خطّة ترامب في غزّة: اتفاقٌ “ممنوع” مخالفته – 1

2

بقلم ابراهيم ريحان

«أساس ميديا»

ما هو دور العرب في الاتفاق الذي أعلنَ عنه الرّئيس دونالد ترامب؟ ما هو دور تركيا وإندونيسيا وباكستان؟ كيف صاغَ جاريد كوشنير وتوني بلير الاتفاق؟ ما هو دور الأخير في حُكمِ غزّة؟

كان المُقترح الذي أعلنَ عنه الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب لوقف الحرب في غزّة، نِتاج حراكٍ سيّاسيّ دوليّ – إقليميّ واسع. صارت صورة الاتفاق أكثر وضوحاً مع البيان المُشترك لوزراء خارجيّة 7 دُول عربيّة وإسلاميّة هي: السّعوديّة والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتُركيا ومصر.

إذ رحّبَ البيان بجهود ترامب لوقف الحربِ في غزّة، وأكّدَ الالتزام بالعمل مع الولايات المُتحدة لضمان الاتفاق وتنفيذه من جهة. ومن جهةٍ أخرى أشارَ إلى الثّوابت العربيّة – الإسلاميّة التي أكّدَ عليها مقترح وقف الحرب وخصوصاً وقف مخطّط تهجير الفلسطينيين من القطاع واحتلاله والتأكيد على انسحاب إسرائيل منه. كذلكَ وقف ضمّ الضّفّة الغربيّة وتوحيدها مع قطاع غزّة وتكريس مسارٍ عادلٍ للسّلام على أساس حلّ الدّولتيْن.

بكلام آخر، يُمكن القول إنّ اتفاقاً بهذا الحجم لا يُشبه ما سبقه من اقتراحاتٍ لهدنة شاملة أو مؤقتة. هو مسارٌ واضحٌ لـ”اتفاقٍ كبير” لا يُمكنُ معارضته سيّاسيّاً، أكانَ من “حماس”، أو من رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، بخاصّة أنّ ترامب ذكرَ أنّ الهدف ليسَ وقف الحرب بل إطلاق مسارٍ لسلامٍ واسع النّطاق في الشّرق الأوسط، وذكرَ أنّ الدّول العربيّة وتركيا وباكستان موافقة عليه.

العرب واليوم التّالي..

كانَ واضحاً في الاتفاقِ مدى اهتمام الدّول العربيّة، وتحديداً السّعوديّة ومصر وقطر والإمارات، على “سدّ ذرائع” نتنياهو لتهجير أهالي غزّة أو احتلالها تحت حجّة تفكيك حماس سيّاسيّاً وأمنيّاً وعسكريّاً. يذكرُ مصدر دبلوماسيّ عربيّ لـ”أساس” أنّ فريقاً مصريّاً يتواجدُ في غزّة منذ مدّة تحضيراً لمرحلة ما بعد الحرب. كما أنّ القاهرة تتولّى تدريب 5000 عنصر أمنيّ للانتشارِ في القطاع بالتعاون مع الدّول العربيّة لضبطِ الأمن في مرحلة ما بعد حماس والاحتلال الإسرائيليّ.

كما أنّ أسماء أعضاء لجنة التكنوقراط الفلسطينيّة الذين سيشاركون في إدارة قطاع غزّة مع “السلطة الانتقالية الدوليّة في غزّة” بعد الحرب، سمّتهم السّلطة الفلسطينيّة في رامَ الله وساهمت الرّياض والقاهرة بتسويق الأسماء في واشنطن.

إلى ذلكَ سيُساهم العرب بشكلٍ واضحٍ وواسعٍ في إعادة إعمار القطاع ودعمهِ اقتصاديّاً بالتعاون مع تُركيا وإندونيسيا وباكستان. إذ إنّ هذه الدّول الإسلاميّة كانَ لها نصيبها هي الأخرى في المُشاركة في دعم وتنفيذ الاتفاق.

في المعلومات، أنّ قطر وتركيا ستتولّيان التّواصل مع حركة “حماس” للحصول على موافقتها على الاتفاق. في المُقابل ستستقبل إندونيسيا وتركيا وباكستان عناصرَ ومسؤولي “الحركة” الذين يرغبون في مغادرة القطاع، ولا يريدون تغيير نظرتهم لمُستقبل الصّراع والحلّ.

بن سلمان والسّيسي..

كثيرة هي الأسئلة التي تبادرَت إلى الذهن عن غياب وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان والرّئيس المصريّ عبدالفتّاح السّيسي عن لقاء القادة العرب مع الرّئيس ترامب على هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة في نيويورك.

حملَ هذا الغياب رسائل عدّة من الرّياض والقاهرة، ويُكرّسُ التّباين في الرّؤية حولَ الانفلاش الإسرائيليّ في المنطقة بين الرّياض والقاهرة من جهة، وواشنطن من جهةٍ أخرى. هي المرّة الثّالثة التي يقول فيها الرّئيس السّيسي “لا” لترامب، بالإضافةِ إلى وصفهِ إسرائيل بـ”العدوّ” الإسرائيليّ في القمّتَيْن العربيّة والإسلاميّة اللتين عُقِدَتا في الدّوحة قبل أسبوعَيْن.

