زيارة ترامب للسّعوديّة: نتنياهو أكل “لسانه”..

17

أحمد الصادق – رام الله

«أساس ميديا»

لا يمكن القول إنّ في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية شرخاً، أو إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تخلّى عن إسرائيل، لكنّ ذلك لا يُخفي ذهول الإسرائيليين منه. إذ أثارت خطوات الرئيس الأميركي قلق المعارضة الإسرائيلية، وتحذّر شخصيات عسكرية وأكاديمية وسياسية من مغبّة خسارة الدعم الأميركي لإسرائيل في ظلّ حرص بنيامين نتنياهو على التضحية بمستقبل إسرائيل وأمنها وعلاقاتها من أجل البقاء سياسياً.

لا يرى أقطاب اليمين الإسرائيلي في ترامب سوى صديقهم المفضّل، وقد احتفوا بفوزه لاعتقادهم أنّه سيمنحهم شيكاً مفتوحاً من الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي. لكنّ تلك القناعة باتت تقف على أرض رخوة وتهتزّ على وقع توجّهات ترامب التي اتّخذها بعيداً عن إسرائيل ومن دون التنسيق معها، سواء فتح قناة مفاوضات مع حركة حماس أو بدء مفاوضات تبدو ناجحة حتّى الآن مع إيران للوصول إلى اتّفاق نووي جديد، وعقد اتّفاق على وقف إطلاق النار مع الحوثيين.

ترفع زيارة ترامب المرتقبة لدول الخليج، وتحديداً السعودية، مستوى القلق الإسرائيلي يوماً بعد آخر، ومردّ ذلك يعود لجهل حكومة نتنياهو بما يفكّر فيه ترامب وما يحمله من صفقات. وهو ما يدلّل على وجود أزمة ثقة بين الطرفين، نتيجة شعور ترامب بتلاعب نتنياهو به، ومحاولته كسب الوقت وعرقلة مساعيه في تحقيق إنجازات سريعة في العديد من الملفّات في المنطقة.

قلق متفاقم

اللافت في الشارع الإسرائيلي أنّ نتنياهو التزم الصمت وكأنّ الفأر أكل لسانه إزاء ما قام به ترامب حديثاً، ولم يعقّب علناً على قراراته خشية من ردّ فعله، وهو ما دفع صحافيين إسرائيليين للاعتراف أنّ نتنياهو لا يمكنه معارضة ترامب كما فعل مع سلفه جو بايدن.

قلق حكومة نتنياهو من زيارة ترامب للسعودية واضح، وقد عبّرت عنه وسائل إعلام عبريّة صباح الأحد 11 أيّار، إذ قالت “يديعوت” إنّ “واشنطن تواصل تعزيز علاقاتها مع دول الخليج على حساب إسرائيل التي قد تجد نفسها خارج اللعبة وتدفع أثماناً في ملفّات تقليدية كانت تعتبرها خطّاً أحمر”.

أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أنّ هناك قلقاً لدى المؤسّستين الأمنيّة والعسكرية (الجيش) و”الشاباك” و”الموساد” من أنّ صفقة أمنيّة في الخليج، عدا عن المباحثات من أجل اتّفاق مع إيران، يمكن أن تلحق الضرر بإسرائيل أيضاً، وهناك خشية من أن ينقلب ترامب في موضوع غزّة ويطلب إنهاء الحرب. بل وإعلان مسار للدولة الفلسطينية كما نقلت “CNBC” عن مصادر أميركية أنّ ترامب في صدد إعلان هذا المسار الفلسطيني من الرياض.

الاعتقاد في إسرائيل أنّ العلاقات الأميركية – السعودية تزداد قوّة وصلابة وعمقاً، وزيارة ترامب ستزيد أوجها، خاصّة ما قد تسفر عنه من توقيع اتّفاق بيع أسلحة استراتيجية للمملكة بنحو مليار دولار، وإمكان منح ترامب الموافقة على برنامج نووي مدني للسعوديّة، من دون مناقشة أو إلزام الرياض بالتطبيع مع إسرائيل.

