علامة “للشرق” الإنتخابات البلدية لوائح عجيبة غريبة داعيا الفائزين الى عصرنة العمل البلدي
بعد بيروت والبقاع الى الجنوب درّ
كتبت ريتا شمعون
وسط إستنفار إداري وامني، يشهد شهر أيار في كل يوم أحد منه عرسا ديمقراطيا، عنوانه” الإنتخابات البلدية والإختيارية”التي تأخرت ثلاث سنوات عن موعدها الأصلي بفعل ظروف سياسية واقتصادية صعبة مرّ بها لبنان، إذ تمّ تمديد فترة عمل المجالس المحلية حتى اليوم، بعد تعثر إجرائها منذ آخر عملية إنتخابية عام 2016.
وفقا لإحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يضم لبنان 1059 بلدية تحتوي على 12 ألفا و741 عضواً. بعد الإنتخابات البلدية الأخيرة في عام 2016 ، تمّ حلّ 108 بلديات بسبب فقدان نصف أعضائها جراء الوفاة أو الاستقالة ، إذ تدار من قبل القائمقام أو المحافظ.
إن الإنتخابات البلدية التي تجري اليوم تخرج عن إطارها التنموي، كذلك عن كونها مجرد سلطات محلية كما هي حالها في الأساس، بل تاخذ مساراً سياسيا –حزبيا حيث تعمل القوى السياسية في الخفاء وفق حساباتها وأهدافها السياسية تحضيرا للإنتخابات النيابية وأحجامها للمرحلة المقبلة.
وإزاء ما نشر عن اوضاع شاذة ، رافقت الإنتخابات شمالاً وتحديدا مدينة طرابلس من عراقيل وتهريب صناديق الإقتراع وبطء في الفرز واعتراضات شعبية بالإضافة الى تراجع كبير في الإقبال تعكس فتور الشارع ورصاص فوز يوقع إصابات، ورغم ذلك، نقول مبارك للفائزين في الإنتخابات لكن، إن كنا نبحث حقا عن تهنئة حقيقية، فدعونا ننتظر ست سنوات ونرى حينها إذا ما تحققت الوعود وتحول الحلم الى واقع.
نحن اليوم امام فرصة لإعادة صياغة العلاقة بين الناس والمجلس البلدي، فلنضع إنتماءتنا لبلدتنا فوق كل انتماء وفوق كل اعتبار، دعونا نبدأ بمتابعة يومية لأداء المجالس البلدية في كل لبنان، نقيّم وندعم أو ننتقد بمهنية حيث يكون مجال للنقد.
فالترشح حق يكفله الدستور، الإنتخاب أو الإقتراع واجب تضبطه الأخلاق وتهذبه المعايير وتوجهه المبادىء لكن واقعنا مختلف تماما لذا دوامتنا لا تنتهي لا بانتخابات ولا بغير إنتخابات، لكنها أعادت الروح للديمقراطية التنافسية ” ظاهريا” في المجتمع اللبناني، وفق الباحث السياسي والاقتصادي الدكتور بلال علامة قائلاً: إن الدولة بدأت في هذا الشهر الحالي مراحل الإنتخابات البلدية والاختيارية في موعدها المقرر، هذا الإلتزام بالمواعيد شكّل نقطة إيجابية للحكومة، التي أصرّت على إنجاز الإستحقاق على الرغم من توقع عدم إجرائه أواحتمال تأجيله.
ويرى علامة، في حديث لجريدة” الشرق” أن الحكومة فاجأت القوى السياسية في الوقت الفاصل القصير عن موعد الإنتخابات البلدية التي حاولت رمي كرة التأجيل في ملعب الحكومة، لذلك منذ لحظة الحديث عن إجراء الإنتخابات، كانت أغلب القوى السياسية تميل لتأجيلها، وتبدو مربكة في سلوكها، فالتحالفات العجيبة الغريبة كلها تعبير عن عجز بنوي في التنظيم السياسي إذ لا تستطيع أن تفرض لوائحها ولا تملك القدرة على فرضها من دون الإنخراط المباشر مع العائلات والعلاقات الشخصية، بكل صراحة أن التحالفات التي ظهرت في بعض المدن والبلدات وحتى القرى في جبل لبنان والشمال لا مبرر لها إلا الفوز والمصلحة الإنتخابية حيث اجتمع الأضداد في بلدة واختلفوا في مكان آخر.
