شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – في مقام سيدة حريصا حيث لبنان الحقيقي
من ذروة ذلك الجبل، المشرف على أجمل خلجان العالم، خليج جونيه، استحضرتُ، أمس، مقطعاً للشاعر المبدع المرحوم يونس الابن، وهو:
«مين قال السما بعيدي؟/ بطلع عالأرز/
بمد إيدي/
بطالها بإيدي»
سبحان الخالق ما أروع لبنان، وما أكثر ما ظُلم يونس الإبن و«قطعة سما عالأرض»، التي أضحت نشيداً وطنياً ثانياً من دون أن يُذكر اسم مبدعها، يونس، الى جانب منشدها (بل مرتّلها) الكبير وديع الصافي.
إنه مقامٌ أُنشئ على اسم «سيدة لبنان»، العذراء مريم، التي يلتقي اللبنانيون، جميعهم، على تكريمها وتقديرها. وهذه حقيقة في وجدانهم، أكثر ما تبدو للعيان متجسّدةً في الجموع التي تقصد المقام وتنتشر في باحاته ومزاراته، فإذا بينهم (الى المسيحيين بالطبع) جميع ألوان الطيف اللبناني من مختلف المذاهب من أهل السنّة والشيعة والدروز… يحملون أثقالهم الى كنف السيدة العذراء، ويلقون بأدعيتهم وآمالهم وأمنياتهم بين يديها الطاهرتَين.
هنا لبنان الحقيقي، حيث لا سياسة ولا سياسيون يتاجرون بالدين على حساب أهل الدنيا. لا أحقاد ولا ضغائن، لا كذب ولا نفاق، ولا استغلال الناس الطيبين الذين عندما يلتقون بعضُهم بعضاً يكتشفون كم أنهم قريبون، وكم أن ما يجمع بينهم هو أكثر بكثير ممّا يُفرّق، وكم أن الجماعة السياسية تستغلهم من أجل مصالحها الآنية…
هنا ليست السماء وحدها قريبة، إنما أيضاً كم أن اللبنانيين هم قريبون في ما بينهم بالرغم من أدوار السياسة الخبيثة التي تستغلهم بالشعارات المزيفة، لا سيما أن تجار الدين هم الأكثر بعداً عن الكنائس والمساجد والخلوات…
هنا، في حريصا، أدركتُ كم أن السياسة والسياسيين أساءوا الى لبنان باسم الدين، وكم ان شعبنا اللبناني الطيب، بأطيافه كافّةً، يستحق طاقماً غير هذا الذي يتحكم بمصائر أبناء بلدي، ويثري على حساب فقرهم، ويُتخَم على حساب جوعهم، ويشرّش في أرض الواقع السياسي على حساب هجرتهم وتهجيرهم.
عفواً، يا سيدتنا ويا أمنا مريم العذراء. عفواً إنني أتحدث بهذا الطاقم الفاسد الموبوء، وأنا في حضرة العفة والطهارة والقداسة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.