حفلة الجنون اللبنانية في وجه العاصفة

28

مصباح العلي
في ظل التصعيد الإسرائيلي المستجد، وعودة المسيرات إلى سماء لبنان، وتكاثر التهديدات بشنّ عملية عسكرية واسعة تستهدف حزب الله تحت عنوان «نزع سلاحه بالقوة»، يطفو سؤال بديهي ومفصلي: هل يمتلك لبنان القدرة على المواجهة العسكرية من دون عامل الردع الذي تؤمّنه المقاومة؟
هذا السؤال لا ينفصل عن واقع داخلي وإقليمي بالغ التعقيد. فمنذ الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، شكّل حزب الله عنصر الردع الأساس في معادلة الصراع، واستطاع بفضل ترسانة صاروخية وخبرة ميدانية أن يفرض معادلات ردٍّ متبادلة، ولو نسبية. غير أنّ التحوّلات الأخيرة أضعفت موقعه الموضوعي. فبعد رحيل السيد حسن نصرالله وتولّي الشيخ نعيم قاسم القيادة، يصعب خلال عام واحد تعويض ما بناه الرجل خلال عقدين من قيادة وكاريزما وتأثير رمزي يتجاوز الجغرافيا.
صحيح أن الحزب نجح في تمرير بعض شحنات السلاح في ظل الحصار والمراقبة، لكنّ هذا لا يكفي لتأمين توازن فعلي مع إسرائيل التي تتقدّم تقنياً وتكنولوجياً على نحو مذهل. فوق ذلك، فقد حزب الله جزءاً كبيراً من الرافعة الداخلية والاحتضان العربي اللذين كانا يوفّران له شرعية «المقاومة»، بعدما تورّط في حروب خارج الحدود من سوريا إلى اليمن، ما جعل صورته تتحوّل من مشروع تحرير إلى طرف إقليمي ذي أجندة أوسع من لبنان.
ومع ذلك، لا يعني هذا أنّ على لبنان أن يستسلم للمطالب الإسرائيلية التي تسعى إلى تصفية فكرة الوطن القائم على التنوع والتعايش الديني. بل العكس تماماً: المطلوب اليوم إعادة تعريف الموقف الوطني ضمن إجماع جامع، لا يخضع لمعادلات الطوائف ولا للمزايدات الشعبوية، بل ينطلق من الدفاع عن السيادة والكرامة الوطنية. فالقوة الحقيقية للبنان لا تختصر في الصواريخ، بل في وحدته الداخلية وقدرته على صياغة خطاب سياسي متماسك يرفض العدوان ويُجنّب البلاد الانزلاق إلى الفوضى.
على لبنان أن يحصّن موقفه الوطني بثلاث ركائز واضحة:
أولاً، توحيد الجبهة الداخلية عبر حوار وطني صادق يحدّد موقفاً موحّداً من مسألة السلاح والدفاع.
ثانياً، تعزيز قدرات الجيش اللبناني بوصفه المؤسسة الشرعية الوحيدة المخوّلة حماية الحدود، من دون استهداف مباشر للمقاومة بل في سياق تكاملي تدريجي.
ثالثاً، اعتماد المسار الدبلوماسي الإقليمي والدولي لتأمين ضمانات تحمي لبنان من حرب مدمّرة وتعيد الاعتبار لقضيته في المحافل الدولية.
قد يبدو المشهد كأنه حفلة جنون سياسية، يتبارى فيها البعض بالتصريحات الطائفية ويتمنّى آخرون أن تُنهي إسرائيل وجود حزب الله لتمنحهم فتات حيثية شعبية، لكنّ التاريخ يعلّمنا أنّ من يراهن على العدو خاسر حتماً. فلبنان لا يُحمى بالرهانات الصغيرة بل بالإرادة الوطنية الكبرى، تلك التي تجعل من الخلاف تنوّعاً، ومن الضعف سبباً للتكاتف.
مصباح العلي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.