رسائل إلى القادة والسياسيين القواعد النفسية للسلطة

18

الحلقة الثانية عشرة

د. عماد فوزي شُعيبي

نتابع عرض بعض من كتابنا القواعد النفسية الموجه إلى كبار القادة والمدراء. والهدف هو تقديم الخبرة النفسية والعملية.

روح القانون… العطاء

الأصل: لا تتمسّك بشكل نصوصيّ بالقوانين…

كثيرًا ما يُنظر إلى القائد الذي يطبّق القانون بحذافيره على أنه جافّ وعديم الرحمة، لكن القائد الذكي يستخدم روح القانون ليمنح استثناءً مدروسًا يعكس قدرته ومكانته.

مثال:

حينما منح الرئيس الفرنسي شارل ديغول عفواً خاصاً لأحد المعارضين السابقين احترامًا لدوره في الحرب، لم يُلغِ القانون بل استخدم روح القانون في سياق استثنائي يخدم المصالحة الوطنية. كذلك فإن تقديم العفو العام أو الخاص هو نوع من استخدام روح القوانين من أجل المصلحة العامة.

الاستطلاعُ الشخصي… واجبٌ

القيادة لا تحتمل المفاجآت في الأشخاص. المعلومات تمنحك التفوّق.

مثال:

عندما التقى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بستالين، كان يحمل ملفًا دقيقًا أعدّه مستشاروه عن سلوكه، عاداته، وحتى ردود فعله غير اللفظية. هذا ما مكّنه من فهم اللعبة النفسية معه. هكذا يفعل القادة الكبار قبل التقاءهم ببعضهم البعض.

المصالح … لا الأخلاق

الأخلاق مهمة في الحياة، لكن السياسة تقوم على تحقيق الممكن. على فن الممكن وعلى الواقع.

مثال:

اتفاق ميونيخ 1938 بين بريطانيا وألمانيا لم يكن أخلاقيًا، لكنه كان مدفوعًا بالمصلحة البريطانية في تأخير الحرب.

حَذَارِ السجال

السجال الذي هو أخذ وعطاء دون جدوى، يُضعف صورة القادة ويقلّل من هيبتهم.

مثال:

غاندي لم يدخل في سجال مباشر مع خصومه، بل كان يعرض موقفه بوضوح ويتركهم لسجالاتهم. وغالباً فإن لقاءات القادة ما تتجنب السجالات. بل تركز مباشرة على الموضوعات التي يمكن التوصل إلى نتائج بخصوصيات اما التي تكون موضع خلاف، فإنها تخضع لحوار لا يدخل في تصنيف السجال.

الواقع… لا الأمنيات المُعلنة

التصريحات الحالمة قد تُصبح مأزقًا سياسيًا لاحقًا.

مثال:

عندما وعد ميخائيل غورباتشوف بتغيير شامل في الاتحاد السوفييتي، دون جاهزية واقعية للتطبيق، انهار النظام بأكمله.

‏كذلك فإن الوعود التي لا تنفذ تسبب إحباطًا كبيراً. لذلك ليس من حق القادة أن يحلموا علنًا.

السلطة… إصغاء بوجه مناسب

الاستماع الجيد يُشعر الآخرين بالأهمية ويكشف نواياهم. إن فكرة الاستماع تنتمي إلى النصف الحدسي من المخ الذي يسمح للأفكار بأن تمور وتتم معالجتها وفهمها بشكل دقيق.

مثال:

ونستون تشرشل كان يُعرف بإيماءات رأسه ونظراته العميقة أثناء الاستماع، ما جعل محاوريه يبوحون أكثر مما خططوا له. لانه كان يحرضهم عبر استخدام لغة الجسد على تقديم المعلومات بإشعارهم بالراحة والثقة. وكان يصغي إليهم مما يشعرون بأن كلامهم له قيمة. فيسترسلون فيه الكلام الذي يقدم المعلومات والتنازلات بالنتيجة النهائية!

خالف… بـ (أنا أعلى)

ابدأ أي معارضة لأي رأي من موقع أخلاقي رفيع. ندعوه في علم النفس الأنا الأعلى. الذي لا يختلف عليه إلا البعض.

مثال:

عندما عارض نيلسون مانديلا حكومة الفصل العنصري، لم يشتمهم بل بدأ دائمًا بـ “كما نُعلّم أبناءنا في هذا الوطن…”.

الإنصاف…ليس حتميّاً

لا تنتظر من العالم أن يكون عادلًا دائمًا. ومنصفاً. لذلك على المرء أن يقوم بواجبه ولا ينتظر مردودًا عليه كما يتوقع.

مثال:

الجنرال رومل لم ينل تكريمًا لائقاً من هتلر رغم إنجازاته، لكنه استمرّ بأداء واجبه المفترض وفقا لطبيعة التحالف القائم بينهما باحتراف. ففي لحظة الحقيقة أي لحظة المسؤولية لا يجب أن تتداخل فيها الاعتبارات الشخصية الشعورية! ما أمكن إلى ذلك سبيلاً.

أنت مرآةٌ لطموح الآخرين

يشعر الناس بالانتماء لقائد يعكس ما يأملونه هم. وقد لا يكون كذلك لكن يجب أن يظهر كذلك؛ لأنه لا يستطيع أن يرضي كل الناس!

