حصر السلاح: عون طلب مساعدة إيران

5

بقلم نقولا ناصيف

«أساس ميديا»

انتهت جلسة مجلس الوزراء في 5 أيلول إلى تسوية على الطريقة اللبنانية. رابح – رابح في لعبة منطقُها أن تفضي إلى رابح وخاسر: إمّا حصر السلاح في يد الدولة، أو تركه على إطلاقه، يربح قرار حكومة الرئيس نوّاف سلام أو يربح تمسّك “الحزب” بسلاحه. ما حدث كان أسوأ الممكن لا أحسنه، بذريعة التخويف والتهويل بانفجار يجرف الجميع. في نهاية المطاف حيل دون هذا الانفجار بتكلفة. إلّا أنّ العهد دخل، مبكّراً في الشهر التاسع من السنة الأولى للولاية، في إدارة الأزمة.

فسَّرت الحكومة اللبنانية بعد جلسة مجلس الوزراء في 5 أيلول قرارها بأنّه ثبّت حصر السلاح في يد الدولة وبات على الجيش تنفيذه بدليل التقرير الشهري الدوريّ للمراحل التالية. وفسَّر “الحزب” الجلسة على أنّ صاحب القرار تراجع عنه دونما أن يلغيه، ما إن صرف النظر عن المهلة المقيِّدة وما دام أظهر عجزه عن وضعه موضع التنفيذ وعاد إلى حيث كان يجب أن يبدأ، وهو مناقشة استراتيجية الأمن الوطني.

ليسا خاسرَيْن بل رابحان، لكنّ كلّاً منهما على طريقته. إذاً خرجا من جلسة مجلس الوزراء، الذي حضرها والذي انسحب منها، بخلاصة يتيمة مشتركة: لا تزال المعضلة نفسها ولم تُحلّ، وما عليهما سوى التعايش معها واعتيادها، إلّا إذا أتى من الغيب مَن يضعهما في المواجهة مجدّداً. ذلك ما يتساويان في الرهان عليه.

قبل قرارَيْ 5 و7 آب، لم يكن في الوارد القريب، لدى رئيس الجمهوريّة على الأقلّ، صدور قرار عن مجلس الوزراء يحصر السلاح في يد الدولة، ولا تكليف الجيش وضع خطّة ذات مهلة ملزِمة. أضحى القرار واجباً بعد تغريدة الموفد الأميركي توم بارّاك التي دعا فيها لبنان إلى إقران الأقوال بالأفعال.

المسألة الشّيعيّة

بعد صدور القرار، نشأ ما بات يسمّى “المسألة الشيعيّة”: رفَضَه “الحزب” وأصرّ على التمسّك بسلاحه، ثمّ ذهب في مواجهة مزدوجة شملت في آن واحد رئيسَيْ الجمهوريّة جوزف عون والحكومة نوّاف سلام، الأوّل بخفوت مضمر، والثاني جهاراً. فجأة قلّب “الحزب”، معوِّلاً على تمكّنه من تحقيق أوسع اصطفاف شيعيّ من حول سلاحه، أوراق الماضي القريب بينه وبين رئيس الجمهوريّة:

  • قطع له عون عندما كان لا يزال في قيادة الجيش، وقد توسّع آنذاك الحديث عن ترشّحه لانتخابات الرئاسة، تعهّداً مفاده أنّه لن يثير موضوع سحب سلاح “الحزب” قبل الانتخابات النيابية المقبلة (2026).
  • بين دورتَيْ الاقتراع الأولى والثانية في 9 كانون الثاني المنصرم، انتحى الرئيس في منزله بالنائب محمّد رعد جانباً، وقال له إنّه لن يُقدم على أيّ خطوة على صلة بسلاح “الحزب” إلّا بالتفاهم معه.

