خطاب المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان الرافض للإقصاء والتهميش السني

22

المحامي  أسامة العرب

يتميّز سماحة المفتي الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان بثقافة دينية واسعة ورؤية استراتيجية ثاقبة تجمع بين العلم الشرعي والمصالح الوطنية. تعكس كلماته مبادئ “المواطنة الشاملة” وقيم العدالة والمساواة بين اللبنانيين، فقد أكّد مؤخراً أن «أي تهميش للمسلمين السنة في لبنان أمر مرفوض». إن خطاب الشيخ دريان ليس نظرياً فحسب، بل يجسّد فهماً عملياً عميقاً لتحديات لبنان، منطلِقاً من الشريعة الإسلامية ومبادئ المواطنة لبناء حلول وطنية تنويرية. ومن هذا المنطلق، ينظر إليه كمفكر إسلامي وعربي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، يمتلك القدرة على استشراف المستقبل في سبيل تعزيز وحدة لبنان واستقراره.

مرجعية وطنية ودينية جامعة

يُعَدّ المفتي دريان مرجعاً دينياً ووطنياً فريداً في المشهد اللبناني، حاملاً همّ أهل السنة وأهالي بيروت معاً. كما يجمع بين المعرفة الشرعية والخبرة السياسية مما يؤهّله لتقديم قراءة متوازنة للأزمات الداخلية. فقد شدّد في خطاباته أن حماية حقوق المسلمين السنة حجر أساس لاستقرار النسيج الوطني، مؤكّداً أن «لا دولة في لبنان بدون المسلمين والمسيحيين… وأي تهميش أو استبعاد للمسلمين السنة أمر مرفوض». إنّ هذه العبارة تؤصّل مبدأ الشراكة الوطنية وتدحض تصوّراً يقلّل من دور أهل السنة في بناء الدولة. وبنفس القدر شدّد المفتي على أن دار الفتوى ستظل ضميراً للمجتمع كله، كما عبّر قائلاً: «نحن في دار الفتوى مؤتمنون أمام الله… ولن نتخلّى أبداً عن هذا الواجب». يعكس هذا الخطاب المزدوج التزام المفتي دريان بأن الدفاع عن حقوق أهل السنة جزء لا يتجزّأ من الدفاع عن حقوق جميع اللبنانيين، وأن دار الفتوى لن تذخر جهداً في تحقيق العدالة والمساواة الوطنية.

أبعاد خطاب الوحدة ورفض الإقصاء

إن خطاب المفتي دريان يأتي بمثابة خارطة طريق لتعزيز الوحدة الوطنية ونبذ أي شكل من أشكال الإقصاء. فهو لا يكتفي بالخطابات الدينية، بل يحوّلها إلى مبادئ واضحة تسعى إلى بناء مجتمع متماسك يعلي من شأن العدالة بين المكونات. وقد أكد بوضوح أن «أي تهميش للمسلمين السنة… أمر مرفوض»، مشدداً على أن قوة لبنان تكمن في تنوّعه، وأن استهداف أي شريحة سيقوّض أمن واستقرار الدولة. وإن هذه الرسالة تستهدف جميع الأطراف السياسية؛ فهي تذكير صارخ بأن الشراكة الوطنية هي السبيل الوحيد للحفاظ على تماسك الوطن، وأن فرض أي تهميش على أحد المكوّنات سيؤدي حتماً إلى زعزعة أسس الدولة.

دور دار الفتوى وحقوق أهل السنة

ترتقي رسالة المفتي دريان إلى ما هو أبعد من المنظور الديني التقليدي، لتشمل الدور الوطني والاجتماعي لدار الفتوى. فدار الفتوى تحت قيادته باتت حصناً لحماية حقوق المسلمين السنة في مختلف المجالات المدنية والسياسية. فقد وجّه الشيخ دريان رسالة حازمة مفادها أن مهمته لا تقتصر على إصدار الفتاوى، بل تتعداها إلى الحفاظ على الحقوق والمشاركة في المسار الوطني، قائلاً: «نحن في دار الفتوى مؤتمنون أمام الله… لأننا سنحافظ على اللبنانيين جميعاً، ولن نتخلّى أبداً عن هذا الواجب». هذه العبارة تؤكّد أن دار الفتوى ستظل صوتاً قوياً للدفاع عن مصالح أهل السنة والتمسك بمبدأ المساواة. إذ إن حماية حقوق هذه الشريحة هي بلا شك جزء من حماية حقوق الجميع؛ ويعمل بذلك على تعزيز بناء دولة قوية قائمة على المواطنة الصالحة والتعاون بين كافة أبنائها.