مثال:

باراك أوباما انتُخب لأنّه مثّل “الحلم الأميركي” للكثيرين أكثر من تمثيله لبرنامج سياسي دقيق.

إبداعك… بغلاف تقاليدهم

التجديد يحتاج الى قشرة مألوفة. إذا أن التجديد غالباً ما يواجه برفض من قبل العامة الذين يألفون ما اعتادوا عليه

مثال:

عندما بدأ رئيس لدولة ذات بعد ديني  بتغييرات اقتصادية ضخمة، صاغها ضمن خطاب ديني محافظ، مما سهّل تقبّلها شعبيًا. مع أنها لم تكن كذلك في نتائجها.

الاعتماد المُتبادل

‏لم تكن الحياة ( إما… أو) مطلقا. أنها اعتماد متبادل بين البشر؛  فالأقوياء يحمون بعضهم بشرط تبادل المنفعة.

مثال:

العلاقة بين بعض الدول تقوم منذ عقود على تبادل استراتيجي للنفط مقابل الأمن.

القيادة… سعة صدر

الحكمة تتطلب سعةَ صدرٍ تسبق القرار.

مثال:

‏أحد الملوك كان يستمع لساعات لمشايخ القبائل في بلده، قبل أن يتخذ قرارًا، حتى وإن كان القرار معروفًا لديه مسبقًا. إن هذا يشعر الآخرين بأن القرار قد اتخذ معهم!

الكبارُ سترٌ على بعضهم

الاحترام بين الكبار يُحفظ بالصمت عن زلّاتهم. وتجاوز ذلك يؤدي إلى خلل في منظومة الكبار!

مثال:

حتى في فضيحة ووترغيت، حافظ كبار الحزب الجمهوري على نبرة احترام للرئيس نيكسون رغم ضغوط الإعلام.

الشخصيّ… للعامّة

القائد لا يُخاطب خصومه من منطلقات شخصية. إن الردود الشخصية هي من سمات العامة وليست من خصائص القادة!

مثال:

عندما هاجم الإعلام تيريزا ماي، لم تُجب بردود انفعالية بل ببيانات حكومية رسمية فقط.

غيّر بإشاعة … ملعوبة

الإشاعة تصنع تمهيدًا نفسيًا للتغيير.

مثال:

شركة Apple تُسرّب معلومات جزئية عن أجهزتها القادمة لتثير الحماس، ثم تفاجئ السوق بتحديثات أوسع مما توقّعوه. كذلك يفعل القادة، عندما ينشرون إشاعات بهدف السبر للتوجهات العامة وردود الفعل!

اطلب بمصلحة مُشتركة

العرض المبني على الشراكة أفضل من الرجاء. وأفضل من الفرض.

مثال:

في مفاوضات صعبة جداً، عرضت إحدى الدول مصالح اقتصادية مشتركة، وليس فقط حقّها في الصفقة .

الرد على الشيطنة… بالازدراء الصامت

لا تتساوى مع من يشهّر بك.

مثال:

نيلسون مانديلا لم يرد على حملات تشويهه في الصحف الصفراء، بل واصل تقديم نفسه كرجل سلام.

الغموض…

الغموض في التوقيت والمقصد يمنحك الأفضلية.

مثال:

‏أجهزة المخابرات المحترفة عادة ما تنفذ عمليات لا تُعرف تفاصيلها إلا بعد سنوات، وتُربك بذلك خصومها بالكامل. كذلك يفعل القادة الكبار عندما يخفون مقاصدهم إلى الربع ساعة الأخيرة! بحيث يكون التواصل معهم على قضايا أخرى وليس على القضية التي سوف يفاجؤون بها.

تكتيك إدارة الصراع

‏الحياة العامة هي حياة صراع ولا يجوز إلغاء فيها الأدوار كما قلنا في النظرية الوظيفية لذلك فإن القضاء يقومون بعمل هو التوازن في الخطاب بين الخصوم وهو ما يتطلب مهارة دقيقة.

مثال:

‏اعتمد كيسنجر أثناء مفاوضاته لغة  تتحدث لكل طرف بلغة قريبة منه، فصنع المطلوب. معتمدا أسلوب الخطوة الخطوة ولكن ما إشعار الأطراف بأنه يتحدث من طرفهم.

البصيرة… مع المنطق

الرؤية والقرار النهائي لا تصنعهما العقول فقط، بل القلوب والحدس أيضًا. إن أهمية الحدس تنبع من أنها استباقية أي تتوقع المستقبل كما لا يفعل المنطق!

مثال:

مهاتما غاندي رأى أن اللاعنف سيكون سلاحاً فعالاً رغم أن الواقع قال العكس… و حدسه انتصر إلى حد ما. وهذا حدس مرتبط بالموقف نفسه ولا يمكن تعميمه!

الدولة إرث… ولكن

حافظ على الإرث، لكن لا تُصبِح أسيره.

مثال:

‏أحد الملوك العرب غيّر الدستور مرتين لإنقاذ الدولة، رغم أنه أي الدستور كان حامي الإرث التقليدي لحكمه! ولكن القاعدة هنا الموروث إذا لم يكن مفيداً يجب تجاوزه، لأنه ليس مقدسًا فالمطلوب هو خدمة الواقع وليس الأفكار.

د. عماد فوزي شُعيبي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.