طهران وحقّ التّخصيب: بوليصة تأمين للنّظام؟

8

بقلم وليد شقير
«أساس ميديا»
مقابل تطلُّع كثيرين إلى ألّا يصمد النظام الإيراني جرّاء الخسائر التي تعرّض لها، ستُبقي الظروف الأمر في إطار التمنّيات، لأنّ تغيير النظام في طهران يخضع لديناميّات داخليّة مختلفة عمّا هو مألوف في دول كثيرة. يتعلّق الأمر، في بلاد فارس، بالمجتمع وقيمه. يعيد حديث المرشد عن الانتصار على أميركا وإسرائيل إنتاج الشعور القوميّ بالتضامن في وجه العدوّ، الذي ظهر في الحرب. وينسحب على “حقّ الأمّة الإيرانيّة” بامتلاك التقنيّة النوويّة.
عند انطلاق الحملة العسكرية الإسرائيلية ضدّ إيران في 13 حزيران، تدافعت التكهّنات بأنّ أحد أهدافها إسقاط النظام. نأت واشنطن بنفسها عن هذا الهدف، وحصرت الأمر بضرب البرنامج النووي بهدف إعادة إيران إلى التفاوض لتقدِّم التنازلات المطلوبة. فإدارة دونالد ترامب التي روّجت للعودة إلى التفاوض بعد الحرب، تأمل تكريس ذلك خلاله.
التّمنّيات بسقوط النّظام جرّاء الحملة العسكريّة
استندت التأويلات عن اقتراب نهاية نظام الملالي إلى التهديد الإسرائيلي باغتيال المرشد علي خامنئي. واجهه الأخير فوراً بتسريب أنباء عن 3 أسماء لخلافته، ليس بينهم نجله مجتبى المتغلغل في مركز القرار.
قبل يومين أخذ ترامب يمنّن المرشد بأنّه أنقذه من “موت شنيع”، في إشارة أخرى إلى ثنيه إسرائيل عن اغتياله، وبالتالي عن استهداف النظام.
بنيامين نتنياهو الذي توقّع تغيير النظام، اضطرّ إلى التناغم مع لهجة ترامب أثناء الحرب، واستدرك انفعال وزير دفاعه يسرائيل كاتس بالتعهّد بقتل خامنئي. حاول تلطيف الكلام عن النظام بالقول إنّ سقوطه “ليس هدفاً، لكنّه قد يصبح نتيجة”.
تراكم الخسائر مع ارتفاع النّقمة؟
ارتكزت التقديرات المتّصلة بمصير النظام إلى أنّ تداعيات خسارته القدرة العسكرية على تثبيت دوره الإقليمي ستُفقده مبرّر وجوده. يعدّد أصحاب هذه القراءة أسباباً عدّة لارتفاع منسوب النقمة عليه، التي كانت أنتجت سابقاً انتفاضات تعامل معها بالقمع والقتل والسجن. تتلخّص الأسباب بتحكّم حرس الثورة بمراكز القرار وتمدّده في الإقليم للتدخّل في دوله، ومكابرته في تحدّي الدول الكبرى، مستدرجاً العقوبات. وأفقر الشعب بإنفاقه على هذا التمدّد والبرنامج النووي. وأفشل محاولات التيّار المعتدل استعادة العلاقة بالغرب والدول الفاعلة في الإقليم. أنتج ذلك دماراً كبيراً للبلد الغنيّ بالثروات، الذي يحتاج إلى التنمية، بعد استهداف بنيته التحتية المتهالكة أصلاً.
النّظرة الإسرائيليّة: التّخصيب بوليصة التّأمين؟
تناولت دراسة إسرائيلية عن مآلات الحرب، صدرت في اليوم الخامس لاندلاعها، تأثير نتائجها المحتملة على مستقبل النظام. نشرها “معهد الأمن الوطني للدراسات”، التابع لجامعة تل أبيب والقريب من الأجهزة العسكرية الإسرائيلية. لم يذهب كاتب الدراسة راز زيميت المختصّ بالشأن الإيراني إلى حدّ الجزم أنّ النظام سيهتزّ، كما فعل المستوى السياسي في الدولة العبريّة.
في خضمّ الحرب، لاحظت الدراسة الإسرائيلية أنّه “بينما عبّر الرأي العامّ الإيرانيّ، الذي لا شكّ في عدائه للنظام، عن إحباطه من فشل السلطات في حماية المدنيين، لم يُظهر مقاومة نشطة للنظام”.