أتى قرار حكومة سلام ليقوّض التعهّدَيْن ويجعلهما يتبخّران. ما إن اقترن بالطلب من الجيش وضع خطّة تطبيق حصر السلاح في يد الدولة وجمعه قبل 31 كانون الأوّل، وجّه “الحزب” إلى الرئيسَين ثلاثة تهديدات في المدّة الفاصلة بين جلستَيْ 7 آب و5 أيلول:

  • إذا تحرّك الجيش في اتّجاه أيّ من المؤسّسات المدنية التابعة له بما فيها القرض الحسن، فسيُواجَه بـ”عوائل الشهداء” في الشارع.
  • إذا اقترب الجيش من أيّ من المواقع العسكريّة لـ”الحزب” أو مخازنه، فسيُواجَه بعناصر حماية المكان وسيكون الردّ بالقوّة على محاولة دخولها بالقوّة.
  • وقف تعاون “الحزب” مع الجيش في مناطق جنوب نهر الليطاني ردّاً على التخلّي عن التعهّدات السابقة المقطوعة. بينما ساء رئيس الجمهورية نبأ كهذا، عزاه “الحزب” إلى أنّه سهّل للجيش ما يكفل انتشاره في بقعة جنوب نهر الليطاني وأخلى الضاحية الجنوبية من السلاح وأطلق يده في التحرّك فيها، على أن يُصار إلى التفاهم على الخطّة التالية لشمال نهر الليطاني وفي كلّ لبنان في التوقيت المناسب، وتبعاً لضمانات موثوق بها ومؤكّدة، منها استراتيجبة الأمن الوطني. إذاً قرارا 5 آب و7 منه يدمجان جنوب نهر الليطاني بشماله، ويجري التنصّل من التفاهم المسبق وتُحدَّد مهلة ملزِمة لجمع السلاح.
  • توسيط إيران
  • المدّة الفاصلة بين جلستَيْ 7 آب و5 أيلول شهدت أيضاً سرّاً مهمّاً غير محسوب ولا متوقّعاً على صلة مباشرة بتهديدات “الحزب” بغية التخفيف من روعه:
  • خلال زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيراني علي لاريجاني لرئيس الجمهورية في قصر بعبدا في 13 آب، اقترب مستشار الرئيس صهره أندره رحّال من السفير الإيراني مجتبى أماني وأعرب عن رغبته في زيارته، فلم يمانع على أن يُحدّد موعدها لاحقاً. بعد أيّام اتّصل رحّال بالسفير لتحديد الموعد فاتّفقا عليه.
  • على الأثر خابر أماني النائب محمد رعد وأعلمه بطلب المستشار أن يزوره وبتحديده له موعداً يوم الخميس. جواب رعد أن لا مشكلة في الموعد مع تمنّيه على السفير ترك معالجة المشكلة لـ”الحزب” لأنّه المعنيّ المباشر بها. حضر رحّال في الموعد طالباً توسّط إيران لدى “الحزب” لثنيه عن تشدّده والتعاون مع الحكومة اللبنانية حيال قرارها. أجاب أماني نائياً بنفسه عن أيّ دور: أنتم تطلبون عدم تدخّل إيران في الشؤون الداخلية للبنان. إيران لا تتدخّل في الشؤون اللبنانية ولا تريد. موضوع “الحزب” بينكم وبينه.
  • استكملا حوارهما على الغداء. فيما بعد ذهب رحّال إلى مقابلة رعد، فسمع كلاماً من العيار الثقيل في حقّ الرئاسة الأولى. لم يكتفِ بإبداء الغضب والامتعاض، بل نمّ كلامه عن فقدان عميق للثقة بينهما.
  • رهان “الحزب”
  • أمّا ما لا يقوله “الحزب”، إضافة إلى تمسّكه المعلن بسلاحه ورفضه التخلّي عنه، فهو إصراره على إلغاء قرار حكومة سلام في 5 آب، على الرغم من اعتقاده تبعاً لتفسيره أنّ جلسة 5 أيلول جمّدت تنفيذه إجرائيّاً لعجزها عن تطبيقه، أو فرض التطبيق لكن دونما أن يُلغى قانوناً. سيظلّ “الحزب” يلاحقه إلى أن يسقطه تماماً ما إن تتغيّر التوازنات الأخيرة الناشئة عن وقائع الحرب الإسرائيلية، في بلد لا يعرف من تعاقب الأحوال و”تلك الأيّام نداولها بين الناس” سوى: يوم لك ويوم عليك،

نقولا ناصيف

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.