‏رسائل إلى القادة السياسيين (‏القواعد النفسية للسلطة) ‏الحلقة الثامنة

18

د. عماد فوزي شُعيبي

‏نتابع هنا النصائح التي نواجهها للقادة السياسيين، استناداً إلى النظريات الأربع التي تؤسس للعمل السياسي والتي شرحناها في حلقات سابقة. مستندين في ذلك إلى كتابنا (القواعد النفسية للسلطة):

العمل… جماعيّ:

عندما نكون في القمة لنستفد من جهود الآخرين، فقد أكدنا سابقاً على النظرية الوظيفية التي تؤكد على دور الجميع في المجتمع، ولنتجنّب أن  ننسب كل النتائج لنا؛ لأننا سنخسر من عَمِل معنا. وكلما تحدّثنا عن عمل جماعي أنجزناه معاً نبقى في القمة، ويحيط بنا المخلصون ونتجنّب انتقامهم. فالناس لا يجب أن تُنسى جهودها وتحب أن تُقدّر.

أيضاً: العمل… بصيغة: نحنُ!:

لنحرص على العمل الجماعي، ولنُبيّن للجميع مكانتهم العُليا لدينا و دورهم في كل تفاصيل العمل. و لنصنع منهم جميعاً قادةً وشُركاء على نفس السويّة من المساواة بين بعضهم البعض، بنفس الوقت. وهذا يحتاج إلى ابتكار آلية مُناسبة عبر المدح الجماعي لكل فرد.

أنت بحاجة الآخرين:

لا ينبغي أن نتوهم عدم حاجتنا للناس. فالقوة كما قلنا، آنيّة ولا تستمر للأبد، مهما أغرتك بالاستمرارية. لذا اهتم بالناس كثيراً.

اعمل بهم … ومعهم:

لا تقم بالعمل بنفسك؛ إذا كان ثمّة من يمكن أن يساعدوك. اجمع أعمالهم فُرادى ليكون العمل النهائي. وستكون قد وفرت جهدك لما هو أهم. واعترف دوماً بجهودهم علناً فالحقوق المُغَيَّبة تخلق الكراهية والعداءات الجماعيّة. ولا تتوهم أنك إن نسبت لنفسك كل شيء ستعيش بهناءٍ فالناس لا تنسى. وعداؤها بسبب النكران لا مبرّر لأن يتم خلقه لانه يُشتّتك.

قرّب … النُبلاء الصِرف:

البشر أنواع: نبلاء، وخسيسون، ونوع يجمع بين هذا وذاك؛ أيْ [بارادوكس]. فأحسن اختيار من تُقربه منك، وليكن من النُبلاء الصرف لا من البارادوكس؛ لأنك ستُفاجأ بخسّتهم من حيث لا تتوقّع. وتذكر أن النبلاء يحتاجون أن تعاملهم بنُبل أيضاً.

دوماً لديهم ما هو مفيد:

عندما تستمع للآخرين ابحث فعليّاً عما هو مُفيد في حديثهم واستفد منه واقعيّاً. وقلْ لهم: إن هذا ما سينفذ، وبعد حدوثه أشرْ إلى فضلهم، فبعض الناس (من طبيعة النُبلاء)، يحبّون الشراكة لا الاستعباد ولا التبعيّة بالضرورة كما يخطيء البعض في التعميم، فالتعميم أحد أهم أخطاء المعرفة. لذا، أقم شراكتهم بيدك وإلاّ سينتزعونها بأيديهم. وإذا لم تجد في ما يقوله الآخرون ما هو مفيد، اخترعه  وأنجزه عملاً، وانسبه إليهم.

***

لا تحوّل الخصومة إلى العداوة:

رجل الدولة لا أعداء دائمين له. دائماً يمكنه استخدام الآخرين عندما يحين دورهم. فالخصم يمكن أن يصبح حليفاً مُهمّاً في وقت تتبدل فيه موازين القوى.

***

الناس …أدوار:

لا يلغي رجل الدولة دور أحدٍ فحتى الأنذال لهم دور مع أمثالهم!!! ففي النظرية الوظيفية كما شرحنا سابقاً: كل البشر حملة أدوار لا يجوز الإقلال منها ولا يجوز إنهاؤها إنما -فقط- إدارتها.

***

الكوادر الرفيعة… والعادية:

ينظر الساسة بعقل بارد إلى البشر باعتبارهم يأتون ويرحلون عن هذه الدنيا؛ وبالتالي فلا معنى لوجودهم أو رحيلهم إلا بالدور الذي يقومون به لخدمة المجموع وتهيئة المجتمع لمن هو قادم من الأجيال. ولهذا يهتمون بالكوادر الرفيعة ولا يحتقرون الناس العاديين.

في البداية ولاءات… وفي الاستمرار كفاءات:

رسمت (الميكيافيلية) مرحلتين من مراحل الاعتماد على الكوادر: مرحلة تأسيس الدولة وفيها يتم الاعتماد على الولاءات لضمان التأسيس، ومرحلة تمكين الدولة والاستمرار بها، وفيها يتم الاعتماد على الكفاءات؛ لأن الولاء تحصيل حاصل. أمّا في الحرب فيجب أن يكون القادة من الكفاءات.