“التّضامن الوطنيّ”… والخطر على المدى الطّويل
لفتت الدراسة إلى أنّ “الشعور العامّ (في إيران) يتشكّل جزئيّاً من خلال الصور المفجعة للدمار في الأحياء السكنيّة التي استهدفتها الضربات الإسرائيلية، والتي عزّزت بشكل متناقض التماسك الداخلي والشعور المتزايد بالتضامن الوطني”.
في ما يتّصل بتأثير الانتقال إلى التفاوض بعد انتهاء الحملة العسكرية، حدّدت الدراسة تصوُّرها لسلوك القيادة الإيرانية بالقول: “بقاء النظام الذي هو أولويّتها القصوى في مواجهة التحدّيات، بات مربوطاً باستكمال برنامجها النووي الذي يُنظر إليه على أنّه بوليصة تأمين لاستمراريّة النظام”. حسب كاتب الدراسة، “اختيار القيادة الإيرانية استمرار المواجهة يعرّض النظام للخطر على المدى القصير، بينما تسليمها بالتخلّي عن تخصيب اليورانيوم داخل إيران قد يعرّض النظام للخطر على المدى الطويل”.
تبدو هذه القراءة الإسرائيلية “الأكاديميّة” حذرة في توقّع انتهاء دور النظام.
ما يعتقده خبراء في المعادلة الداخلية يلاقي هذا الحذر. يقول أحد هؤلاء لـ”أساس”: دمّرت إسرائيل مدخل سجن “إيفين” الشهير في العاصمة طهران وقتلت حرّاسه… فهل سمعتم أنّ سجيناً واحداً خرج منه؟ يضمّ كبار الشخصيّات والنشطاء المعارضين للنظام، ومن بينهم فايزة رفسنجاني، كريمة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني السجينة، وشقيقها مهديّ. ويضمّ زعيم منظّمة “مجاهدي خلق” المنفتحة على دول تعمل على تقويض النظام، مسعود رجوي، ومئات الإصلاحيّين. أحد هؤلاء أطلق من زنزانته بيان إدانة لتعاون البعض في الخارج مع العدوان الإسرائيلي. تصرّف المعارضون على أنّ إيران تتعرّض لعدوان خارجي. غلب الشعور القومي لديهم على الخصومة مع الحكّام، ويرون أنّ الحساب مع النظام يتمّ بعد زوال الخطر الخارجيّ.
التّشدّد حيال المفاوضات وبقاء النّظام
تحتاج مقاربة التغيير في إيران إلى أجوبة عن خياراتها بعد الضربات التي تلقّتها:
• إلى أيّ مدى سيغلّب الفريق الحاكم التمسّك بحقّ تخصيب اليورانيوم داخل إيران، في إطار الإصرار على استقلاليّة البرنامج النووي، وبما بقي من النفوذ الإقليمي لضمان استمرار النظام؟ يبقى التشدّد في هذا المجال عرضةً للتجاذب، وقد يعرقل التفاوض مع صدور قانون وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية. ينسحب السؤال على التنازلات المطلوبة من “الحزب”، وهو ما يفسّر تشدّد الأخير في مسألة تسليم سلاحه شمال نهر الليطاني، ومطالبته بمقابل لذلك، حفظاً لصورته وموقعه في التركيبة اللبنانية، أسوة بارتباط موقف طهران التفاوضيّ بحفظ النظام.
• هل يعود النظام إلى التغيير من الداخل الذي كان بدأه قبل الحرب؟ فخامنئي أعطى إشارات قبل أكثر من سنة إلى أنّه يتخلّى عن توريث نجله مجتبى. إحداها إقالة وزير الداخلية الأسبق المقرّب من الأخير. أعقبها تمثيل الرئيس مسعود بزشكيان الأقلّيات الطائفية والعرقية في أوّل حكومة له، على محدوديّة هذا التمثيل.
• يبقى سؤال بلا جواب عن مدى تأثير نجاح إسرائيل الاستخباريّ في اغتيال قادة الصفّ الأوّل في حرس الثورة، على تغيير سلوك النظام؟
وليد شقير

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.