حديث الجمعة_مكانة الصلاة في الإسلام

4

المهندس بسام برغوت

تُعدّ الصلاة عماد الدين وأحد أهم أركانه بعد الشهادتين، فهي الفريضة التي لا تسقط عن المسلم في أي حال من الأحوال، ما دام العقل حاضراً والتمييز قائماً. وقد جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية تؤكد على مكانة الصلاة وأثرها في حياة المسلم الدينية والدنيوية، لما تحمله من معانٍ روحية، وتزكية للنفس، وتقوية للعلاقة بين العبد وربه.

أولاً: تعريف الصلاة

الصلاة في اللغة تعني الدعاء، وفي الاصطلاح الشرعي هي أقوال وأفعال مخصوصة في أوقات معينة فرضها الله تعالى على عباده، يفتتحها المسلم بالتكبير ويختمها بالتسليم.

ثانيًا: فريضة الصلاة ومنزلتها في الإسلام

فريضة عظيمة فرض الله سبحانه على المسلمين مباشرة إلى نبيه محمد دون وساطة في ليلة الإسراء والمعراج، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [سورة النساء] .  وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة من أعماله، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، كما ورد في الحديث الشريف: “إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر” [رواه الترمذي].

ثالثًا: أهمية الصلاة في تهذيب النفس

من أهم فوائد الصلاة أنها تطهّر النفس وتهذب السلوك، وتقوّي إرادة المسلم على مجاهدة الشهوات، يقول الله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [سورة العنكبوت]. فالصلاة الحقيقية تؤثر في سلوك المسلم وتجعله يقف عند حدود الله، وتمنعه من الظلم والمعصية، وتزيده إقبالاً على الخير والبرّ.

رابعًا: الصلاة صلة بين العبد وربه

ففي كل ركعة يُناجي المسلم ربه ويقرأ كلامه، ويركع ويسجد له تعظيماً وخضوعاً. وقد شبّه النبي حال العبد في الصلاة بقربه من الله تعالى، فقال: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء” [رواه مسلم]. وهذا القرب الروحي يمنح المسلم طمأنينة وسكينة في قلبه.

خامسًا: فوائد الصلاة الاجتماعية

لصلاة الجماعة أثر عظيم في تقوية الروابط بين المسلمين، فهي تجمعهم في المساجد خمس مرات يوميًا، مما يعزز الألفة والمودة بينهم، ويزيل الكبر والغرور، ويحقق مبدأ المساواة بين الغني والفقير، والكبير والصغير، حيث يقفون صفاً واحداً لا فرق بينهم إلا بالتقوى. وقد قال النبي : “صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة” [متفق عليه]، مما يدل على فضل الاجتماع والاتحاد.

سادسًا: أثر ترك الصلاة وعقوبته

ترك الصلاة عمدًا يُعد من أعظم الذنوب، وقد ورد في ذلك نصوص شديدة الوعيد، قال النبي : “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر” [رواه الترمذي]. أي أن تاركها جحوداً بها يكفر، ومن تركها كسلاً فقد عصى الله وكفر بنعمه ولم يشكرها.

سابعًا: الصلاة راحة للنفس والبدن

لم تكن الصلاة مجرد تكليف ديني، بل جعلها الله تعالى راحة للمؤمن، وتفريجاً لهمومه، وشفاءً لروحه. كان النبي إذا ضايقه أمر قال: “أرحنا بها يا بلال”، في إشارة إلى أن الصلاة هي راحة القلب وسعادة النفس. بل إن الوقوف والخشوع والركوع والسجود لها فوائد صحية ونفسية، حيث تساعد على تنظيم التنفس، وتهدئة الجهاز العصبي، وتحقيق التوازن النفسي.

ثامنًا: المحافظة على الصلاة من صفات المؤمنين

جعل الله تعالى المحافظة على الصلاة من أبرز صفات المؤمنين، فقال في وصفهم: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [سورة المؤمنون]، وقال أيضًا: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [سورة المؤمنون].

تاسعًا: أوقات الصلاة ودقتها

من مظاهر عظمة الصلاة أن الله تعالى ربطها بأوقات محددة خلال اليوم، ما يجعل المسلم مرتبطاً بالزمن وواعياً بتنظيم وقته، فلا يضيع ساعات يومه في الغفلة أو التراخي. وتوزيع الصلوات على اليوم والليلة يضمن للمؤمن مراجعة نفسه بشكل مستمر.

عاشرًا: التربية على الصلاة منذ الصغر

حث الإسلام على تعويد الأبناء على الصلاة منذ نعومة أظفارهم، فقال النبي : “مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها (أي احزموا معهم في أدائها) وهم أبناء عشر” [رواه أبو داود]. إن تربية الطفل على الصلاة تغرس فيه الإيمان، وتنشّئه على الطاعة والالتزام، وتبني له شخصية متزنة قائمة على الصدق والاتصال بالله تعالى.

حادي عشر: الخشوع في الصلاة وأثره

الخشوع في الصلاة هو لبّها وروحها، وبدونه تتحول إلى مجرد حركات لا أثر لها في النفس. وقد امتدح الله تعالى المؤمنين الخاشعين فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [سورة المؤمنون]. الخشوع هو حضور القلب، وتوجه النفس، وخضوع الجوارح، واستشعار عظمة الله أثناء الوقوف بين يديه.

ختاماً، لا شك أن الصلاة تمثل الركن الأعظم بعد الشهادتين، وهي مفتاح الخير، وسبب الطمأنينة، وعنوان الالتزام، وعلامة الإيمان. من حافظ عليها فقد نجا، ومن ضيّعها خسر خسراناً مبيناً. فواجب على كل مسلم أن يحرص على صلاته، أداءً وخشوعاً ومحافظة، وأن يُعلّم أبناءه حب الصلاة وأهميتها، وأن يجعلها جوهر يومه وراحته وسرّ قوته. فهي ليست فقط عبادة، بل مدرسة لتربية النفس، ومحراب للخشوع، ومنبع للنقاء الروحي، ومنارة للمسلم في ظلمات الحياة.

المهندس بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.