علامة “للشرق” موازنة: متوازنة في الشكل محمّلة بالضرائب، ومجحفة بحق المجتمع اللبناني
موازنة 2026 غابت عنها أشياء
كتبت ريتا شمعون
تتابع الحكومة اللبنانية في جلستها غدا الثلاثاء دراسة مشروع موازنة العام 2026 الذي احاله وزير المال ياسين جابر الى رئاسة مجلس الوزراء لمناقشة بنوده وإقراره قبل بداية شهر تشرين الأول ليصار الى إرساله الى المجلس النيابي.
وزير المال ياسين جابر، لفت الى ان مشروع موازنة العام 2026 ركز على ان تكون متوازنة بين الإيرادات المقدرة والنفقات، ولا تسجل الخزينة أي عجز، مشيرا الى ان الموازنة المعدة تلحظ الى جانب المتوجبات الأساسية لنفقات الدولة بعض المشاريع الإنمائية والتي تخدم تحريك عملية الاستثمار وفق الاحتياجات الاساسية بالتشاور مع الوزارات المعنية.
بموازنة العام 2026 يظهر وزير المال توازن بين الإيرادات الحكومية والنفقات عند 505,72 تريليون ل.ل. ( حوالى 5,65 مليار د.أ.) لكلّ منها أي بزيادة نسبتها 13,59% عن أرقام قانون العام 2025 والذي أظهر إيرادات ونفقات حكومية عند 445,21 تريليون ل.ل.( حوالى 4,97 مليار د.أ.) لكلّ منها آنذاك.
والسؤال الأهم، هل تتناسب موازنة العام 2026 مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية القائمة في البلاد؟
ففي موازنة العام 2026،وعلى سبيل المثال، إرتفع حجم الانفاق العام بمقدار 78ألفا و24 مليار ليرة، أي حوالي 872 مليون دولار،مقارنة مع موازنة عام 2025، حيث بيّنت التقارير عن أن الرواتب والأجور تستحوذ على ما يقارب نصف هذا الإنفاق أي ما يناهز 3 مليارات دولار، بالاضافة الى ان الجزء الأكبر من الموازنة يذهب الى نفقات جارية تفتقرالى اي أثر استثماري محفز للنمو، كتغذية الصناديق الضامنة مثل تعاونية الموظفين وصناديق التعاضد المختلفة، فضلا عن مساهمات الدولة في عدد من الجمعيات التي لا تبتغي الربح، بالاضافة الى مضاعفة مخصصات المستشارين بنسبة 685%.
لكن لا يمكن الاعتماد على هذه الارقام والنصوص، ففي مجلس الوزراء ستخضع الموازنة الى عملية تشريح، وهي عملية تشمل دراسة تفصيلية لمختلف البنود والأرقام فيها قبل إقرارها بشكل نهائي، سواء بتعديل أرقام الانفاق أو الإيرادات، أو بتضمين ملاحظات واعتراضات حول جوانب معينة.
الخبير الاقتصادي والباحث السياسي الدكتور بلال علامة، وصف في حديث لجريدة ” الشرق” موازنة عام 2026 بأنها إمتداد لموازنة 2025، بغرائبها وعجائبها مضيفا:أن موازنة 2026 في الشكل متوازنة، لكن يمكن العثور على تفاصيل دقيقة مستغربة.
من النقاط التي تؤكد أننا ما زلنا بعيدين عن الإصلاح، أن الموازنة لم تتضمن أي بند يتعلق بتصحيح الأجور، لموظفي القطاع العام الذين يترقبون منذ سنوات أي خطوة جدية لتحسين رواتبهم، وقال: بالمقارنة مع موازنة عام 2025، ارتفع حجم الانفاق على بند ” الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام والتقديمات التي يحصلون عليها ” في مشروع موازنة العام 2026 بنحو 14% قائلاً: هنا اودّ ان أوضح أن الإصلاحات لا تعني زيادات أجور ، تعني أن نغير الطريقة التي يعمل بها في لبنان، ووضع خطة لإعادة النظر في تصحيح الأجور وهي جزء من إعادة هيكلة القطاع العام .