ينظر الشارع الإسرائيلي لنتنياهو على أنّه السبب في توجّهات ترامب الأخيرة في المنطقة، وفي تعميق عزلة إسرائيل دوليّاً، وفي هذا الإطار قال زعيم حزب الديمقراطيين بإسرائيل يائير جولان إنّ “نتنياهو دمّر العلاقة الخاصّة مع واشنطن”، وإنّ “قوى العالم تجتمع هذه الأيّام لتشكيل نظام إقليمي جديد، وإسرائيل خارج المعادلة”، وأضاف: “إسرائيل دولة منقسمة ومنبوذة وفقيرة بسبب غلاء معيشة جنوني وتنهار من الداخل”.

بينما أسقط ترامب إسرائيل من جدول زيارته للمنطقة، باتت السعودية وجهته الأولى في المنطقة، ولهذا الأمر اعتبارات سياسية، وهذه الأولويّة في جدول ترامب أصابت نتنياهو وحكومته بالحرج، خاصّة مع إرجاء وزير الدفاع الأميركي بيت أهيغسيث زيارته تل بيب بسبب الجولة. ولطالما تغنّت حكومة نتنياهو ووعدت بقرب التوصّل إلى تطبيع مع الرياض، واعتبار ذلك انتصاراً استراتيجيّاً، إلّا أنّ موقف الرياض يزيد قلق حكومة نتنياهو.

جولة مكتوب لها النّجاح

قالت صحيفة “معاريف” في 4 أيار إنّ السعودية ليست معنيّة بأن يشمل جدول أعمال زيارة ترامب “مسألة التطبيع مع إسرائيل، ولا أيّ مفاجآت قد ترد في تصريحات ترامب في هذا الصدد”. ورأى موقع “واينت” العبري أنّ جولة ترامب الخليجية مكتوب لها النجاح، وتدلّل على نزعة أميركية لتجاوز الموقف الحكومي الإسرائيلي وعدد من السياسات الثابتة، بما في ذلك صفقة الأسلحة والتعاون الأمنيّ بين واشنطن والرياض، وتشكّل الزيارة تحدّياً حقيقياً لمبدأ الإبقاء على التفوّق النوعي الإسرائيلي الذي تتبنّاه الإدارات الأميركية.

كان التوافق السعودي الأميركي على تطوير قدرات سعودية في مجال الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم ذاتيّاً ولأغراض سلمية دوماً محطّ قلق لإسرائيل التي لا تريد لأيّ دولة إقليمية أن تملك هذه القدرات، لكنّ ذلك بات قريباً حسب المؤشّرات والتقديرات.

إلى جانب هذه المتغيّرات، لم يعد سرّاً وجود ضغوطات على نتنياهو في شأن العدوان على غزّة، كما نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية عن مصدر مطّلع، فإدارة ترامب تمارس ضغوطاً كبيرة على حكومة نتنياهو للتوصّل إلى اتّفاق مع حركة حماس قبل زيارته المرتقبة للمنطقة، وهو ما تعتبره الإدارة الأميركية أمراً بالغ الأهميّة ودفعها إلى إرسال رسائل قويّة إلى تل أبيب تفيد بأنّ عدم التحرّك نحو اتّفاق قد يترك إسرائيل معزولة.

لا يراهن الفلسطينيون على التوتّرات بين واشنطن وتل أبيب، إلّا إذا صاحَبها ضغط عربي حقيقي على ترامب يشعر من خلاله أنّ مصالح واشنطن قد تُمسّ وتتضرّر، فيضغط بدوره على نتنياهو. وعليه قد تحوِّل زيارة ترامب للمنطقة قلقَ نتنياهو وحكومته إلى رعب، لكنّ ذلك مرتبط بالموقف العربي والخليجي أمام ترامب، والقدرة على دفعه لإنجاز صفقة شاملة في المنطقة تتضمّن إنهاء الحرب على غزّة، ومن دون ذلك سيفتح نتنياهو أبواب الجحيم على المنطقة برمّتها.

أحمد الصادق – رام الله

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.