‏رسائل إلى القادة السياسيين.. (القواعد النفسية للسلطة) ‏القوة… والكرم

4

الحلقة السابعة

د. عماد فوزي شُعيبي

نقدم في هذه الحلقة بعضاً من الخبرة التي كتبناها في كتابنا (القواعد النفسية للسلطة). وهي من القواعد النفسية المتصلة بالعلاقة تسلسل العمل الهرميّ

عن القوة:

لا تُبالغ في إظهار القوة. ولنتذكر أن تعريف القوة أنها: ما تستطيع أن تمنح وما تستطيع أن تمنع. ولا يجوز اعتماد أحدهما دون الآخر.

لنحاذِر من الركون إلى تصوّرنا عن أن قوتنا كبيرة ومستمرة، ولا يجب أن نزهو بها، ولا يجب أن تدفعنا إلى تصوّر أن لا رادَ لها. فكلُّ قوةٍ ستقابلها قوة مُضادة. وكل قويّ سيظهر في طريقه ما هو أقوى.

ادخر قوتك:

لا تلعب بأوراقك كلها دفعة واحدة.

هذا يضمن لك أيضاً… الخيارات. فعندما تكون محكوماً بخيارات قليلة أو خيار واحد، لن تكون قويّاً, فادخر خياراتك بادخار أوراق القوة لديك.

افسح في المجال … للأقوى:

 اترك الفرصة لمن هو أقوى منك دون أن تتذمّر، فهذا زمنه، وانتظر أن تستحقه.

القوة الناعمة:

القوة ليس إرهاب الآخرين؛ إنها أن تكون لافتاً و مقبولاً وأحياناً فقط

بحديثك مع الآخرين ومُقنعاً، و أن تلْقى القبول في نهاية المطاف.

 وكلّما [أعطيتَ] من قوتك كلما مُنحت من الآخرين قوةً، بما ندعوه التغذية الخلفيّة الراجعة الموجبة التي تُعزّز القوة بالقوة.

وأن يمنحك الآخرون القوة يستدعي ذلك منك أن تتقبلّهم كما هم. وهذا يتحقق بألاّ تلتفت بحنوٍ إلى جوانب القصور في شخصيّتهم وعدم الإصرار على أن عليهم أن يكونوا كاملين. وبكلمة اجعلهم أقوياء بك أيضاً.

كن قوياً بعقلية الوَفرة لا بعقليّة الشُح. فالذين يفكرون بعقلية الندرة أو الشُحّ، يخافون أن ينجح الآخرون، و يخافون أن يمدحوا الآخرين، ولا يشاركون الآخرين في معرفةٍ ويظنون أن غيرهم إذا نجح فهم خاسرون. ويخافون  أن يُفْقِدهم المُنافسون مكانهم؛ لأنهم لا يثقون أنهم يستحقونه. هذا العقل من الشح لا يمكن له أن يكون في موضع القوة. 

لنتذكر أيضا أن للقوة حدودًا.  فلا تظننّها مُطلقة… إذا أن لها مُدّة صلاحية، لذلك يجب اقتران القوى بالتواضع، لأن الدنيا دوّارة

ميزان القوى … وأشياء أخرى:

نعم السياسة هي ميزان القوى، ولكنها ليست محض ميزان للقوى، فقد تكون الآن الأقوى، ولكن هذا هو الميزان (الخام) الآني، فلا تعتقد أنك لايجب أن تقدّم شيئاً، وإذا انتصرت لا تركن لشهيّة قاعدة: رابح/خاسر. فالمعارك جولات. وعليك أن تعتمد قاعدة رابح/رابح.

الكرم:

‏يجب الاهتمام بميزان القوى وما يُضاف له من اعتبارات إنسانيّة، وحسابات أكثر تعقيداً. ومنها (الكرم).

فهنالك وهم سائد: أن في السياسة لا يحدث أن يتداخل فيها اعتبار الكرم؛ لأن لا علاقة له باقتصاد الدولة (التراكمي) ولا علاقة له بالمصالح، وأن الكرم محض (خصائل وأخلاق). ولكنه جزء مما يتجاوز القراءة المُبَسّطة للسياسة؛ لأن الكرم مصلحةٌ وإن بلغة أخرى.

