رجل الأعمال بين أن يخدم عمله… أو يجعل عمله يخدمه

3

بقلم نزيه عبدو حمد
رئيس مجموعة نزيه اللبنانية الخليجية
في عالم المال والأعمال، يظنّ كثيرون أن النجاح يقاس بعدد الساعات التي يعملونها أو بكمّ المهام التي ينجزونها. غير أن التجربة تثبت أن النجاح الحقيقي لا يتحقق بالعمل المتواصل فحسب، بل بقدرتنا على التفكير بذكاء، وبناء أنظمة تجعل العمل يخدمنا نحن، لا العكس.
بين هذين المفهومين، يتحدّد مصير كل رجل أعمال:
هل هو من أولئك الذين يخدمون أعمالهم ليل نهار دون أن يتقدموا خطوة؟
أم من الذين يبنون أعمالاً تعمل من أجلهم، وتمنحهم الوقت للتخطيط والنمو والاستمتاع بالحياة؟
أولاً: من يخدم عمله
هو رجل صادق ومجتهد، لا يعرف الراحة ولا التأجيل.
يبدأ نهاره قبل الجميع وينهيه بعدهم.
يتابع كل صغيرة وكبيرة: من الفواتير والمخازن إلى الزبائن والمشاكل اليومية.
يعتبر أن وجوده الشخصي ضروري لتسيير كل أمر، وأن غيابه قد يعني الفوضى.
يقيس نجاحه بعدد الساعات التي عملها، وعدد الاجتماعات التي حضرها، وعدد القرارات التي اتخذها بنفسه.
لكن رغم كل جهده، يبقى في نفس الدائرة:
دائرة التعب، الضغط، والمردود المحدود.
هو أشبه بعاملٍ مجتهدٍ في حفر بئرٍ عميق، لكنه لا يرفع رأسه ليتأكد إن كان يحفر في الاتجاه الصحيح.
ثانيًا: من يجعل عمله يخدمه
هذا النوع من رجال الأعمال يرى الصورة الأوسع.
لا ينشغل فقط بكيفية إدارة يومه، بل يفكر في كيفية تطوير نظامٍ يعمل بفاعلية حتى في غيابه.
يخصّص وقتًا للتفكير، للتخطيط، لتطوير فريقه، ولابتكار أفكار جديدة.
يستثمر في بناء مؤسسات لا تعتمد على شخصه، بل على رؤيةٍ واضحةٍ وقيمٍ وإجراءاتٍ منظمة.
هو الذي يدرك أن النجاح ليس في أن تعمل كثيرًا، بل في أن تجعل مجهودك يثمر أكثر.
يعتمد على التكنولوجيا، ويفوض الصلاحيات، ويمنح الثقة، فيتحول وقته من الانشغال بالتفاصيل إلى التركيز على التطوير والتوسع.
إنه يعمل بذكاء وابتكار، لا بجهدٍ مرهق.
الفارق الجوهري
العمل الشاق يضمن استمرار العمل،
لكن العمل الذكي يضمن الراحة، والحرية، والاستدامة.
الثروة لا تأتي من زيادة الجهد،
بل من تحسين طريقة التفكير، واتخاذ القرار في اللحظة المناسبة، واقتناص الفرص عندما تظهر.
الفرق بين الاثنين كالفرق بين من يقود سيارة بسرعة بلا خريطة،
ومن يسير بخطى ثابتة نحو وجهة محددة يعرف كيف يصل إليها.
قاعدة النجاح الذكي
خصص ساعة واحدة يوميًا للتفكير والتخطيط والتعلّم.
هذه الساعة قد تعادل يومًا كاملًا من العمل العشوائي.
اسأل نفسك كل صباح
هل ما أفعله اليوم يقربني من هدفي، أم يبقيني في مكاني؟
بمرور الوقت، ستكتشف أن التخطيط لا يستهلك الوقت، بل يوفره.
وأن الإدارة ليست في كثرة الأوامر، بل في بناء منظومة تسير بسلاسة حتى في غيابك.
سؤال للتأمل
هل نبني مستقبلنا لنخدم أعمالنا؟
أم نبني أعمالنا لتخدم راحتنا ومستقبلنا؟
الجواب هو ما يحدد مصير كل رجل أعمال،
فمن يظل أسير عمله يبقى في دوامة الجهد،
ومن يجعل عمله يخدمه ينطلق نحو الحرية، والازدهار، والنجاح المستدام.
نزيه عبدو حمد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.