رسائل إلى القادة والسياسيين القواعد النفسية للسلطة

13

الحلقة 16
د. عماد فوزي شُعيبي
‏نتابع النصائح النفسية الموجهة إلى كبار القادة والإداريين، وذلك من بعض ما أتى في كتابنا القواعد النفسية للسلطة في نسخته الجديدة المعدلة بشكل جذري!
متلازمة استوكهولم
متلازمة ستوكهولم Stockholm syndrome هي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف. وتسمى أيضاً برابطة الأسر أو الخطف وقد اشتهرت في العام 1973 حيث تظهر فيها الرهينة أو الأسيرة التعاطف والانسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الخاطف أو الآسر،
و تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه.
انتبه من مُعايشة خصومك وأعدائك لفترة طويلة في مكان واحد (كمؤتمر أو لقاء دولي [كالأمم المتحدة] مثلاً). فذلك يخلق المودة ويعدم الحذر ويوقع في (متلازمة استوكهولم)؛ وهو حب الخصم أو العدو.
القاعدة: الحذر من الإعجاب بالمخالِف بعد طول المخالطة.
مثال سياسي:
بعض مندوبي الدول المختلفة في الأمم المتحدة يتعاطفون مع ممثلي اعدائهم بعد سنوات من اللقاءات، مما يُفقدهم الحذر وتصبح العلاقات “ودية” أكثر من سياسية.
مثال إداري:
مدير تفاوض تجاري في إحدى أهم شركات الموبايل كان يُكثر من الاجتماعات مع ممثل شركة منافسة و لهذا بدأ يُبرر له مواقفه، ويُخفف من شروطه، مما يضعف موقفه التفاوضي.
***
اترك له منفذاً … عبرك
حاصر عدوك من كل منفذ، واترك له منفذاً وحيداً يمرّ منه عبرك؛ لأنك إن لم تترك له منفذاً سيستأسد دفاعاً عن آخر ما تبقى له. لكن المنفذ الوحيد يوقعه في فخّ اللهاث وراء (القشة) التي سوف تُنقِذُهُ من الغرق.
القاعدة: لا تحاصر العدو كلياً، بل دعه يرى باب نجاته فيك.
مثال سياسي:
‏تؤكد كل الدراسات السياسية الرصينة أن الولايات المتحدة بعد سقوط صدام حسين، أخطأت حين أقصت جميع البعثيين دفعة واحدة (وفق قاعدة اجتثاث البعث)، مما جعلهم يعودون أشدّ عنفاً بأشكال مختلفة ، ولو تُرك لهم “منفذ سياسي” لكان الوضع أخفّ.
مثال إداري:
رئيس شركة يستعد لطرد مدير منافس، لكنه يترك له خيار الانتقال إلى قسم آخر، مما يُجنّب الشركة مواجهة داخلية أو حملة تشويه لاحقة.
***
عروضك… غامضة
حينما تُقدّم عرضاً لعدوك قدّمه محفوفاً بالغموض ولا تشرحه.
دعه هو يشرحه؛ لأنه غالباً سيرى فيه الحدّ الأدنى من مطالبه. وحينما يسألك عن شرحه دعْ الجواب له. ستكسب فرصة ألاّ تقدم الكثير.
القاعدة: لا توضح عروضك بالكامل، دَع الخصم يفسّرها لصالحه.
مثال سياسي:
هنري كيسنجر في مفاوضات ما بعد حرب 1973 بين مصر وإسرائيل، كان يقدّم عروضًا غامضة تُرضي الطرفين وتدفعهم لتفسيرها وفق مصالحهم دون أن تُلزمه كثيراً.
مثال إداري:
رئيس تنفيذي يطرح فكرة تحفيزية مبهمة لفريقه “سنعيد هيكلة الحوافز قريبًا”، فيبدأ كل فريق بتخيّل أفضل السيناريوهات، مما يولد الحماس دون التزام مسبق منه.
***
لا تُقاتل الأقوياء… إن استطعت
لا تقاتل النمور التي تود أن تختطف منك إنجازك. حيّدها واستفد منها.
القاعدة: تجنب قتال من هم أقوى منك، وحيّدهم أو اجعلهم حلفاء.
المثال الأول: النبي محمد ﷺ و”صلح الحديبية” مع قريش
الزمان: عام 6 هـ
السياق:
كان النبي محمد ﷺ في طور بناء الدولة الإسلامية في المدينة، وقريش آنذاك أقوى عدداً وعدّةً، وتُسيطر على مكة والجزيرة.
ما فعله:
• عقد صلح الحديبية مع قريش رغم أن بنوده ظاهرياً مجحفة (مثل عدم دخول المسلمين مكة ذلك العام).
• الهدف: تحييد أقوى أعدائه مؤقتاً حتى يتفرغ ليقوى بين القبائل الأخرى.
• النتيجة: خلال عامين فقط بعد الصلح، فُتحت مكة دون قتال تقريبًا.
الدلالة على القاعدة: تحييد أقوى الخصوم في الوقت غير المناسب للمواجهة مكّنه من تقويتهم لاحقًا دون مواجهة مباشرة.
المثال الثاني: ستالين و”الاتفاق السوفيتي – الألماني” (ميثاق مولوتوف-ريبنتروب)
الزمان: عام 1939
السياق:
قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت ألمانيا النازية بقيادة هتلر قوة عظمى توسعية، وكانت نواياها ضد الاتحاد السوفيتي معروفة.
ما فعله ستالين:
• عقد اتفاق عدم اعتداء مع هتلر، رغم أن الأيديولوجيتين متناقضتان تمامًا (الشيوعية والنازية).
• الهدف: كسب الوقت لإعادة تسليح الجيش الأحمر بعد تطهيره داخليًا، وتحييد ألمانيا مؤقتاً.
النتيجة:
• ربح ستالين نحو عامين من السلام النسبي. رغم أنه تعرض لاحقاً للخديعة.
• عندما نقض هتلر الاتفاق عام 1941 وغزا الاتحاد السوفيتي، كان الجيش الأحمر قد كسب وقتاً. صحيح أنه مُني بهزيمة في البداية لكنه أعاد بناء نفسه وبدأ بقلب موازين الحرب.
الدلالة على القاعدة: ستالين لم يكن مستعداً لقتال هتلر فورًا، فاختار تحييده باتفاق وقتي، ما أتاح له فرصة للبناء بدل الانهيار.
مثال إداري 2:
شركة ناشئة تعرف أن أمازون قادرة على سحقها، فتقرر تقديم خدماتها من خلال منصة Amazon بدلاً من منافستها، فتتحول من خصم إلى شريك محتمل.
***
القوانين …
في كل الأوقات أنت تحتاج للحفاظ على قوانين الدولة، حرصاً على هيبتها، ولكن في حالة الحصار والحرب، تكون الاستثناءات هي القوانين؛ لأنك يجب ان تُحافظ على الدولة من الانهيارات، وصولاً إلى حالة السلم.
القاعدة: في الأزمات، تُصبح الاستثناءات هي القاعدة حفاظًا على الدولة.
مثال سياسي:
فرنسا في الحرب العالمية الثانية، أعلنت حالة الطوارئ وطبّقت قوانين استثنائية لحماية الجبهة الداخلية، مع تعليق بعض الحريات مؤقتًا.
مثال إداري:
شركة تعيش أزمة مالية فتُوقف مؤقتًا نظام المكافآت والدوام المرن وتُركّز على الإنقاذ. ما يُعتبر خروجًا عن “القواعد” هو حماية لجوهر الكيان.
د. عماد فوزي شُعيبي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.