‏والنصيحة هنا: لا تكسب الولاء بالفُتات فهذا من عقل الشُحّ. فالناس تهوى الوِفرة. وقد يأتي من يقدِّم للناس الوفرة فينتقل الولاء لهم.

‏لذا يجب أن تُكسِرْ توقعات الآخرين بالكرم والعطاء والأفعال غير المتوقعّة. فالعامّة يحبون  المُفاجآت؛ لأنها تُشعِرهم بأهمية القادم من السياسي أكثر.

وكلما قدمت لخصمك أُعطيات من موقع القوة، كلما كسبت محيطك كله، وكلما كسبت مُحيطه وكلما حيّدته.

الكرم الشديد يأسر النبلاء بلا حدود.

لا يجب أن تتردد في استخدامه. ولتقتصد في الكرم للأنذال.

أعطِ حتى تأخذ. فعندما تُعطي يكون سهلاً على الآخر أن تأخذ منه، وبطيب خاطر، وردَّ المظالم  والحقوق إلى أصحابها. فهذا سبيلك للقبول. فالظلم له جولة واحدة، والانتقام له جولات.

ولا تتأخر في أن تمنح شيئاً في وقتك عندما يريده الآخرون. فقيمة [المنح] في وقته وحين الحاجة إليه، وليس في اللُهاث إليه كالسراب. وسيكون ما تمنحه بلا قيمةٍ بغير وقته ولن تنالَ (تغذيته الراجعة) أي صداه ونتائجه.

وكنصيحة إضافية: أعطِ… خصومك!:

من نِعّم الله عليك … حاجة الناس إليك!

فلا تتأفف من قضاء حاجات الناس، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وعندما تُعطي لا تطلب من الناس رد الجميل … فهم غالباً ما ينسون، وأنت الأكبر من موقع أعلى.

ولا يجب أن ننتظر الإنصاف من أحد… فالبشر في أغلبهم ليسوا منصفين، إلاّ قليلاً.

لا ترفضنَّ طلباً ولا تسوّف. أظهر كم أنك مهتم بدراسته، ولكن حيث يتعذّر تنفيذه، بيّن له أن هنالك صعوبات تحول دون تنفيذه (الآن) وأنه ضمن قائمة اهتماماتك الأولى، وذلك إن كنت لا تريد تنفيذه فعلاً؛  فالرفض يجعلك تخسر صاحب الطلب، والتسويف يثير غضبه. تذرّع دوماً بالوقت والانشغالات، وبالطرف الثالث (الخفي أو الوهمي) الذي تحيل له الأمر، بحيث يكون هو المسؤول عن عدم تحقيقه. وكلما كان بإمكانك عدم رد الآخرين بكرمٍ كلما كسبتهم.

وعندما تضطر لرفض طلب، وهو آخر ما نتمنى أن تفعله. ارفضْ ما تودُّ رفضَه انطلاقاً من المصلحة العامة ومصلحة الآخرين وليس انطلاقاً من مصلحتك.

الناس تقبل باندراجها مع الآخرين… ولكن بعدالة واضحة وحقيقيّة.

لا ترفضنّ طلب أحد بجلافة أو إهانة، حتى وإن كان طلبه بلا معنى أو حتى أنه طلبٌ وقح.

عندما يكون أحدنا في أيّ موقع عالٍ أو منصب، ينظر إلينا الناس على أننا قد مُنحنا السلطة (كتفويض) منهم لتقديم الخدمات اللازمة لهم كأفراد، قبل أن يكونوا جماعات. بل و أننا مُسخّرون لهم. وهنا قد يبالغ البعض بأن يعتبر الدولة وممثليها كأمّ حنون تعطي بلا مقابل، و يتغنّج المرء عليها كالطفل. وهذا مفهوم مُتخلّف عن الدولة. لكنك لا تستطيع أن تنتزع هذا التصوّر الطفلي بسهولة.

لهذا يحب أن يُنظر إلى طلباتهم باحترام، وتبيان الصعوبات الواقعيّة والقانونية.

د. عماد فوزي شُعيبي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.