***

مُساعدوك … إلى حين

قلنا سابقاً: لا تقع في حبّ معاونيك، ونتمِّم لا تحتفظ بمساعديك للأبد؛ لأنهم سيألفونك ولن يقوموا بالعمل اللازم مع الوقت؛ لأنهم سيعتادون عليك، ولن تكون طاقتهم في سويتها العُليا. وسيتهاونون في العمل!

مناصبهم… إلى حين

المناصب التي تدوم طويلاً تُكسب الخبرات لمن يبقى بها، لكنها تُخفض فعّالية وأداء صاحبها، بل إنه يعتبرها مع الوقت مزرعته الشخصيّة ويتماهى فيها. يجب أن يشعر الذين في المنصب أنهم موظفون ، ولهذا لا تبقهم في مناصبهم في أغلب الأحيان أكثر من سنتين إلى ثلاث. ومن تجده الأكفأ رفعّه واستفد منه كمستشار. وحافظ على كراماتهم، وشكّل لهم هيئة استشارية تستفيد بها من خبراتهم.

***

لا تقع في حبّ معاونيك!

من أخطر الأمور في العمل العام خلطه بالشعور. لذا، لا تقع في حبّ معاونيك. فهذا ما يشبه ما يعرف يعلم النفس ب(متلازمة استوكهولهم)؛ ذلك أنك بالحب لن ترى أخطاءهم. وقد يخدعونك بسهولة. ولهذا غيّرهم بشكل دوريّ مهما بدوا لك مخلصين، وكافئهم على إخلاصهم، والأهم ألاّ تنساهم بعدما يبتعدون. ارعهم دوماً، ومن حين لآخر اسأل عنهم.

لا تنتقد معاونيك أمام الأقل منهم

لا تنتقد معاونيك أمام من هم أدنى مرتبةً منهم؛ فهذا سيولد الضغينة لديهم ضدك، وسيقلل هيبتك أمام الآخرين، لأنه سيكشف أن من هم حولك لا يليقون بك.

***

الجنسان… معاً مفيدان

لا تحط نفسك بجنس واحد من البشر (نساء أو رجال). فالنساء سيتنافسن بطريقتهن وكذلك الرجال. اخلطهما، فإدارة هذا التنوع جزء من إدارة الصراع. وتذكر أن وجود أشخاص من الجنسين حولك يمنحك ميزات المنطق الذكري والحدس الأنثوي، والشعور والصرامة معاً. أنت بحاجة لسمات العقل لدى الطرفين معاً.

***

قانصو الطاقة!!!

محيطك حِرْزُك وأمانك النفسيّ

احذر  وأبعد قانصي الطاقة والسكينة وهم أشخاصٌ يؤذونك في طاقة حياتك ولا تُحِطْ نفسك بالمساعدين الغارقين والمدمنين على المشاكل والشخصيات الإشكالية والتي تثير حولها المشكلات والمتشائمة. يُضاف إليهم المتلاعبون والساعون للشفقة والذين لا يُحبون تحمّل المسؤولية و لا يُحبون الآخرين والشكاكون مرضيّاً بالآخرين والذين لا يرون إلا العيوب و ينتقدون باستمرار.  فهؤلاء سيستهلكون وقتك وسيجعلونك متهماً في نظر الناس، لأنهم حولك؛ الذين سيرونك في مرآتهم.

***

لنقبلهم… لا لنُصنِّعُهُم

اقبلْ الآخرين كما هم. وساعدهم على تحقيق ذاتهم والتعبير عنها بلا أيّ قيود.

وتذكر أن الناس يختلفون عنك وعن بعضهم والحياة متنوّعة لأبعد حدّ.

***

أنت مرآةٌ لهم

أن تكون مرآةً لطموحات الآخرين ولأفكارهم و لطريقة حياتهم، يجعلك رمزاً لهم وسرعان ما تنال ثقتهم وتصبح لك سطوة وجدانية عليهم. فالناس تحب من يشبهها. ونرجسيتها تجعلها لا تريد إلا مرآتها. ولهذا يرفض الناس أصحاب الأفكار الجديدة المخالفة لمعتقداتهم.

***

المتفوقون حولك…قيمة لك

استعن بالمتفوقين والأكفاء كمستشارين رسميين وغير رسميين، فهذا يرفع من شأنك أمام العامة، ويرفع من كفاءة العمل. ولا تعتمد على عمل الرجل الوحيد (one man show).

هذا السلوك الاستعراضي قد أصبح من ماضي السلطة ولا يصلح للعصر.اعتمد على أعلى الكفاءات لتنفيذ المهام الصعبة وعلى متوسطي الكفاءة لتنفيذ المهام الروتينية.

***

الانتقامُ… سلوك لايليق

حذارِ … الانتقام فأنت الأكبر

في حالات الصراع مع خصم، في اللحظة التي تصبح بها قائده لا تنتقم وتتشفى؛ لأنك ستبدو في نظره ونظر من يعرفكما ليس بحجم مكانتك، و وستظهر وكأنك لا تستحق ذلك الوثوق وستغدو موضع قلق من الجميع.

لا للانتقام حين نكون في موضع القوة. إن الانتقام لا يبني سلطة لأنه سلوك للأفراد وليس للقادة. و الصفح هو وسيلة الكبار!

د. عماد فوزي شُعيبي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.