حكاية نضال
بقلم فوزي عساكر
رئيس تحرير مجلة «العالمية»
نضال، هو ابن بلدة نائية وعائلة راضية، كان والده طمبرجيّاً يبيع الكاز على صهريجه، الذي يجرّه حمارٌ حافظٌ درسَهُ، يعرف كلَّ طرقات الضيعة وزواريبها وكان أبو نضال لفطنته الواهية، يعتمد على الحمار في رسم الطريق!!!
تربّى نضال على هذه الـمبادئ السامية، وتعلّم وتَخرّج من الجامعة، يحمل شهادة طبيب بيطري. فهنّأهُ أهل بيته والجيران، وأمَّتْ دارتَه كلُّ عائلات الضيعة، وطالبوا بتعيينه في مستوصف الضيعة ليعالجهم، لعدم علمهم أنّ اختصاصه للحيوان وليس للإنسان!
ولكنّ نضالاً، وافق وأصبح طبيبًا لِمستوصف بلدته، وجاء تعيينه لبُعد رؤية الحكام عندنا، الذين يختارون دائمًا الرجل المناسب للمكان المناسب! فراح نضال يعالـجُ الناس ويولّد الأبقار، ويداوي التيوس، ويصف الدواء للرؤوس! مذهلٌ هذا الطبيب، استطاع أن يساوي بين الإنسان والحيوان في آن!
افتقرت الدولة إلى وزير يدوّر الزوايا – بالـمعنى السياسي – واختارت نضالاً وزيرًا للبشر في حكومة التكنوقراط، لإنقاذ البلاد والعباد. وكعادته، وافق نضال، فهو رجل كل المراحل وكل المناسبات، ولا يستطيع أن يرفض واجبًا وطنيّاً ولا إنسانيّاً ولا حتى حيوانيّاً!…
صار نضال وزيرًا، ففرح أهل بلدته، وحزنت كل حيوانات البلدة، لأنّ الطبيب البيطريّ الذي كان يعالجها، قد يستطيع معالجة البشر، أمّا إذا استُبدِلَ بطبيب البشر فسيتعذّر عليه حتمًا معالجة الحيوانات. ولكنه… صار وزيرًا!
أُولى إنْجازات صاحب المعالي، كانت إطلاق الشعارات واليافطات، ورفع سعر الدواء والاستفادة من الصفقات… استيراد أدوية غير مطابقة للمواصفات بأسعار خيالية… التوقيع على بناء مستشفيات في الأوهام، واختلاس التمويل المخصص لها… وبِما أنه اعتادَ على مسؤوليات بعيدة عن مهنته، لم يكن من الصعب عليه الدخول في صفقات الصناعة والزراعة والسياحة… تحت شعارات فضفاضة، إلى أن بلغ مَجدًا وجَمع ثروةً تُفقِرُ دولة، دون أن يحسب أنه وزير لِمرحلة قد تقصر وقد تطول، ولكنها ستنتهي. فلم يتّعظ من مَثَلِ الغني في الإنْجيل، «عندما أخصبت أرضه فقال: أَهدمُ مخازني وأَبني أعظم، وأَجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي، وأَقول لنفسي: يا نفسي، لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. إستريحي وكُلي واشربي وافرحي. فقال له الله: يا غبيّ، في هذه الليلة تُطلَب نفسك منك. فهذه التي أعددتَها، لِمَن تكون؟»
وهكذا، راح الوزير يجمع حوله زمرةً من المستغلّين، ويُبعدُ عنه الأوادم كي لا يكتشفوا احتياله. وراح «يلبّط» كلَّ مَن حوله – فهو الوزير – إلى أن جاء الحاكم، وقال له: سلِّم سلاحك، وارحل… إنتهى دورك!
عند ذلك، ابتعد عنه كل المستغلّين الذين رافقوه في صفقاته، ورُفعت عنه الحصانة، فاستُدعيَ للتحقيق، وأوقفَ في النظارة إلى يوم المحاكمة. وسقطت هيبة صاحب الوزارة في زنزانة النظارة، وتبرَّأ منه الأقربون والأبعدون!
فيا صاحب المعالي، لم تكن تبالي، تعربد في الليالي، وحولك الفواحش والغوالي… وشعبُكَ يَموتُ بإذلالِ معاليك، وأنت تدفن أحلامه وتبني فوقها الـمداميك! مسيرتُكَ من الوزارة إلى النظارة، ولن تنسى الجيال… حكاية نضال!
فوزي عساكر
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.