ليْسَ صعباً التّوصُّل إلى الإجابة، إذ تكمُنُ في غيابِ الثّقة السّعوديّة – المصريّة بالجانب الأميركيّ، بخاصّة أنّ الحرب الإسرائيليّة مستمرّة على قطاع غزّة بعد أكثر من 9 أشهر على تولّي ترامب القيادة في البيت الأبيض. يُضافُ إلى ذلكَ الاعتداء الإسرائيليّ على العاصمة القطريّة الدّوحة.

مسار الدّولة الفلسطينيّة: الرّياض – القاهرة

كان لغياب بن سلمان والسّيسي الأثر الفاعل في تغيير لهجة الرّئيس الأميركيّ حيال غزّة. إذ قدّمَ ترامب إلى القادة العرب الذين التقاهم في نيويورك خطّةً من 21 نقطة تتضمّن للمرّة الأولى إشارات واضحة وصريحة إلى مسارٍ لإقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ، تحتَ مُسمّى “إمكانية قيام دولة فلسطينية”، ووقفٍ نهائيٍّ ودائمٍ للحرب. وسبقَ ذلكَ موقفٌ مُفاجئٌ للرّئيس الأميركيّ الذي أعلنَ أنّه “لن يسمحَ لرئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو بضمّ الضّفّة الغربيّة”.

كانَ لافتاً أيضاً أنّ ترامب دعا نتنياهو أثناء لقائهما في البيت الأبيضِ مساءَ الإثنين إلى الاتّصال برئيس الوزراء القطريّ الشّيخ محمّد بن عبدالرّحمن للاعتذار عن خرق سيادة قطر والتعهّد بعدم تكرار هجومِ الدّوحة مُجدّداً.

هذه المُتغيّرات هي نِتاج 3 مسارات:

1- مسار سعوديّ – مصريّ لمنعِ التهجير القسريّ لأهالي غزّة، ولنسفِ خطط نتنياهو لاحتلال القطاع. يُضاف إلى ذلكَ الاستحصال على موقفٍ واضحٍ من ترامب ضدّ ضمّ الضّفّة.

2- مسار دبلوماسيّ عربيّ قادتهُ السّعوديّة قبل وأثناء انعقاد الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة لحشدِ الاعترافات والتأييد للدّولة الفلسطينيّة.

3- مسار دبلوماسيّ قطريّ بقيَ بعيداً عن الأضواء في عاصمة القرار لنيل تعهّدٍ وضمانات واضحة من واشنطن لعدم تكرار الهجوم الإسرائيليّ على قطر أو أيّ دولةٍ من دول مجلس التّعاون الخليجيّ. آخر فصول هذا المسار كانَ زيارة وفدٍ قطريٍّ رفيع للبيت الأبيض بعيداً عن الإعلام قبل ساعات قليلة من دخول نتنياهو إلى المقرّ الرّئاسيّ الأميركيّ.

بحسبِ معلومات “أساس” من مصدر دبلوماسيّ عربيّ، فإنّ الرّياض والقاهرة والدّوحة، بدعمٍ من دولٍ غربيّة مثل فرنسا وبريطانيا، اشترطَت على الولايات المُتّحدة أن تتضمّنَ أيّ خطّة لوقفِ الحرب إعلاناً صّريحاً لمسارٍ يؤدّي إلى دولة فلسطينيّة ووقف الحرب والانسحاب وسحبِ فكرة تهجير سكّان غزّة وضمّ الضفّة في مُقابل دعمِ الخطّة والمُشاركة في تنفيذها بما يضمنُ نجاحها.

أدرَكَ العربُ أهميّة وقف الحرب في غزّة بالنّسبة لإدارة الرّئيس ترامب التي لم تُسجّل علامةً فارقةً في السّياسة الخارجيّة، خصوصاً في وقفِ الحروب الذي تعهّد به الرّئيس الأميركيّ في حملتهِ الانتخابيّة، وذلكَ على مشارفِ انتهاء السّنة الأولى من انتخابه. ومن هنا نالت الدّول العربيّة ما تريد وما يضمن حقوق الشّعب الفلسطينيّ.

قصّة المُقترَح..

بدأت قصّة المُقترَح الأميركيّ مع صهر الرّئيس جاريد كوشنير الذي بقيَ خلفَ الكواليس منذ ما قبل انطلاقة الولاية الجديدة لترامب، وذلكَ على عكس الولاية الأولى بين 2016 و2020. ينبعُ اهتمام كوشنير بملفّ غزّة من رؤيتهِ كرجلِ أعمالٍ، وهو كانَ خلف فكرة أن يتولّى المُطوّر العقاريّ ستيفن ويتكوف مُقترحات “تبادل الأسرى في غزّة”.

يتبع غداً

ابراهيم ريحان

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.