صخرة الرّوشة ولاريجاني: “سناب باك” لمعاقبة لبنان
بقلم وليد شقير
«أساس ميديا»
لم يعد أمام إيران سوى ساحة لبنان للردّ على الـ”سناب باك” الدولي الذي يعيد فرض العقوبات الأمميّة عليها في ملفّها النووي. الاعتراض بالصواريخ والمسيّرات الحوثية محدود التأثير لبُعد اليمن الجغرافيّ. والعراق منشغل بأوضاعه الداخلية. في لبنان يلقى اعتراضها ضجيجاً إعلاميّاً وسياسيّاً أكبر، وله بعدٌ عسكريّ في ظلّ فرضيّة امتلاكها صواريخ لم يسلّمها “الحزب” بعد ولن يسلّمها في المدى المنظور.
لا وظيفة لرفض تسليم السلاح سوى تهديد الدول الغربيّة بأنّ طهران ما تزال قادرة على “إيذاء” إسرائيل. بذلك تمارس الـ”السناب باك” الخاصّ بها من جهتها، عن طريق معاقبة لبنان بتعريضه مجدّداً لخطر التصعيد الإسرائيلي التدميريّ، مع تفهّم أميركيّ، بذريعة ضرورة استئصال ما بقي من تأثير لـ”حرس الثورة” الإيرانية في قراره السياسي، كما أظهرت “موقعة” صخرة الروشة.
لا تقف الارتدادات السلبيّة لظهور الدولة في لبنان عاجزة عند حدود ما خلّفه من سجال داخليّ في شأن هيبة الدولة ومَن المسؤول عن عدم تطبيق القانون.
مواجهة الاستعصاء اللّبنانيّ بغير المألوف
إذا كان “الحزب” وظّف ذكرى اغتيال زعيمه لكسر هذه الهيبة، وتخطّى المعقول في محاولته تهشيم صورة رئيس الحكومة نوّاف سلام، وفي ترهيب الطبقة السياسية عن طريق هجومه الشارعيّ على النائب مروان حمادة الذي يُستَهدف من ورائه وليد جنبلاط… فلأنّ الاستعصاء اللبناني على التطويع يدفع العقل الإلغائي إلى اللجوء لغير المألوف حيال الخصوم.
يؤكّد أحد السياسيّين الذين رافقوا جهود تبريد الموقف من خلال تفاهم رئيس البرلمان نبيه برّي والرئيس سلام، انزعاج برّي من إحباط مخرج يقضي بتجمّع مناصري “الحزب” على الكورنيش البحريّ إحياء لذكرى اغتيال أمينَيه العامَّين، من دون إضاءة صخرة الروشة.
أظهر عدم التزام “الحزب” برّي عاجزاً أيضاً عن تنفيذ وعده، فآثر الصمت. لهذه الواقعة دلالة مهمّة، إذ إنّ التجربة منذ أكثر من عقدين أنتجت قاعدة تقول إنّه حين يكتشف رئيس البرلمان أنّ “الحزب” يخالفه الرأي بسبب تعليمات إيرانيّة غير قابلة للردّ، يؤثر الانكفاء والصمت معظم الأحيان، ويترك لحليفه أن يواجه العواقب. منذ حرب الإسناد لم يعُد برّي يدافع عن قرارات غير مقتنع بها، بسبب اضطراره إلى الحفاظ على أولويّة التحالف. يقتصر دفاعه عنه راهناً على رفض تعديل قانون الانتخاب في شأن تصويت المغتربين خشية خسارة الحليفين أصواتاً بين لبنانيّي الانتشار.
ثمّة قاعدة أخرى تكشف عن أولويّة الأوامر والتعليمات الإيرانيّة لدى قيادة “الحزب” على أيّ تفاهمات سياسيّة داخلية: عندما تقتضي مصلحة طهران أمراً ما، فإنّ من يتولّى تنفيذ تعليمات “حرس الثورة” عادة هم المسؤولون الأمنيّون في هيكليّة “الحزب” لا السياسيّون.
الأمنيّون ينفّذون رغبات طهران
لذلك تصدَّر وفيق صفا المهمّة عند صخرة الروشة ولم يظهر أيّ من نوّابه أو سياسيّيه. على العكس، فإنّ من صاغ التسوية- المخرج بعدم إضاءة صخرة الروشة بصورة حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين هو نائب “الحزب” عن بيروت أمين شرّي بالتنسيق مع المعاون السياسي لبرّي النائب علي حسن خليل. الأمنيّون هم الأقدر على التهيّؤ لأيّ صدام مع الجهة المقابلة.