والنقطة الثانية: أن الموازنة تخلو تماما من أي بند مخصص لاعادة إعمار المناطق المدمرة نتيجة الحرب الاسرائيلية، ما منع عشرات آلاف اللبنانيين من العودة الى منازلهم، ولإعادة تأهيل البنى التحتية المدنية الحيوية والخدمات العامة في تلك المناطق، وحتى لو كانت منازلهم ما تزال موجودة، كيف سيعودون مع انعدام المياه والكهرباء والاتصالات والبنية الصحية الصحية؟
يتابع علامة، قائلاً: إن السلطة السياسية تفتش عن سبل لتمويل الزيادة في الانفاق الذي ارتفع حجمه في مشروع الموازنة العامة للعام 2026 نحو 680 مليون دولار اميركي، من جيوب العمال والموظفين وأصحاب المداخيل الصغيرة، إذ أعدت لهم رزمة ضريبية جديدة غير المباشرة كجزء كبير من الايرادات، مقابل إعفاءات ضريبية بنسبة 63% لأصحاب رؤوس الأموال المصارف وكبار الشركات والتجار، مؤكدا ان النهج واحد لم يتغير،فالوضع أصلاً غير طبيعي، قائلاً: إن موازنة 2026 قد رسمت خريطة نسب النفقات والايرادات بارقام غامضة وايرادات ضبابية محمّلة بالضرائب.
وأضاف علامة، أن موازنة العام 2026 لم تلحظ بنود إصلاحية حقيقية مضيفا: في العام 2025 كانت أقرت الحكومة الحالية الموازنة العامة ” كموازنة أمر واقع” لمنع التعطيل أو تأخير الحاجات العامة، ووعدت بأنها ستنكب على اعداد موازنة العام 2026 وهي التي ستكون الموازنة الإصلاحية التي بإمكانكم محاسبتنا عليها، وليس على موازنة العام 2025، لكن لا يلبث المسؤولون أن يتناسوا الأمر كأنه لم يكن.
وما لم يرد في نص موازنة 2026 يقول علامة ، إيرادات الأملاك البحرية، يكاد يكون أبرز الملاحظات على مشروع الموازنة في بلد متأزم كلبنان، فإن ربع مساحتها المطلة على البحر مشغولة من قبل متنفذين وسياسيين بطريقة غير قانونية تجاهلها المعنيون لسنوات، لتصبح الضريبة على الأملاك البحرية في موازنة العام 2026 ” صفر” مشيرا الى أن أصحاب المؤسسات السياحية على طول الشاطىء قد وعدوا وزير المال أن يقوموا بتسوية ملفاتهم ودفع الغرامات المتوجب عليهم عن السنة الأولى من تاريخ إشغالها المقدرة بحوالى 75 مليون دولار أميركي ، حبذا لو تضمنت هذه الموازنة هذا المبلغ، ولم تعلق تلك المؤسسات مهل المعالجة.
وحبذا لو لم تجمد وزيرة البيئة تمارا الزين، أوامر تحصيل الأموال المتوجبة على المقالع والكسارات التي تصل الى 3,7 مليارات دولار والتي حالت دون تسديد هذا المبلغ لخزينة الدولة بسبب أخطاء جوهرية في آلية التحصيل،كما قالت، لكن وفق علامة، كان ينبغي معالجة هذه الأخطاء على عجلة، لتدخل بطبيعة الحال تلك الأموال الى خزينة الدولة، ” لكانت الموازنة اليوم مختلفة “.
ولم تلحظ الموازنة التهرب الضريبي، وهذا اصلاً أقره المجلس النيابي وأخضع جميع الشركات التي استفادت من الدعم للتدقيق الجنائي، يكفي النظر الى الإعفاءات غير المبررة ، بالاضافة الى غياب الضريبة على مولدات الكهرباء، لنرى غياب الرؤية الاقتصادية آملا أن تكون غير مقصودة.
وأيضا لم تلحظ أي فكرة أو بند يتعلق بودائع الناس المحتجزة في المصارف ، ولا حتى الفجوة المالية لا سيما الخسائر التي ستتحملها الدولة جراء معالجة تلك الفجوة متخوفا أن تحمل القوانين التي يعمل عليها مغامرات مالية بغنى عنها.
ويعتبر علامة، أنه في هذه الموازنة يخاطب وزير المال المجتمع الدولي وكذلك البنك الدولي، تاركا كل المشاريع التنموية تحت وصاية المنظمات الدولية على حساب القوانين الاصلاحية التي يبدو تمّ تأجيلها الى مرحلة لاحقة أو الذهاب باتجاه تسليم الأمور الى الدول المانحة والمؤسسات الدولية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.