زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن: إعادة تشكيل معادلات التحالف

19

المحامي  أسامة العرب

تأتي زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن في لحظة سياسية حساسة إقليمياً ودولياً، حيث تتقاطع مصالح الطاقة والأمن مع التحولات الجيوسياسية الكبرى في الشرق الأوسط، والصعود المتسارع للتكنولوجيا المتقدمة، بما فيها الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية. فالعلاقة التاريخية بين الرياض وواشنطن-القائمة على معادلة “النفط مقابل الأمن” منذ منتصف القرن العشرين- باتت تتعرض لإعادة تشكيل عميقة، في ظل سعي الطرفين إلى تعظيم مكاسبهما في عالم يتغير بسرعة ويزداد تعقيداً.

وفي هذا الإطار، تشكّل زيارة ولي العهد إلى البيت الأبيض، ولقاؤه بالرئيس دونالد ترامب، محطة محورية لفهم آفاق التحالف الثنائي ومستوى استعداد واشنطن لمنح الرياض ضمانات أمنية وتكنولوجية في مقابل توجهات سياسية تتصل بالتطبيع مع إسرائيل والملف الفلسطيني.

شهد البيت الأبيض اجتماعاً رفيع المستوى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هدف إلى تعزيز التعاون النفطي والأمني الممتد منذ عقود، وتوسيع العلاقات في مجالات التجارة، والتكنولوجيا، والطاقة النووية المدنية. وتمثّل الزيارة الثانية للأمير محمد إلى الولايات المتحدة نقطة مهمة لكل من أكبر اقتصاد عالمي وأكبر منتج للنفط، في وقت يسعى فيه الطرفان إلى إعادة صياغة تحالفهما الاستراتيجي.

من جانبها، تطمح الإدارة الأمريكية إلى الاستفادة من التعهد السعودي بمشاريع استثمارية تصل إلى 600 مليار دولار، سبق الإعلان عنها خلال زيارة ترامب إلى الرياض عام 2017. وبالرغم من الانتقادات المتعلقة بملف حقوق الإنسان، يُتوقع أن يستمر ترامب في تجنّب إثارة هذا الموضوع تجنباً لأي توتر سياسي.

أما ولي العهد السعودي، فهو يسعى إلى الحصول على ضمانات أمنية أمريكية وسط الاضطرابات الإقليمية، وإلى الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، خصوصاً في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية. وفي هذا السياق، أعلن ترامب عزمه الموافقة على بيع مقاتلات F-35 للرياض، وهو تطور قد يمثّل تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية ويؤثر في ميزان القوى العسكري في الشرق الأوسط، ويختبر التزام واشنطن التقليدي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.

على المستوى الدفاعي، تشير التحليلات إلى أن السعودية تطمح إلى إبرام اتفاقية دفاعية “كاملة” يصادق عليها الكونغرس، بما يتجاوز الترتيبات الأمنية التاريخية القائمة. غير أن واشنطن تشترط ربط هذا الاتفاق بخطوة تطبيع رسمي بين الرياض وتل أبيب. في المقابل، تشترط المملكة التزاماً إسرائيلياً واضحاً بخيار الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو الذي جدّد معارضته لإقامة دولة فلسطينية، رغم قبوله مؤخراً وقف إطلاق النار مع حركة حماس بوساطة أمريكية.

وتبدو خيارات ترامب أكثر واقعية من الطموحات السعودية، إذ يُرجّح أن يصدر قراراً تنفيذياً يعزّز التعاون الدفاعي من دون الوصول إلى مستوى الاتفاقية الدفاعية الشاملة التي تطلبها الرياض. ومن شأن هذه الخطوة أن تشكّل مرحلة انتقالية ضمن مسار تفاوضي أطول، لا خاتمة له.

ومن المتوقع أن يتراوح الدعم الأمريكي المحتمل بين تعزيز الدفاعات الصاروخية السعودية عبر بطاريات “ثاد” و”باتريوت”، وتحديث منظومات الأسلحة، ونشر وحدات بحرية أو قوات محدودة، وصولاً إلى أشكال من التنسيق العملياتي قد تتجاوز الإطار الدفاعي التقليدي.

في موازاة ذلك، تكثّف السعودية جهودها للحصول على شراكات أمريكية في مجالات الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي، انسجاماً مع رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني. وتشكل الحصول على الموافقات الأمريكية المتعلقة بالرقائق المتقدمة ضرورة استراتيجية لخطط المملكة لتصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، ولا سيما في ظل المنافسة المتصاعدة مع الإمارات التي سبقتها إلى عقد صفقات ضخمة في هذا المجال.

كما يسعى ولي العهد إلى دفع المفاوضات المتعلقة ببرنامج نووي مدني سعودي، بما يتيح للرياض الوصول إلى التكنولوجيا النووية الأمريكية، ويوفر لها ضمانات أمنية إضافية، ويمكّنها من التنافس مع الإمارات وإيران اللتين تقدمتا بالفعل في هذا الميدان.

ختاماً، تعكس زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن تعقيدات المشهد السياسي في الشرق الأوسط، حيث تتداخل حسابات القوة الإقليمية مع مصالح التكنولوجيا والطاقة والأمن. وبينما تسعى السعودية إلى ترسيخ وضعها كقوة إقليمية صاعدة تمتلك أدوات التكنولوجيا الحديثة والضمانات الأمنية، تدرك واشنطن أن الحفاظ على التحالف مع الرياض بات يتطلب مقاربة أكثر شمولاً تتجاوز النفط والسلاح.

ومع ذلك، يبدو أن الطرفين سيخرجان باتفاقات “أقل من الطموحات” لأسباب تتعلق بالواقع السياسي، سواء داخل الولايات المتحدة أو داخل إسرائيل، أو في المنطقة عموماً. ومع أن الدبلوماسية غالباً ما تقدم حلولاً وسطية، فإن المسار الذي بدأ بين واشنطن والرياض اليوم يُرجح أن يستمر بوصفه إعادة تشكيل تدريجية لتحالف تاريخي، تتحدد ملامحه وفق موازين القوى ومستقبل الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد النفط.

المحامي  أسامة العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.