الحكمة والصبر في مواجهة التحديات

ينتهج المفتي دريان أسلوباً متزناً يجمع بين التريث والحزم في آن واحد. فهو لا يندفع إلى رفع الصوت بسرعة، بل يمنح الفرصة لإصلاح الأمور سلمياً، مع الاحتفاظ بخطوط حمراء واضحة. وبيّن ذلك قائلاً: «نتريث في بعض الأحيان في رفع الصوت… استبشرنا خيراً في إنجاز الاستحقاق الرئاسي… ولكن نحن بانتظار الإنجازات، نريد أن يلمس المواطن ما وُعد به في خطاب القسم وفي البيان الوزاري… نريد أن نشعر نحن اللبنانيون أننا نعيش في دولة المؤسسات والقانون». حيث يكشف هذا الموقف التوازن الدقيق بين الصبر الاستراتيجي والعزيمة السياسية؛ فهو يمنح فرصة للحوار والتفاهم مع تأكيد الاستعداد للدفاع الحازم عن الحقوق إذا ما تم تجاوزها. وبهذا الأسلوب الحكيم، يظل المفتي دريان لاعباً فاعلاً في المشهد الوطني، يسعى لتأثير إيجابي على مجريات الأحداث دون الاستسلام لليأس أو التمادي في الانقسام.

الاستحقاق الرئاسي والإصلاح الجذري

تناول مفتي الجمهورية موضوع الاستحقاقات الدستورية والإصلاح بوضوح مماثل. فبعد الإعراب عن سروره بتشكيل العهد الجديد، ركّز المفتي دريان على ضرورة تحويل الأرقام البيانية إلى واقع ملموس من الإنجازات. فقد حذّر بأن الشعب اللبناني «ما زال في انتظار الإنجازات الموعودة في خطاب القسم والبيان الوزاري». ولذا، يصبّ الخطاب الديني الوطني الذي يلقيه في إطار دعوته إلى إصلاح المؤسسات بشكل جذري. ولقد شدّد على أن لبنان بحاجة إلى دولة المؤسسات والقانون، وأن المبادئ القائمة على فصل السلطات والشفافية وسيادة القانون يجب أن تطبّق دون استثناء. وعبّر في هذا السياق عن تفاؤل حذر قائلاً: «نبقى شديدي الأمل، ونتطلع إلى أن يكون النهج الجديد للحكومة ورئيسها فاعلاً حقاً في الإصلاح وصنع الجديد والمتقدّم». حيث تعكس هذه الدعوات رؤيته إلى أن معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية تكمن في إرادة سياسية للتغيير والإصلاح الهيكلي. كما أن تركيزه على الإصلاح الجذري يدلّ على إدراكه بأن المعضلات الراهنة تتطلب معالجة شاملة وشجاعة وطنية، مما يجعله داعماً واضحاً لكل جهد يرمي إلى بناء دولة عادلة وكفوءة.

اللقاء الموسّع والتواصل

استجابة لتحديات المرحلة، أعلن المفتي دريان تنظيم «لقاء موسّع» في دار الفتوى يجمع الهيئات والفعاليات والأحزاب المختلفة تحت شعار «الهمّ السني والبيروتي أمام الجميع». حيث تستهدف هذه المبادرة توحيد الصفوف السنّية وتنسيق الجهود في مواجهة القضايا المشتركة، فضلاً عن إيصال صوتهم بوضوح إلى باقي المكوّنات. كما يرى الشيخ دريان أن قوة كل طائفة تكمن في تماسك أفرادها، وأن التشتّت يضعف من القدرة على التأثير في المشهد السياسي. وقد أكد أيضاً الاهتمام الخاص بأهل بيروت وخدماتهم قائلاً: «المطلوب لأهل بيروت الكثير الكثير من الخدمات… لا يأس مع الأمل». ومن خلال هذه الخطوة، تؤكد دار الفتوى دورها كمنصّة وطنية جامعة للحوار، تستوعب مختلف الآراء والاتجاهات ضمن رؤية وطنية شاملة. وهذا الموقف يعزز مكانتها كرافد أساسي في بناء جسر تواصل بين مكونات لبنان المختلفة، بما يسهم في زيادة التماسك والوحدة الوطنية.

صوت العدل والمساواة

في ضوء ما سبق، يبرز سماحة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان كأحد الفاعلين القلائل القادرين على مزج الحسّ الديني الوطني بالانتماء الوطني الشامل. فإن موقفه الثابت تجاه قضايا أهل السنة واستعداده للحوار المفتوح مع مختلف الأطراف يرسّخان لمبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية. فمواقفه لا تنطلق من منظور طائفي ضيق، بل من رؤية شاملة تستهدف المصلحة العليا للوطن. حيث يؤمن بأن لبنان لا يمكن أن ينعم بالأمن والاستقرار إلا عندما تنعم جميع مكوناته بالعدالة والمساواة. وعليه، فإن دعوته هذه هي دعوة لكل الأطراف السياسية لتحمّل مسؤولياتها والعمل معاً على بناء دولة قوية وعادلة تضمن حقوق جميع أبنائها دون تمييز. كما يبقى الشيخ دريان صوت الحكمة والضمير الوطني الذي يسعى إلى بناء لبنان مزدهر ومستقر، تعمّه قيم العدالة والمواطنة الصالحة.

المحامي  أسامة العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.