حديث رمضان – «رمضان مدرسة والصوم رسالة»

26

بقلم يوسف محمد بيضون

رئيس مجلس امناء الجمعية الخيرية الاسلامية العاملية

بسم الله الرحمن الرحيم

شهر رمضان مدرسة والصوم رسالة هدفها نفض الانسان بحملة تطهيرية و تربوية بناءة، توسع الإنسان كله: عقله و جسمه و روحه.. و تعيد منه كل سنة خلقاً جديداً.

وقد خص الله عز وجل شهر رمضان بفضائل وخصائص عن بقية الشهور، ومن ذلك:

أن الله عز وجل جعل صومه الركن الرابع من أركان الإسلام وأنزل فيه القرآن، كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه. البقرة / 185.

أن الله جعل فيه ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، كما قال تعالى: « إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ». القدر / 1-5.

هو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصوم نصف الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال تعالى: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب» الزمر/10.

هو شهر الدعاء، قال تعالى عقيب آيات الصيام: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» البقرة/186.

هو شهر الجود والإحسان؛ ولذا قال نبينا (ص) : «أجود ما يكون في شهر رمضان.»

يقتضي الحديث عن شهر رمضان عن الصوم ايضاً، كون رمضان هو شهر الصيام في الإسلام. فإنَّ الصيام وإن كان ممكناً بل مستحباً سائر أيام السنة، عدا يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، إلا أنَّ اختصاص شهر رمضان بالصيام ووجوبه فيه، يجعل بينهما خصوصيةً لا توجد خارج هذا الشهر المبارك.

فبالصوم يواجه الانسان اشد غرائزه الشخصية ويسيطر على نفسه في طريق الايمان.

والصيام  هو أكثر الوسائل التعليمية قوةً، فهو يُمارس في قصور الملوك وفي بيوت الفقراء على السواء، يصوم الكهل والشاب والصغير،  وأهم ما في ذلك أنه يمارس ممارسة حقيقية.

معنى الصوم في اللغةً هو الإمساك او الكفُّ عن أيِّ شيءٍ قد يرغب فيه الإنسان ، وشرعاً هو الإمساك عن المفطِّرات مع النية. فالصوم مع اقترانه بقصد القربة إلى الله ، يعني رمزيةً واضحةً عن الإمساك عن اللذائذ المحرمة اصلاً وكفِّ النفس عنها والصبر على تركها، كذلك الكفّ عن  اللذائذ والإندفاعات النفسية المباحة التي يكون في تركها تكاملٌ معنويٌّ مرضٍ لله عزَّ وجل.

إنَّ الصوم يكاد أن يكون هو العبادة الوحيدة التي يمكن أن تبقى مكتومةً عن غير الله وبذلك يكون خالياً من الرياء.

لخص الامام علي (ع) الصوم «صَوْمُ النَّفْسِ إمْساكُ الحَواسِّ الخَمْسِ عَنْ سائِرِ المَآثِمِ، وَ خُلُوُّ القَلْبِ عَنْ جَميعِ أسْبابِ الشَّرِّ»

فصوم المؤمن يذكر بجوع يوم القيامة وعطشه و مجرد التذكر لجوع وعطش يوم القيامة بنفسه ليس فيه فائدةٌ كبيرة، ما لم ينزل إلى حيِّز التطبيق، فيصحِّح به سائر أعماله، فيترك غير المرضيِّ ويسلك السلوك المرضيّ، ويتوجه إلى ربه حقَّ التوجه.

كما يذكِّر الصوم بجوع الفقراء وعطشهم، وهذا أيضاً ينبغي أن يقترن بممارسات عملية لكي يكون منتجاً، فهو يتوقف على عدم الإسراف في الطعام والشراب مضافاً إلى أنه لا يكون منتجاً، ما لم يكن له نتيجةٌ عملية، وهي مساعدة المحتاجين ، وأما إذا التفت الفرد الموسر إلى حالة الفقراء، فاستمرَّ على بخله وإعراضه وتكبره، فسوف يزداد سوءاً ولعنةً وبعداً عن الإيمان.

الصوم يذكِّرنا بأحوال الدنيا لمن كان غافلاً عنها، فإنَّ الدنيا نزولٌ وصعود وأحوال متقلبةٌ وصفات مختلفة. وأيام الصوم كذلك، فإنَّ الفرد خلال صومه يعاني الجوع والعطش غالباً، بينما نراه في الليل شابعاً راوياً يسعد بالراحة واللذة ، فقد رأى تحول الأحوال في يومٍ واحد، فكيف بتحويلها في الأيام المتعددة.

أنَّ الصوم بما فيه من كفِّ النفس عن الطعام والشراب، وغيرها من المفطرات يمكن أن يعوِّد الفرد على درجةٍ مهمةٍ من قوة الإرادة والتحمُّل والصبر في المعاناة، الأمر الذي يسهل عليه تحمل معاناةٍ أخرى مما تتطلبه الحياة.

للصوم جانب مادي متمثل بالامساك عن الطعام والشراب والشهوات المباحة والجانب الاخر الروحي الذي يعود النفس على الاستغناء -مختارةً- عن المكروهات مهما بدا فيها من الإغراء، فتتحقق الإنسانية من جانب آخر بإظهار حرية الإنسان واختياره للطاعة، وهو ما يضعه في مرتبة مميزة بين المخلوقات، ليكون الصيام أعلى تعبير عن الإرادة، أي فعل الحرية. الصوم اذاً هو التفوق على الجسد.. وأن تكون إنسانًا.

وقد اطل علينا شهر رمضان هذا العام حاملاً معه الرحمة الالهية، وتزامن حلوله مع الصوم الكبير لدى كافة الطوائف المسيحية مما يؤكد عبادة الله الواحد، وضرورة الوحدة والتضامن بين جميع مكونات وطننا الحبيب، ليتشارك بذلك اللبنانيون الصوم كأسرة واحدة ويتحول لبنان بمسجاده وكنائسه وخلواته الى واحة صلاة وايمان راجين الله الرحمة وان  يمنّ على وطننا بالأمن والسلام وان يخرجنا من اتون المحن التي ترهق بلدنا.

يوسف محمد بيضون

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.