دولة… لا للصيف ولا للضيف ولا لعثرات الزمن

13

بقلم دافيد عيسى

لا يمرّ يوم من دون سجالات واتهامات متبادلة ومعارك وهمية بين القوى السياسية والحزبية في هذا الوطن البائس، وكلها لا تُسمن ولا تُغني.

والمأساة هنا أنّ هذه القوى السياسية والحزبية تتناسى هموم ومشاكل ومصاعب الناس وأبسط حقوقهم وأولوياتهم الحياتية.

فهل يحتاج مثلآ جمع النفايات إلى وساطات دولية؟ هل يجب أن يأتي المانحون الأجانب ليعبّدوا حفر الموت على طرقاتنا؟ هل نستدعي منظمة الصحة العالمية لتأمين الدواء الغير مزوّر؟ هل نستدعي وكالة الطاقة الدولية لتأمين الكهرباء؟ هل نستدعي محكمة العدل الدولية لتطبيق القانون والنظام؟ أليست هذه بديهيات دولة تحترم نفسها ومواطنيها؟

منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري وحتى اليوم، مرّت عشرون عامًا تقريبًا، لم يُدق خلالها مسمار واحد في مشروع إنمائي جدي، ولم يُبنَ جسر واحد يسهّل حياة الناس.

ما نشهده هو انهيار يومي في البنى التحتية من طرق محفّرة تتحول إلى مصائد موت، الى مياه ملوثة، الى كهرباء مقطوعة، الى مستشفيات لا يدخلها إلا من يملك المال نقدآ، الى مدارس يرزح تحتها الاهل بسبب ارتفاع الأقساط والكتب والقرطاسية، الى نفايات تتكدّس في الشوارع ناشرة الأمراض والحشرات بين منازل الشعب اللبناني… وهذا ما يجعلنا نسأل “وَيْنُنْ… وَيْنْ صْوَاتُنْ وَيْنْ وْجُوهُنْ… وَيْنُنْ”

المفارقة أنّ هؤلاء يرفعون الشعارات الكبرى وكلها امور اكبر منهم… بينما يعجزون عن تأمين ابسط حقوق الناس.

قادة الاحزاب السياسية لا يملّون من افتعال المشاكل اليومية سجال حول قانون انتخاب، جدل حول سلاح حزب الله، جدل حول صخرة الروشة.

جدل لا ينتهي حول الاستراتيجية الدفاعية، وهنا اقول صحيح ان ملف السلاح هو ملف وطني وحسّاس يستحق نقاشًا مسؤولًا، لكنه لا يبرر بأي شكل أن تُنسى مشاكل وهموم الناس.

القضايا السياسية لا تعفي الدولة من واجباتها الاجتماعية والصحية والحياتية واليومية البديهية تجاه مواطنيها، ولا تمنحها ترف تجاهل أبسط حقوقهم الإنسانية.

لبنان اليوم لا يحتاج إلى خطابات رنّانة، بل إلى عمل ملموس يعطي امل لهذا الشعب.

ما يطلبه الناس من الدولة ليست إنجازات استثنائية، بل هي ابسط حقوقهم.

كلنا يدرك ويعرف ان الملفات الكبرى وما يحصل اليوم في المنطقة اكبر من قدرة الدولة على معالجتها، لكن ألا تملكون القدرة على الاهتمام بشؤون الناس اليومية؟ ألا تستحق حياة المواطن اللبناني وكرامته أن تكون في صلب أولوياتكم؟

لقد سئم الناس من هذه المشاهد الروتينية والعبثية، وحده الاهتمام بالإنسان، بعيشه الكريم وحقوقه، يعيد للدولة معناها وللسياسة قيمتها.

 أما الاستمرار  في التلهّي بالمناكفات والخلافات والاوضاع الاقتصادية والمعيشية صعبة، فذلك لم يعد سياسة… بل خيانة موصوفة بحق الوطن والمواطن.

دافيد عيسى

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.