رسائل إلى القادة والسياسيين القواعد النفسية للسلطة والمفاوضات
الحلقة 17
د. عماد فوزي شُعيبي
نتابع في هذه الحلقة النصائح التي نستقيها من كتابنا القواعد النفسية للسلطة في نسخته المعدلة، وهو الكتاب المخصص للقادة وكبار الإداريين
ظهورك… قيمة
“الندرة تمنح الأشياء قيمتها، حتى في الظهور.”
– نيكولو مكيافيلي
لا ينبغي أن نظْهَرَ للعلن أو على وسائل الإعلام كثيراً؛ فالظهور يبعث على ائتلاف الناس لك واعتيادها عليك… فتصبح عاديّاً وتحصيلَ حاصلٍ.
فكلما غِبتَ أكثر، كان لظهورك تأثير غير عادي وذا هيبة غير عادية. ولكن لا يجب أن تُطِل أمد الغياب. فالناس تنسى هَيْبَةَ من يغيب.
لا لمجانيّة في ظهورك…
لا يجب أن نلفت الأنظار إلينا مجاناً. وعندما تلمع يجب أن تكون بالقمة لا بالطريق إليها؛ أي يجب أن تكون وصلت.
ففي الطريق إليها، فإن لمعانك يعني توجيه السهام إليك. فلتُحاول ألاّ تلمع طويلاً حتى لا تكون في المرمى دوماً .
الظهور الإعلامي أو العلني ليس دائماً مكسباً، بل يمكن أن يصبح مأزقاً. كلّما كان الظهور نادراً ومدروساً، زادت الهيبة والاهتمام عند الجمهور. فالاعتياد يولّد اللامبالاة، والغياب المطوّل يقتل الهيبة. إذن: الهيبة تكمُن في “اقتصاد الظهور”.
أمثلة سياسية:
فلاديمير بوتين: تجنّب الحوارات الإعلامية الطويلة في بداية صعوده. وكان تركيزه على أن يظهر في لحظات الحسم جعل من كل كلمة له صدى قوياً.
شارل ديغول: لم يظهر إلا حين يشعر أن لحظة التاريخ نادته. حتى بعد تحرير فرنسا، غاب طويلاً عن الأضواء، وعاد بقوة حين نضجت اللحظة.
أمثلة إدارية:
تيم كوك (CEO – Apple): لا يُكثِر من الظهور مقارنة بجوبز. يترك منصات الإعلانات للمديرين التنفيذيين الآخرين، ويحتفظ لنفسه بلحظة الإعلان الحاسم.
إيلون ماسك: على الرغم من كثرة تغريداته، فإنه لا يُجري لقاءات صحفية كثيرة. يختار بدقة متى يُقابِل الصحافة، وظهر بقوة في إطلاقات SpaceX أو Tesla الكبرى.
تحليل تطبيقي:
ظهورك الإعلامي يجب أن يكون أداة للضغط الرمزي، وليس لحصد الانتباه فقط.
إذا اعتادك الناس، ضعف أثر حضورك.
إن لمعانك المبكر وأنت لم تصل القمة، يُعرّضك للضربات من كل جانب، لأنك ما زلت ضعيفاً في العيون.
العبرة هي في “توقيت الظهور، لا كثرته”
***
السُلطة… هيبة و هيبة!
“أقوى القادة هم الذين يبدون وكأنهم لا يفعلون شيئاً، لكن كل شيء يتحرك بتأثيرهم.”
– لاوتسي (من “الطاوية”)
لنحرص على الهيبة ف 75% من السلطة النفسيّة هيبة.
والهيبة تكون بلغة الجسد والألوان والحضور وطبقة الصوت القرار والحديث الهادئ والغموض والصمت والاستماع الهاديء…
الهيبة ليست صراخاً ولا استعراضاً. إنها لغة صامتة لها أدواتها:
الجسد: الجلوس بثبات، تقليل الحركات، الوقوف المنتصب.
الصوت: منخفض، بطيء، حازم.
الصمت: أبلغ من كثير من الكلام.
الغموض: لا تكشف نواياك ولا عواطفك بسهولة.
الهيبة هي حضور نفسي، لا زخرفي.
أمثلة سياسية:
روزفلت: لم يكن خطيباً صاخباً، لكنه استخدم الصمت، والبطء، واللغة الجسدية المعبرة حتى صار رمزاً للهالة.
