حديث الجمعة_نساء رائدات في الاسلام
المهندس بسام برغوت
لم يكن للمرأة في الجاهلية مكانة تُذكر، بل كانت تُحرم من أبسط حقوقها، حتى جاء الإسلام فرفع من قدرها، وصان كرامتها، وأعطاها من الحقوق ما لم تعرفه أمة من قبل. بل أكثر من ذلك، فقد قدّم الإسلام نماذج مشرقة لنساء كنّ رائدات في مجالات الدين والعلم والسياسة والدعوة والجهاد والتربية، فأصبحن قدوات تُحتذى، وأعلامًا في تاريخ الأمة الإسلامية، مما يدل على أن الإسلام دين عدل ومساواة، لا يظلم المرأة، بل يكرمها ويُعلي من شأنها إذا هي التزمت بتعاليمه وسلكت طريقه.
ومن أبرز هذه النماذج، خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أول امرأة آمنت، وكانت سندًا نفسيًا وماديًا للنبي ﷺ، ولم تكن امرأة عادية، بل كانت سيدة تاجرة ذات عقل راجح، وسمعة طيبة، ومكانة اجتماعية مرموقة، وقد قال عنها النبي ﷺ: “آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء”. لقد كانت خديجة بحق نموذجًا للمرأة الداعمة لرسالة الحق، ولعبت دورًا عظيمًا في تثبيت أركان الدعوة في لحظاتها الأولى.
ومن النساء الرائدات أيضًا، عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، زوجة النبي ﷺ وأم المؤمنين، وعالمة الأمة التي كانت تُفتي كبار الصحابة ويرجعون إليها في الحديث والفقه والتفسير، وقد روت عن النبي ﷺ أكثر من ألفي حديث، وكانت لها مكانة كبيرة في نقل سنة رسول الله ﷺ للأمة، فكانت رائدة في العلم، ومؤثرة في تشكيل الفقه الإسلامي في عصور الصحابة والتابعين.
كما تبرز في سجل النساء الرائدات فاطمة الزهراء رضي الله عنها، بنت رسول الله ﷺ، التي كانت نموذجًا للابنة الصالحة، والزوجة الوفية، والأم المجاهدة. كانت امرأة قوية في دينها، ثابتة في مواقفها، زاهدة في حياتها، تحب الخير للناس وتعين الفقراء والمحتاجين. وقد قال عنها النبي ﷺ: “فاطمة بضعة مني، من أغضبها فقد أغضبني”، فكان حبها من حب النبي، ورضاها من رضاه. وقد أنجبت الحسن والحسين، سيدا شباب أهل الجنة، وكان بيتها مدرسة في التربية الإسلامية، جمعت بين العفاف والعبادة والجهاد والصبر، فاستحقت مكانتها في قلوب المسلمين.
ولا يمكن الحديث عن الريادة النسائية في الإسلام دون ذكر أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها، التي كانت من الصحابيات القلائل اللواتي شاركن في القتال في سبيل الله، خاصة في غزوة أحد، حيث دافعت عن النبي ﷺ دفاع الأبطال.
ومن النساء اللاتي خلدهن التاريخ الإسلامي، أسماء بنت أبي بكر، ذات النطاقين، التي لعبت دورًا كبيرًا في الهجرة النبوية، حين كانت شابة شجاعة تحمل الطعام والشراب للنبي ﷺ وأبيها وهما في غار ثور، معرضة حياتها للخطر، مما يؤكد أن الإسلام لا يُقصي المرأة من المشاركة في قضايا الأمة، بل يفتح لها الأبواب لتكون فاعلة ومؤثرة.
وإذا انتقلنا إلى عهد التابعين، برزت أسماء كثيرة لنساء رائدات في العلم والتربية والعبادة، مثل رابعة العدوية، التي كانت من أعلام الزهد والتصوف، واشتهرت بحبها الخالص لله، ومواقفها الإيمانية المؤثرة. كما نجد الشفاء بنت عبد الله، التي كانت من أولى النساء المتعلمات في الإسلام، وقد عهد إليها الخليفة عمر بن الخطاب بتعليم النساء القراءة والكتابة، بل وولاها بعض الأمور الإدارية، وهو دليل على الثقة التي كانت تحظى بها، وعلى وعي الإسلام بأهمية إشراك المرأة المتعلمة في خدمة المجتمع.
وهناك أيضًا أم الدرداء، كانت فقيهة ومحدثة، شاركت زوجها أبو الدرداء في طلب العلم ونشره، وكان يجلس إليها الرجال يستفتونها ويتعلمون منها، مما يدل على أن نساء الأمة لم يكنّ في الظل، بل كنّ في طليعة النهضة العلمية والثقافية.
كما لا يمكن نسيان دور المرأة المسلمة في بناء الحضارة الإسلامية في مجالات متنوعة. فهناك المربيات والمعلمات، مثل أم سلمة، التي كانت راوية للحديث ومربية أجيال، وهناك الشاعرات والأديبات، مثل الخنساء، التي عبّرت عن مشاعرها النبيلة بالشعر، وكانت تُلهب الحماسة في المعارك.
ولا نغفل عن ذكر نساء مسلمات في العصور اللاحقة لزمن النبوة، مثل فاطمة الفهرية، التي أسست أول جامعة في العالم وهي جامعة القرويين في المغرب، وكانت منارة للعلم لقرون. وكذلك زينب الغزالي في العصر الحديث، التي كانت من أبرز الداعيات الإسلاميات في القرن العشرين، ودفعت ثمن صدقها وصبرها بالسجن والتعذيب، لكنها بقيت صامدة في وجه الظلم، مؤمنة برسالتها، داعية إلى تمكين المرأة المسلمة بالعلم والدين.
إن كل هذه النماذج وغيرها تدحض الافتراءات التي تُلصق بالإسلام وتزعم أنه همّش دور المرأة أو حبسها في زوايا البيت. فالمرأة المسلمة كانت، وما زالت، شريكة في بناء الأمة، ومؤثرة في صناعة القرار، وفاعلة في ميادين الجهاد والدعوة والعلم والتربية. لكن الإسلام وضع لها الضوابط التي تحفظ كرامتها وتصون عفتها، وضمن لها المشاركة دون أن تفقد خصوصيتها.
ختاماً ، إن الحديث عن نساء رائدات في الإسلام ليس مجرد استعراض لأسماء، بل هو تأكيد على أن المرأة المسلمة كانت ولا تزال حجر الأساس في بناء الحضارة الإسلامية.
إن ما تحتاجه المرأة المسلمة اليوم هو استعادة هذا المجد، والعودة إلى تلك النماذج المضيئة، لتستلهم منها القوة والهمة، وتثبت أن لها دورًا محوريًا في نهضة الأمة وازدهارها. وعليها أن تتيقن أن الإسلام الذي أنجب خديجة وعائشة وفاطمة وأسماء والشّفاء، قادر اليوم على أن يُنجب نساء رائدات في كل مجال، شرط أن يُفهم فهماً صحيحاً ويُطبق بوعي واعتدال.
المهندس بسام برغوت
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.