رهان لبنانيّ على “الخطوة الثّانية” إسرائيليّاً
بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
حتّى قبل ساعات قليلة من وصول المبعوث الأميركي توم بارّاك، اليوم، إلى بيروت لم يكن الرؤساء الثلاثة في صورة ما سيَعرضه، أو يَطلبه، أو يَقبله، موفد الرئيس دونالد ترامب من السلطات اللبنانية. لكن أوحت المناخات المسرّبة في الساعات الماضية بوجود رهان من لبنان الرسمي على أن تُقدِم إسرائيل، بضغط أميركي، على “الخطوة الثانية”، بعد الخطوة الأولى التي أشارت إليها صراحة الورقة الأميركية المقَرّة في مجلس الوزراء، وتتّصل بالالتزام بنزع سلاح “الحزب”، مع خطّة وجدول زمنيّ.
يحضر بارّاك اليوم، ترافقه الموفدة الأميركية السابقة إلى بيروت، مورغان أورتاغوس، ضمن المهلة التي حدّدتها المرحلة الأولى من الورقة الأميركية حول حصريّة السلاح (بين اليوم الصفر إلى اليوم 15)، وذلك بعد 11 يوماً من جلسة مجلس الوزراء في السابع من آب (سبقتها جلسة 5 آب حول تكليف الجيش إعداد خطّة تسليم السلاح)، التي أقرّت أهداف الورقة الأميركية.
وفق معلومات “أساس”، هي المرّة الأولى التي يحضر فيها بارّاك، تحت سقف توتّر رئاسي، لم تنتهِ ذيوله بعد، ربطاً بقرارات جلستَي 5 و7 آب. وعلى الرغم من كلّ التسريبات المضادّة، تتقاطع كلّ المعطيات الموثوقة عند كون حبل الكلام لم ينقطع بين بعبدا وعين التينة، وبشكل غير مباشر بين بعبدا و”الحزب”، عبر قنوات الرئيس برّي، لكنّ نتائجه لم تُسهِم حتّى الآن في ردم الهوّة التي أحدثتها قرارات الحكومة الأخيرة. وقد بقيت قنوات التواصل مفتوحة، حتّى موعد اللقاء الأوّل صباح اليوم بين بارّاك ورئيس الجمهوريّة.
أمس، برز بوضوح استمرار التباين الرئاسي من خلال المواقف التي أدلى بها كل من رئيسيّ الجمهورية ومجلس النواب إلى محطة “العربية” حيث قال الرئيس جوزف عون أن “لبنان كان أمام خيارين، إما الموافقة على الورقة الاميركية أو العزلة، وعندها سترفع إسرائيل وتيرة اعتداءتها، ولا أحد منّا بإمكانه الردّ على الاعتداءات، وإذا كان لدي أي كان خيار ثالث يؤدي إلى انسحاب إسرائيل، فليتفضّل ويطرحه”.
أمّا الرئيس نبيه بري فدعا “إلى حوار بشأن قرار حصر السلاح بيد الدولة، وليس بالطريقة المطروحة”، مؤكداً “لا يمكن تطبيق أي قرار بشأن الحزب، طالما إسرائيل ترفض تنفيذ التزاماتها، وليس لدي شئ أطرحه على المبعوث الاميركي”.
في سياق مناخ التوتّر الرئاسي، ردّد الرئيس برّي أمام زوّاره كلمة “خديعة”، حصلت في مجلس الوزراء، وتكلّلت بما وصفته مصادره بـ “حجّة غير مقنعة” بأنّه “لو لم ينسحب الوزراء الشيعة من الجلسة، كان رئيس الجمهورية سيرفع الجلسة (5 آب) في ظلّ أكثرية كانت تريد تأجيل قرار “تكليف الجيش وضع خطّة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي، وعرضها قبل 31 آب على مجلس الوزراء”، إلى الجلسة التي ستليها. فمصادر برّي اعتبرت أنّ “القرار كان متّخذاً سلفاً قبل انعقاد الجلسة، بخلاف ما اتُّفق عليه”.
صمت رئاسيّ
في المقابل، يمكن استناداً إلى الورقة نفسها أن يطالب الجانب اللبناني فوراً بـ “وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية البريّة والجوّية والبحريّة”. فهو مطلب ورد في البند الثاني من المرحلة الأولى التي لحظت في بندها الأوّل ضرورة “مصادقة مجلس الوزراء، وفقاً للآليّات الدستورية، على أهداف المذكّرة عبر إصدار مرسوم يتضمّن التزاماً صريحاً بنزع سلاح “الحزب” وسائر الأطراف الفاعلة التي لا تخضع بالكامل لسلطة الدولة، في موعد أقصاه 31 كانون الأوّل 2025″. لكنّ ما حصل فعليّاً أنّ الجانب الإسرائيلي، بعد أيّام قليلة على إقرار المذكّرة، وضمن سياق اعتداءاته اليومية، أقدم على عراضة وقحة، لم تستدرج أيّ رد فعل رسمي من الجانب اللبناني، عبر قيام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير بجولة عسكرية داخل مناطق محتلّة في جنوب لبنان، معلناً تنفيذ 600 ضربة جوّية منذ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار، وقائلاً: “الجيش الإسرائيلي يعمل وفق مفهوم استراتيجي جديد يهدف إلى منع أيّ تهديد مستقبلي، وإحباط جميع التهديدات فوراً، لأنّنا لم نعد نقبل احتواء التهديد والانتظار”. في الوقت نفسه كان لاريجاني يتحدّث من عيت التينة عن مزايا المقاومة.