هواري بومدين: تمتع بملامح صارمة، لغة بسيطة، لكن هيبة قوية جعلت صوته يُنصت له حتى دون رفع نبرة.
أمثلة إدارية:
ساتيا ناديلا (Microsoft): لم يدخل بمنطق الزعامة الصاخبة، بل بهدوء وإصغاء وهيبة مبنية على اتزان الشخصية.
جاك ما (علي بابا): رغم خفة ظله، فإنه يُظهر الهيبة في المفاوضات من خلال الثقة والتكثيف في الكلمات والرموز.
تحليل تطبيقي:
لا تُقاطع كثيراً.
لا تتحدث كثيراً، لكن حين تفعل، قل شيئاً يُحرّك الناس.
الحضور الهيبوي لا يُشرح، بل يُشعَر به.
اجعل حركاتك محسوبة، وصمتك جزءاً من كلامك.
***
ألوان ممنوعة… في الهيبة
الألوان الزاهية كالأصفر والبرتقالي والأحمر تمنع عنك الهيبة. رغم عنها ألوان الحياة الجميلة.
لنستخدم الأصفر والزهر، إن أردنا توجيه رسالة ودّ، وليكن كقميص تحت اللون الأسود أو الأزرق، مع استخدام كرافته سوداء أو زرقاء بحيث يكون الأسود أو الأزرق طاغيين.
الألوان أدوات رمزية ترسل رسائل لا واعية مباشرة إلى العقل. فهم تأثير الألوان يمنحك قدرة على التأثير قبل أن تتكلم. حيث أن مستقبلات الألوان من المخطاريط في الشبكية تنقل السيالة العصبية إلى المخ وتعطي انطباعات تتناسب مع طول الموجة التي يمثلها كل لون. وهي التي تعطي الأنطباعات سابقة الذكر
لون … الهيبة
الأسود يمنحك الهيبة
إن أضفت له ربطة عنق حمراء على قميص أبيض أرسلت رسالة بأنك قوي وثائر ومستعدّ للقادم بقوة. هكذا يفعل رؤساء أمريكا.
لون … الثقة
اللون الكحلي يَمنحُكَ الثقة الداخلية والخارجيّة؛ فالناس تشعر بتلك الثقة بسبب من طبيعة العين والسيّالة العصبية المُرسلة بسبب اللون الأزرق إلى المُخّ.
لون … التعنّت
البنيّ هو لون الشخصيّة غير المستعدة للتفكير الليّن … لا تستخدمها إلاّ في المفاوضات التي لا تريد الوصول منها إلى نتائج.
لا تنشر… الاكتئاب
لنحاذر اللون البيج؛ لأن انعكاسه على أعيننا، وعلى أعين الآخرين هو الاكتئاب. بسبب طبيعة طول موجته
أمثلة سياسية:
الرئيس باراك أوباما ظهر في خطاباته الكبرى ببدلة زرقاء داكنة، لإيصال الثقة والاحتراف.
الأمير محمد بن سلمان يستخدم الأسود والكحلي في أغلب لقاءاته مع القادة الدوليين، لترسيخ صورة القوة الهادئة.
الزعيم فيدل كاسترو دائماً بالزي الزيتوني – لونه يوصل رسالة القائد العسكري المتصلب، لكنه ليس سوداويّاً أو نخبويّاً.
أمثلة إدارية:
ماريسا ماير (Yahoo): استُخدم اللون الكحلي كثيراً في مؤتمراتها، لكسر صورة ضعف النساء في القيادة. ذلك أن اللون الكحلي يبعث على الثقة.
بوب آيغر (Disney): يدمج بين الأزرق الداكن والأسود ليجمع بين القوة والطمأنينة. والثقة.
تحليل تطبيقي:
لا تظهر بالأحمر وحده إلا إذا أردت إثارة الغرائز ومنها الخلاف أو القتال.
اجعل هيبتك تبدأ قبل أن تتكلم: من لونك، وحركتك، ونظرتك.
استخدم الأسود بحذر؛ فكثير منه يقتل القرب العاطفي. انه لون اللقاءات الرسمية التي ليس فيها أي مشاعر. والتي تستهدف الغموض وعدم إظهار ما تريد إخفاءه.
الربطة الحمراء على قميص أبيض تحت بدلة سوداء تُرسل رسالة عن قائد مقاتل، لا إداري هادئ
د. عماد فوزي شُعيبي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.