شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – «خيار التفاوض» بات الخيار الوحيد

10

جزم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بأن «ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض (مع إسرائيل) فعندما لا تصل الحرب الى أي نتيجة ماذا نفعل؟ ونهاية كل حرب هي التفاوض، لغة التفاوض أهم من لغة الحرب التي رأينا ماذا فعلت بنا»(…).
هذا الكلام الذي أدلى به رئيس الجمهورية، أمس، يؤكد من دون أي لبس أو إبهام على حقيقة حاسمة وهي أن قرار التفاوض بات نهائياً، وأن ما قاله الرئيس قبل أيام لم يأتِ عفوياً، ولا كان وليد مناسبة بعينها، إنما هو موقف ثابت في نهج العهد، لا سيما أن الرئيس لم يفته أن يذكر أنه لا يتفرد بهذا الموقف، مشيراً الى موقفَي رئيسَي الحكومة ومجلس النواب المماثلَين.
في عودة سريعة الى بداية نشوء القضية الفلسطينية وانخراط لبنان فيها، وتحمّله القسط الأكبر من التداعيات الكارثية لقيام الكيان العبري في فلسطين المحتلة، أجريت مفاوضات مختلفة بين لبنان والعدو الإسرائيلي، بعضها (أولها وأهمها) أسفر عن إبرام اتفاقية الهدنة التي كانت علامة مميزة في إقامة مرحلة دامت نحواً من عقدين من الزمن شهد خلالها جانبا الحدود هدوءاً مثمراً، انتهى عندما ذهب بعيداً الانقسام الداخلي حول الاستباحة الفلسطينية للبنان. عُقد اتفاق الهدنة بإشراف هيئة الأمم المتحدة في العام ١٩٤٩، وهي كما يدل عليها اسمها، هدنة بين فريقين متحاربين ولم تكن اتفاقية سلام. ولقد أسقطتها إسرائيل عملياً، وليس بالإلغاء القانوني، باجتياحاتها المتكررة لمواجهة الوجود الفلسطيني الذي شرّعه لبنان باتفاق العار، الذي كان فضيحة في حد ذاته، أي اتفاق القاهرة (١٩٦٩) الذي سلم لبنان الى منظمة التحرير الفلسطينية، في تخاذل وخيانة غير مسبوقَين في تاريخ الأمم… علماً أن العار لا يلبس، فقط الذين وقّعوه بل أيضاً الذي أبرموه وأقروه في مجلسَي الوزراء والنواب من دون أن يطلعوا على مضمونه، وكان، حتى، إلغائه كارثة موصوفة على لبنان… ألا رحم الله العميد ريمون إده الذي عارضه بشراسة …
وبعد الاجتياح الإسرائيلي سنة ١٩٧٨ والذي تمدد سنة ١٩٨٢ الى العاصمة أجريت مفاوضات بين لبنان وإسرائيل ترأس الوفد اللبناني المفاوض شخص مدني برتبة سفير، وانتهت باتفاق ١٧ أيار الذي جمّد الرئيس أمين الجميل مفعوله، فلم يوقعه، إلى أن ألغاه مجلس النواب في ما بعد.
وأما مفاوضات الحدود البحرية (ذات الصلة المباشرة بالثروة الغازية والنفطية، في عهد الرئيس العماد ميشال عون) فلم يجف بعد حبر الاتفاقية التي أنتجتها…
باختصار، ليست المفاوضات بدعة اخترعها الرئيس جوزاف عون، ولعلها الأكثر إلحاحاً وضرورة في هذه المرحلة بالغة الدقة والخطورة والتحرج من تاريخ لبنان.

khalilelkhoury@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.