لاحقاً، أعلنت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبريّة أنّ الجيش الإسرائيلي يقيم منشأة تدريب بالذخيرة الحيّة في منطقة في هضبة الجولان مصمّمة لمحاكاة مدينة لبنانية.
كان لافتاً أنّ تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو حول “إسرائيل الكبرى”، التي لم تستدرج أيضاً أي ردّ لبناني رسميّ، قوبلت باستنكارات عربية تقدّمتها المملكة العربية السعودية التي أدانت “الأفكار والمشاريع الاستيطانية التي تتبنّاها سلطات الاحتلال”، وفق البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية.
لتنسحب إسرائيل
وفق المعلومات، سيتمسّك الرؤساء الثلاثة، خلال لقائهم بارّاك، بالبند الثاني من الورقة، في سياق المرحلة الأولى من التنفيذ.
يلي ذلك البند الثالث حول “وقف تحرّكات “الحزب” المُتعلّقة بنقل الأسلحة، ووصوله إلى البنى التحتية العسكرية فوق الأرض وتحتها، أو إلى المعدّات العسكرية، والمواقع التشغيلية، ومخابئ الأسلحة، في جميع أنحاء البلاد”، والبند الخامس حول “ممارسة الولايات المتّحدة وفرنسا الضغط على إسرائيل لضمان التزامها الكامل بتنفيذ بنود هذه المذكّرة”، والبند الثامن حول “إنشاء الجيش اللبناني 15 نقطة مراقبة حدودية أوّلية جنوب نهر الليطاني، وفقاً لخريطة انتشار تُعِدّها قيادة الجيشّ”.
يُذكر أنّه في “أهداف” الورقة الاميركية، التي أقرّها مجلس الوزراء، ورد الترتيب الآتي:
“-إنهاء الوجود المسلّح لجميع الجهات غير التابعة للدولة بشكل تدريجي، بما في ذلك “الحزب”، في جميع الأرجاء اللبنانية، شمال وجنوب نهر الليطاني” (البند الثالث).
“-انسحاب إسرائيل من “النقاط الخمس”، وإيجاد حلّ لقضايا الحدود والأسرى عبر مفاوضات غير مباشرة” (البند الخامس).
“-ضمان انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية ووقف جميع الأعمال العدائية، بما في ذلك الانتهاكات البرّية والجوّية والبحريّة” (البند السابع).
تمّت الموافقة على هذا الترتيب من قبل حكومة نوّاف سلام، بعد التعديلات اللبنانية التي أُدخلت إلى الورقة الأميركية، ويُشكّل لبّ معركة واشنطن لفرض تسليم السلاح ضمن جداول زمنية محدّدة.
لكنّ الجانب اللبناني، وفق المعلومات، يرى أنّ لبنان أقدم على الخطوة الأساسيّة التي ستُترجم على أرض الواقع في الخطّة التي سيقدّمها الجيش اللبناني في جلسة الثاني من أيلول المقبل، ويتوقّع الخطوة التالية من جانب إسرائيل.
بانتظار بارّاك
هنا تشير المعلومات إلى محاولات رئاسية جرت في الساعات الماضية، شملت الرئيس نبيه برّي، ولم تتبيّن نتائجها بعد، لإسماع بارّاك موقفاً موحّداً في شأن تمسّك لبنان بمعادلة مفادها: “لا يمكن تنفيذ خطّة الجيش، من دون وقف الأعمال العدائية الإسرائيلية فوراً، وانسحاب إسرائيل تدريجاً من المواقع المحتلّة”. وهو ما ورد أصلاً في سياق الورقة الأميركية، ضمن المراحل الثانية والثالثة والرابعة.
يَظهر رهان رئيس الجمهورية، تحديداً، على التزام مضمون “الملاحظة الختاميّة” التي أُضيفت إلى الورقة الأميركية من جانب فريقه الاستشاري، والتي تشير إلى بدء “تنفيذ المقترح اعتباراً من الأوّل من آب، فور مصادقة الأطراف اللبنانية والإسرائيلية والسوريّة عليه، كلٌّ في ما يتعلّق بالتزاماته المحدّدة”.
لذلك ينتظر على الأقلّ الرئيسان جوزف عون ونوّاف سلام من بارّاك معلومات تفصيلية عن الترتيبات التي التزمتها حتّى الآن سوريا وإسرائيل ليُبنى على الشيء مقتضاه.
ملاك عقيل
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.