الضحى. كما يُشير الاسم أيضًا إلى التضحية، وهو المعنى الأسمى الذي يحمله هذا العيد في دلالاته الروحية والعملية.

القصة الرمزية: طاعة إبراهيم وابنه إسماعيل

تمثل هذه القصة ملحمة من الإيمان العميق والتسليم الكامل لأمر الله، حيث بلغ إبراهيم عليه السلام قمة الطاعة، وشارك ابنه إسماعيل في نفس درجة الإيمان، إذ قال له: “يا أبتِ افعل ما تؤمر”. لقد أراد الله أن يختبر إيمان عبده إبراهيم، فلما نجح في الامتحان، كافأه الله بأن فدى ابنه بكبش عظيم.

هذه القصة تُعلم المسلمين معاني عظيمة، منها:

الطاعة المطلقة لله دون تردد.

الثقة في حكمة الله ورحمته.

التضحية بكل ما هو غالٍ في سبيل طاعة الله.

شعائر عيد الأضحى

  1. صلاة العيد

تُقام صلاة العيد في صباح يوم العاشر من ذي الحجة، وتتكون من ركعتين تتخللهما تكبيرات زائدة، وتسبقها خطبة يُذكر فيها الناس بفضل الأضحية وأهمية الإحسان والتكافل.

  1. ذبح الأضاحي

ذبح الأضاحي سنة مؤكدة عن النبي ، وتُقسم لحومها إلى ثلاثة أجزاء: ثلث للمضحي، ثلث للأقارب، وثلث للفقراء والمحتاجين. وتشترط الشريعة أن تكون الأضحية خالية من العيوب، وأن تُذبح في الوقت المحدد.

  1. التكبيرات

يبدأ التكبير في عيد الأضحى من فجر يوم عرفة ويستمر حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق، وتُعد هذه الشعيرة تعبيرًا عن فرح المسلمين باكتمال دينهم حيث نزل في يوم عرفة من حجة الوداع قوله تعالى: {… ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ الإسلامَ ديناً.. }[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٣]

  1. الزيارات وصلة الأرحام

يتبادل الناس الزيارات والتهاني، وتُقام ولائم جماعية، مما يعزز الروابط الاجتماعية والعائلية.

الأضحية في الإسلام

– أنواع الأضاحي:

الضأن (الخِراف)

الماعز

البقر

الإبل

– الشروط العامة للذبح :

  1. بلوغ السن المحدد شرعًا.
  2. سلامتها من العيوب (كالعور أو العرج أو المرض).
  3. النية الخالصة لله.
  4. الذبح في الوقت المشروع (من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة).

– الأجر والثواب:

ورد في الحديث الشريف أن رسول الله قال:

“ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق الدم…”

الأبعاد الاجتماعية والروحية لعيد الأضحى

– تعزيز التكافل الاجتماعي

عبر توزيع الأضاحي على الفقراء والمحتاجين، يُعزز عيد الأضحى روح العطاء والإيثار، ويشعر الفقير بأنه ليس وحده في المجتمع، بل هناك من يمد له يد المساعدة ويشاركه فرحة العيد.

– تقوية صلة الأرحام

العيد مناسبة سنوية للقاءات العائلية، ولم الشمل، وزيارة الأقارب والجيران، مما يعزز من ترابط المجتمع وتماسكه.

– غرس معاني التضحية

يعلمنا عيد الأضحى أن القرب من الله يتطلب أحيانًا أو وقتًا أو جهدًا.

– التسامح والمصالحة

كثير من الناس ينتهزون هذه الفرصة لتصفية الخلافات القديمة، وتبادل السلام، وإعادة بناء العلاقات المقطوعة.

الحج وعلاقته بعيد الأضحى

يرتبط عيد الأضحى بشكل مباشر بالحج، ويُعد اليوم العاشر من ذي الحجة يوم النحر للحجاج، حيث يقومون بعد رمي جمرة العقبة بذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف والسعي. ولغير الحجاج، فإن العيد يُعد فرصة روحية لمشاركة هذه الأجواء المباركة بالصلاة والتكبير والذبح.

كيف نستعد لعيد الأضحى؟

النية والتخطيط للأضحية: يجب أن يُخطط المسلم مسبقًا لشراء أضحية مناسبة حسب قدرته المادية.

المشاركة العائلية: تعليم الأبناء معنى الأضحية، وإشراكهم في التجهيز والتوزيع، يرسّخ القيم الإسلامية في نفوسهم.

التزين يوم الصلاة: من السنة أن يتزين المسلمون في العيد، ويلبسون أجمل ما عندهم…

صلاة العيد في الجماعة: يُستحب أداؤها في الساحات مع المسلمين لما فيها من روح جماعية وفرح جماعي.

ختاماً ،

عيد الأضحى ليس مجرد مناسبة تمر مرة في السنة، بل هو رسالة متجددة تحمل معاني عظيمة من الإيمان والطاعة والتضحية والتراحم. وهو فرصة للمسلمين لتجديد علاقتهم بالله، وتزكية نفوسهم، وبناء جسور المودة في مجتمعاتهم. وقد سُمي “عيد الأضحى” لهذا الارتباط العميق بالتضحية، والتقرب إلى الله، والإحياء الرمزي لقصة إبراهيم الخالدة.

في زمن كثرت فيه الانشغالات المادية، يذكّرنا هذا العيد بأن القرب من الله، والبذل في سبيله، هو ما يمنح لحياتنا المعنى الحقيقي.

المهندس بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.