زيارة المفتي دريان إلى سوريا: دلالات دينية وسياسية

15

بقلم د. ابراهيم العرب
تستعد دار الفتوى اللبناني برئاسة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان لزيارة رسمية إلى سوريا، وهي زيارة تحظى بمتابعة واسعة نظرًا لمكانة المفتي دريان كمرجعية عليا للسنة في لبنان ومساره العلمي والوطني المعروف. كما تبدو هذه الزيارة للوهلة الأولى ذات طابع ديني بحت ومجرّد إجراء بروتوكولي، إلا أن السياق الإقليمي والسياسي الراهن يكسبها أبعادًا إضافية. فالوفد اللبناني، الذي يضم مفتي الجمهورية ومجلس المفتين وعلماء من دار الفتوى، سيجري لقاءات رفيعة مع الرئيس السوري أحمد الشرع وكبار المسؤولين. كذلك، فإن الزيارة ستتمّ «في إطار تعزيز العلاقات وتطويرها وتفعيلها بين دار الفتوى ووزارة الأوقاف السورية»؛ كما أن هدف الزيارة ديني وسياسي يقوم على تعزيز الثقة والتعاون.
إنّ هذه الزيارة تظهر مدى سعي دار الفتوى لتعزيز العلاقات الدينية وتوثيق أواصر الأخوة الإسلامية بين البلدين من خلال تعزيز التعاون بين دار الفتوى اللبنانية والأوقاف السورية. أضف إلى استكمال التقليد الديني البروتوكولي بتقديم التهاني لقيادة سوريا الجديدة، بما يعزز من روح الوحدة والأخوّة الإسلامية. وتحمل الزيارة رسالة إلى اللبنانيين مفادها ضرورة تقوية أواصر الجوار مع سوريا واحترام سيادتها، مع التركيز على تنسيق جهود ضبط الحدود لمكافحة التهريب وتعزيز الاستقرار.
الأبعاد السياسية والإقليمية
أمّا من الناحية السياسية، فإن زيارة المفتي دريان تأتي في توقيت حساس. فهي تبدو إشارة ضمنية إلى اعتراف لبنان بواقعية القيادة السورية الجديدة تحت رئاسة أحمد الشرع. وقد تزامن التنسيق اللبناني-السوري مع ضغوط دولية وإقليمية على بيروت في ملفات مثل اللاجئين السوريين والطاقة والأمن، مما يجعل أي تعزيز للعلاقات مع دمشق محوراً استراتيجياً. وفي هذا الإطار، نؤكد أن كل الرهانات حول خلفيات أخرى لزيارة مفتي الجمهورية ساقطة، ذلك أن منطلقات دار الفتوى كانت وستبقى إيمانية وطنية وعربية بامتياز والمسلمون السنة مكوّن أساسي وليس لديهم مشروع خارج إطار الدولة اللبنانية.
ولكن في الوقت نفسه، تُعد زيارة مفتي الجمهورية لسوريا مؤشرًا على دعمها سنّياً وتعزيز صورة الرئيس الشرع في العالم العربي، حيث تمنح الزيارة الشرع صبغة شرعية من زاوية الطائفة السنية اللبنانية. فضلاً عن ذلك، تعكس التحضيرات لزيارة المفتي تعقيد الملفات المشتركة بين لبنان وسوريا، لا سيما ملف النازحين والمصالح الاقتصادية والأمنية، في وقت تتطلب فيه الخارطة السياسية تنسيقاً جديداً يجمع بين الدبلوماسية والسياسة الداخلية.
الأبعاد الرمزية ووحدة الموقف
تحمل زيارة المفتي بعدًا رمزيًا كبيرًا داخل الطائفة السنية. فقد كرّس المفتي دريان في مناسبات سابقة مبادئه في الوحدة الوطنية، حيث شدد على أن لا دولة في لبنان من دون المسلمين والمسيحيين، وأي تهميش أو استبعاد للمسلمين السنة أمر مرفوض ونحن له بالمرصاد. وهذا الموقف يؤكد أن دور السنة ليس قاصراً على أي طرف داخلي، بل هو جزء لا يتجزأ من بناء الدولة اللبنانيّة. كما أنّ زيارة المفتي إلى دمشق لا تستهدف أي مكوّن لبناني داخلي، بل تأتي ضمن رؤية وطنية جامعة تتوافق مع ثوابت السياسة اللبنانية. خصوصاً أن الشيخ دريان معروف بالتزامه بالمبادئ الوسطية وتعزيز التعايش بين مختلف مكونات المجتمع. ويظهر هذا جليًا في توصيفه الإعلامي بـ«مفتي الحكمة والاعتدال»، وهو اللقب الذي يشير إلى صموده في مواقفه الحكيمة وتحفظه عن أي تجاوز طائفي. فالمفتي دريان حفظ بحكمته في مرات عدّة السلم الأهلي، وأمتنا العربية والإسلامية بأمس الحاجة إلى علمه وبصيرته واعتداله لأنه مفتي “الوحدة الوطنية والإسلامية” والعيش المشترك الواحد بين اللبنانيين.
كما أن قيادة دريان الدينية تؤكد “حرصه الكامل على أهله ووطنه” حتى في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان. ويعكس هذا التقييم الثقة العالية التي توليها الفئات المختلفة لمفتي الجمهورية باعتباره رمزًا وطنيًا جامعًا.
السياق اللبناني الداخلي
على المستوى الداخلي، عبّرت تصريحات الشيخ دريان مؤخرًا عن رفضه لأي تهميش للمسلمين السنة، مؤكدًا أن دورهم الوطني مكفول في إطار الدولة. ومثلما كرّر في خطبته أن السنة جزء لا يتجزأ من كيان لبنان، سيكون لزيارة المفتي لسوريا بعداً وطنيًّا أيضًا. إذ أن دار الفتوى تتخذ من مبادئ الدستور وثوابت المواطنة أساسًا، كما أنه ليس للمسلمين في لبنان مشروع خارج إطار الدولة اللبنانية. ومن هذا المنطلق، يرى المراقبون أن المفتي، بقيادته الحكيمة، يرمز بإيمانه إلى ضرورة بقاء لبنان “وطنًا لجميع أبنائه” دون تمييز.
ختامًا، يمكن قراءة زيارة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان إلى دمشق كخطوة تؤشر إلى انفتاح جديد في العلاقات اللبنانية-السورية. فهي تؤكد استعداد بيروت لنبذ العصبيات الطائفية وتعزيز التعاون مع سوريا بوصفها دولة عربية شقيقة، وما ينطوي على ذلك من تأثيرات إيجابية محتملة على خريطة التحالفات الإقليمية. وأيًا تكن المواقف بشأن هذه الزيارة، يبقى الأهم أنها ترسّخ من مبادئ دار الفتوى الثابتة، لجهة أن لبنان يظل “وطنًا لجميع أبنائه”، وأن قيادته الوطنية تسعى لتعزيز الاستقرار والوحدة داخله وخارجه على حد سواء. وتجدر الإشارة إلى أن زيارة وفد عُلمائي لبناني بهذا المستوى إلى دمشق تأتي في وقت يرافقه نشاط سياسي داخلي مكثف، مما يزيد من دلالتها الرمزية.
د. ابراهيم العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.