كما تبين أن التحالفات الإنتخابية أهدافها واضحة حيث تنظر القوى السياسية الى النتائج المتأتية عن هذه الإنتخابات كمؤشرات على حجم حضورها وتحقيق مكاسب سياسية لتجييرها لمصلحتها في الإنتخابات النيابية المقبلة في العام 2026 لا لمصلحة البلديات وتوسع خدماتها وامكانية تحقيق الإنماء، ولا للمخاتير وتعزيز دورهم في حياتنا اليومية كونهم المرجع الأول لكثير من معاملاتنا من افادات سكن ومعاملات جواز السفر بالإضافة الى وثائق الولادة الزواج الطلاق أو الوفاة، ذلك، في محاولة للإستيلاء على السلطة المحلية وفرض مشاريعها الحزبية، وهذا الأمر خطير، فإنه يلغي الأهداف التنموية.
من الأجدى يقول علامة، أن تنتج الإنتخابات البلدية في كل مدينة وبلدة مجلسا تمثيليا يشمل كل المكونات الإجتماعية عنوانه الكفاءة والإختصاص، ترسم معالم القرى والمدن ، ويبتعد عن المحاصصة الحزبية والحسابات الضيقة لكن ، ليس كل ما نصبو اليه يتحقق.
ويعتبرعلامة، أن سيطرة الأحزاب على المجالس البلدية هي بمثابة القضاء على دورها في التنمية الاقتصادية ، وعلى إمكانيات صنع سياسة نشطة من شأنها ان تساعد البلديات على صناعة المستقبل الإقتصادي المحلي ورفاهية مجتماعتها حيث لا إمكانية لإطلاق أي ديناميكية في بلدية مليئة بتناقضات محلية-حزبية، خصوصا أن التجربة الحزبية أثبتت عجزها عن تطوير وتحديث المشاريع التنموية وتحويلها الى واقع ملموس.
وتسلك الإنتخابات، والبلديات في لبنان تترنح من جنوبه الى شماله تحت وطأة الأزمة المعيشية والإقتصادية والإنهيار المالي، قلة منها ما زالت تقف على قدميها وتقدم خدماتها الضرورية بحدّها الأدنى جرّاء تعثرها ماديا في إشارة الى صناديق البلديات شبه فارغة، ما انعكس سلبا على المشاريع الإنمائية في البلديات داعيا المجالس البلدية المنتخبة التعاطي بجدّية لإيجاد آليات دعم مالي في المستقبل والعمل مع جمعيات ومنظمات دولية غير حكومية، حيث من المفترض خلال العهد البلدي الجديد أن تتحسن أحوال البلديات، ولكن ليس في وقت قريب ، والاعتماد على المانحين سيبقى قائماً.
المضحك المبكي في المشهد الإنتخابي، يتابع علامة، كانت الإحتفالات بالنصر للأحزاب المشاركة في البلديات ، وكأننا انتصرنا على العدو الغاشم،هذا الأمرلا يبشر بالخير ويزيد من احتمال تعطيل العديد من المشاريع الإنمائية، فالعامل الأهم، ان تبقى الأوهام الحزبية-السياسية بعيدة عن العمل البلدي، بدءا من توزيع المناصب في المجلس البلدي وصولا الى التوافق على تنفيذ المشاريع المنوي انجازها، تحديدا في البلديات الحدودية التي ستتحمّل جزء من مسؤولية إعادة الإعمار.
ويبدو أن أكثر ما يحتاجه لبنان الآن هو تفعيل المجلس البلدي وعصرنته، وأي نهج ونمط جديد من العمل البلدي يجب ان يكون عنوانه “الشفافية ” مما يعني أن المجلس البلدي قابل للمساءلة والمحاسبة في عملية تنفيذ المشاريع ، لافتا الى ان العمل البلدي أساسي للتنمية الإقتصادية المحلية، فمن شان البلدية أن تفتح الأبواب أمام مواطنيها وتحثهم على العودة الى بلداتهم والإستثمار فيها وإشراكهم بشكل فعال في المجتمع المحلي مع التشديد على مقومات الحياة اليومية باتخاذ قرارات مستقلة في التعليم والطبابة وخدمات الإنقاذ، والمكتبة وغيرها من المهام الإدارية في البلدية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.