حديث الجمعة_”العفة خلق سام”

15

المهندس بسام برغوت

العفة خلق سامٍ يدعو الإنسان إلى ضبط نفسه والابتعاد عن الشهوات المحرّمة والملذات الزائلة، ويعينه على السمو الروحي والسمو الاجتماعي، وهي من أبرز القيم الأخلاقية التي حثّ عليها الإسلام، لما لها من أثر عظيم في تهذيب النفوس، وحفظ المجتمعات من الانحراف والفساد. وهي ليست قصرًا على جانب معين من جوانب الحياة، بل تشمل مختلف الجوانب الأخلاقية والسلوكية، فتُربي في النفس الشعور بالحياء والوقار، وتُحصّن الفرد من الوقوع في الفواحش، وتجعله قادرًا على اتخاذ قرارات أخلاقية في مواجهة المثيرات، خاصة في زمن الانفتاح التكنولوجي وانتشار الفتن. في هذا المقال، نستعرض مفهوم العفة في الإسلام، وأهميتها، وأشكالها،ووسائل تحقيقها،وأثرها على الفرد والمجتمع،في ظل التحديات المعاصرة.

  • مفهوم العفة في الإسلام :

العفة لغةً تعني التنزه عن القبيح.

  • الاصطلاح الشرعي للعفة : العفة تعني ضبط النفس عن الوقوع في المحرمات .

وهي خلق داخلي، يُترجم إلى سلوك خارجي ينعكس على كلام الإنسان وتصرفاته ولباسه ومواقفه.وهي ليست سلبية ولا حرمانًا،بل تحرر من عبودية الشهوة،وتعبير عن القوة الداخلية.

  • أهمية العفة في الإسلام:
  1. حفظ الفروج والأنساب: قال الله تعالى:”قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ” (سورة النور)،فالعفة هي الحصن الذي يحفظ كرامة الإنسان، ويقيه من الوقوع في الزنا أو غيرها من الانحرافات.
  2. طهارة القلب: فالعفيف يحمل في قلبه نقاءً يجعله أكثر تقربًا إلى الله، وأكثر قدرة على أداء العبادات بصفاء وإخلاص.
  3. استقرار الحياة الأسرية: فتساهم في تعزيز الثقة والاحترام بين الزوجين.
  4. الارتقاء بالمجتمع: المجتمع العفيف هو مجتمع محصّن من الانهيار الأخلاقي، وتقل فيه الجرائم والخيانات الزوجية، وتنتشر فيه المودة والرحمة.
  • أنواع العفة في الإسلام :
  1. عفة الفرج :هي الامتناع عن العلاقات الجنسية غير الشرعية، وعدم الاقتراب من الزنا، ويشمل ذلك اجتناب الاختلاط المحرّم والخلوة والنظر والشهوة.
  2. عفة البصر: فغضّ البصر يقي القلب من التعلّق بالمحرمات ويغلق أبواب الفتنة.
  3. عفة السمع: الابتعاد عن الاستماع الى الاحاديث الهابطة والكلام الفاحش.
  4. عفة اليد:تجنُّب اللمس غير المشروع،او استخدام اليد في الإيذاء أو الاعتداءعلى الحرمات.
  5. عفة اللسان: الابتعاد عن الغيبة، والكذب، والكلام البذيء.
  6. عفة المال: بالابتعاد عن أكل الحرام، كالرشوة والربا والسرقة والنهب، وتُعتبر من أعظم صور العفة التي يثيب الله عليها كثيرًا.
  • عفة المرأة في الإسلام:

المرأة المسلمة في الإسلام تُكرّم وتحاط بسياج من الحياء والعفة، وتُوجَّه إلى الستر والاحتشام. وقد مدح الله تعالى مريم عليها السلام بقوله: “ومريم ابنةَ عمرانَ التي أَحصنَت فرجَها” (سورة التحريم)،فالعفة لا تعني حبس المرأة أو تقييدها، بل هي حماية لها من الذئاب البشرية، وصيانة لجمالها وكرامتها. ويُظهر الحجاب الشرعي واللباس الساتر  عفتها في المجتمع.

  • وسائل تحقيق العفة:
  1. تقوية الإيمان: العفة تبدأ من القلب، ومن امتلأ قلبه بالإيمان بالله واليوم الآخر، سهل عليه أن يُعرض عن الحرام.
  2. الزواج: هو الوسيلة الطبيعية المشروعة يُساعد على الاستقرار النفسي والجسدي.
  3. غض البصر: لأن النظر مفتاح الشهوة، لذلك جاء الأمر الإلهي بغض البصر أولًا.
  4. الصوم: يُضعف الشهوة، ويُقوي الإرادة، ويُربي الصبر.
  5. تجنُّب المثيرات: كالمجالس المختلطة، والمواقع الإباحية، والتطبيقات المشبوهة.
  6. صحبة الأخيار: من أهل التقوى تُقلل من فرص الوقوع في الفتن.
  • العفة في السلوك الرقمي:

في عصر الإنترنت والهواتف الذكية، أصبحت العفة تحديًا جديدًا، فهناك مواقع وتطبيقات ومحتويات تُسهل الوصول إلى الفاحشة بنقرة زر.

  • العفة الرقمية تعني:

الامتناع عن تصفح المواقع الإباحية.

عدم تبادل الصور أو المقاطع الخادشة للحياء.

عدم التعرّض للآخرين بالمراسلات الجنسية.

استخدام الأجهزة بما يرضي الله.

  • نموذج راقي للعفة:

سيدنا يوسف عليه السلام: رغم شبابه وغربته، إلا أنه قال:

“معاذ الله” عندما راودته امرأة العزيز، فاستحق أن يكون نبيًّا مكرمًا.

  • تعزيز العفة في المناهج والأُسَر:

ينبغي أن تُدرَّس العفة بشكل مباشر في المدارس والجامعات، عبر: تدريس التربية الإسلامية بأسلوب واقعي / إقامة ندوات توعوية عن مخاطر الانحراف / التركيز على القدوة الصالحة / فتح حوار بين الآباء والأبناء حول موضوعات الحياء والجنس بمنهجية إسلامية تربوية.

كما يجب على الأسرة: متابعة سلوك الأبناء / تقوية العلاقة الروحية والدينية / تنظيم وقت الأبناء لتجنّب الفراغ والانحراف .

ختاماً ،

 العفة ليست مجرد خلق فردي، بل هي مشروع حياة، وركيزة أساسية لبناء المجتمع الإسلامي المتوازن. العفة تحصّن الفرج، وتزكّي القلب، وتمنح الإنسان قوة الإرادة، وتجعله أقرب إلى الله، وأقدر على مقاومة الفتنة.

وفي زمن كثرت فيه الفتن، وقلّ فيه الحياء، يجب أن نُعيد للعفة مكانتها، في الخطاب الديني، والأسرة، والإعلام، والتعليم. فبها نُقيم مجتمع الطهر والنقاء، الذي أراده الله لعباده في الدنيا، ليستحقوا في الآخرة جناتٍ طاهرة ونعيماً مقيماً.

بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.