حديث رمضان _ نفحات رمضانية في الأوقات الصعبة

27

بقلم دكتور أمين فرشوخ

العميد السابق لكلية الدراسات الاسلامية في جامعة المقاصد

الصيام ليس الامساك عن الطعام فقط، بل هو الامساك ايضا عن الإثم في أنواعه، والترقي في تصفية النفس وتزكيتها. ونحن نقول الصيام وليس الصوم، إذ جاء لفظ الصوم مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة مريم الآية 26، إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) أي أسكت السيدة مريم عن الكلام، أما لفظ الصيام فورد سبع مرات في القرآن الكريم بمعنى الامساك عن الطعام والابتعاد عن المعاصي والآثام. ولفظ رمضان ورد مرة واحدة أيضاً في سورة البقرة الآيات: 182-183-184 في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام.. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن….

وقد اجتهد الإمام الغزالي فتحدث عن درجات الصيام ( نقده كثيرون) فقال : للصيام ثلاث درجات: عادية للعوام وفيها يمسك الصائم عن الطعام كافا بطنه وفرجه عن الشهوات، وخاصة وفيها يحفظ الصائم سمعه وبصره ولسانه وجميع أعضائه عن الآثام، وخاصة الخاصة، وهي أرفع درجات الصيام، بأن يصوم القلب عن الدنيويات ليزهد، في كل شيء ويصفو…. وهي معان صحيحة، تؤكد حسن خلق المؤمن الصائم، إذ إن أهون الصيام هو ترك الطعام والشراب.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش البذيء وكم من مثال سيء نصادفه كل يوم يفحش في القول والعمل، أو لا يرعوي عن تجاوز كل قانون أو عرف جيد.

هذه الأعمال الصالحة الدالة على حسن الخلق عند المؤمن وهو يؤدي فريضة الصيام تفتح له أبواب الجنة إن شاء الله.

واليوم، يمر علينا هذا الشهر الفضيل ونحن في ضائقة شديدة على كل الصعد، فالضغط اقتصادي واجتماعي ونفسي، ليكون الصيام أكثر قسوة على البعض، ونرى ذلك واضحا، كما نحسه خفياً عند العائلات المتعففة، تلك التي لا تشكو ولا تسأل. فلنقو ايماننا فنصوم ونحن فرحون بالثواب، لا مكتتبون ومحبطون ومستاؤون، فهذه العبادة تنير القلوب وتجفف السيئات، ليحل محلها الفرح والتفاؤل والصيام، في دراسة العلماء، صحة للجسم، ينشطه ويخلصه من السموم، وهو أيضا ذو بعد روحي ونفسي واجتماعي. وقد قرنا إسلامياً، الصيام بالعطاء، وذلك بمشاركة الآخرين صلياً، بتلبية دعوات الإفطار الجامعة، أو بضم أفراد من العائلة الى مواندنا، وأتذكر كم كان مباركاً ما كانت تقوم به دار الايتام الاسلامية بالموافقة على إرسال أطفال يتامى ليكونوا على مائدة عائلة تدعو الى ذلك، فيختلط أولادها بالأيتام الضيوف، يتشاركون الطعام والحديث…

ويكون العطاء بالبذل لمن يهتم أو يرعى أو يعتني باليتامى والمرضى والمعاقين والفقراء عامة.. ومن العطاء الطاهر أيضاً فريضة الزكاة، التي يستحب المؤمنون أداءها في هذا الشهر الفضيل، وكم هي الحاجة ماسة لإغناء صندوق الزكاة اليوم، بحصة مما يتوجب على كل مؤمن تيسر له النصاب الشرعي، ونحن في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها. هذه المشاركة المباركة بين المؤمنين تقربهم من بعضهم البعض، وتزيد من فرح العطاء بتقارب الأرواح والأجساد والأحاسيس، وفي هذا البعد الاجتماعي المبارك نطبق حديث رسولنا الكريم حين قال: إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم اخلاقاً والطفهم بأهله فأين اليوم تلك الرحمة التي فقدت، فصار كثير من الناس غلاظ القلوب، تنتشر فيهم العداوة والبغضاء…. أين التواضع للرفق بالآخرين، ولماذا الاقتتال على الدنيا

هكذا؟ ألن نعود الى الاسلام الصحيح وننظر في سلوك نبينا صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فقال فيه: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، إذ كان جماعاً للأخلاق الطيبة هو القائل عن نفسه : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.

وفي عودتنا للقرآن الكريم، قراءة ودراية، وإلى سنة رسولنا الكريم، كم تصفو قلوب المؤمنين.

وتهذب السنتهم، ويقوى إيمانهم، فنرى الفرح فيهم، والتواضع في سلوكهم، وتعاونهم على الخير بالكلمة الطيبة، والعطاء من القلب، و المشاركة بمحبة.

وأخيراً علينا بالصبر الدعاء لدرء هذه الضغوط الطارئة، يقول تعالى لنا ) واذا من الانسان ضر دعانا لنجيبه) سورة يونس الآية 12 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

دكتور أمين فرشوخ

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.