لذلك اقترن تجمّع الروشة مع عراضة الدرّاجات الناريّة في وسط بيروت لعناصر “الحزب” بلباس عسكري وبتشكيلات قتاليّة، ولو من دون سلاح ظاهر. هكذا كانت غزوة 7 أيّار 2008، ثمّ ظهور القمصان السود عام 2011 عند تسمية رئيس الحكومة، والضغوط لاستبعاد سعد الحريري وغيرها من الوقائع. دفع ذلك السياسي المطّلع على أحوال “الحزب” إلى القول إنّ إحباط تفاهم برّي مع قادته دليلٌ على وجود شروخ داخل قيادته. بل قال لـ”أساس”: الله يسترنا ممّا يُهيّأ للبلد. فالخشية هي من إفلات الآلة العسكريّة الإسرائيليّة ضدّه وضدّ “الحزب”، في حال نجح اتّفاق وقف الحرب في غزّة الذي يسعى إليه دونالد ترامب.
رسائل حضور لاريجاني
لم يكذِّب الأمين العامّ للمجلس الأعلى للأمن القوميّ في إيران علي لاريجاني هذه القاعدة بعد 24 ساعة على “موقعة” الصخرة. فعلاوة على تكراره التمسّك ببقاء سلاح “الحزب” بمواجهة الضغوط الدولية لتجريد بلاده من هذه الورقة، لم يُحرَج حين خاطبه رئيس الحكومة قائلاً: “تأتون لتقولوا لنا إنّكم لا تتدخّلون في الشأن الداخليّ اللبنانيّ لكن تسبقكم التصريحات العالية النبرة والحملات”.
ليس صدفة أنّ زيارة لاريجاني تزامنت مع تعليقات ومقالات في الصحف الإيرانيّة تعكس موقف طهران حيال لبنان وتفسّر جانباً ممّا شهدته صخرة الروشة:
1- اهتمّت الصحف الناطقة باسم الإصلاحيّين بخيبة طهران من فائدة وجود الرئيس مسعود بزشكيان في نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعيّة العامّة. مقابل التوقّعات بأنّ الأخير سيلتقي المبعوث الرئاسيّ الأميركي ستيف ويتكوف، شدّدت صحيفة “ستارة صبح” الإصلاحيّة على أنّ “عرقلة الولايات المتّحدة لوجود الوفد الإيراني كانت غير مسبوقة”، واعتبرت أنّ الزيارة أظهرت عودة العقوبات وتؤكّد تصميم الولايات المتّحدة وأوروبا على إحداث تغيير في النظام السياسيّ الإيراني.
2- اعتبرت صحيفة “قدس” الأصوليّة أنّ زيارة لاريجاني لبيروت تحمل “رسائل استراتيجيّة”، منها:
– تأكيد إيران مواصلة دعمها “الحزب” في مواجهة ضغوط نزع سلاحه، خصوصاً مع اقتراب أوروبا من تفعيل آليّة الزناد (سناب باك) ضدّ إيران.
– حضور لاريجاني يوجّه رسالة إلى الرياض بضرورة إعادة النظر في سياساتها تجاه “الحزب”، خصوصاً بعد لقاء لاريجاني بوليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان.
– تحمل الزيارة إنذاراً مباشراً بأنّ المقاومة يدها على الزناد، وبأنّ أيّ عمل متهوّر ضدّ إيران قد يفتح الجبهة ويطيح بالخطوط الحمر التقليدية.
سرديّة ما قبل الهزائم
3- تعود صحيفة “وطن أمروز” الأصوليّة إلى سرديّة إيرانيّة أقرب إلى أوهام القدرة على الانتصار. وهي السرديّة التي أملت الحسابات الخاطئة التي سادت قبل خسائر الحرب الإسرائيليّة على إيران والحرب ضدّ “الحزب” وما أنتجته من مآسٍ وكوارث في لبنان. تعتبر الصحيفة أنّ السيّد حسن نصرالله شكّل امتداداً لكلّ الآمال القوميّة العربيّة التي خابت منذ عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر.
وليد شقير
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.