فحيلي “للشرق” الطبقة السياسية العائق الأساسي أمام الإصلاح وكل ما نسمعه من أفكار لمعالجة الفجوة المالية قابلة للنقاش

هل استبدال الودائع بسندات سيادية هو الحلّ؟

4

كتبت ريتا شمعون
قال وزير المال ياسين جابر، أن أموال المودعين في البنوك اللبنانية ستعالج عن طريق منحهم سندات بدل النقد.
طرح هذا التصريح تساؤلات عن ماهية هذه السندات، وهل ستكون لجميع المودعين أم لكبار المودعين فقط؟
وهل استبدال الودائع ” المحتجزة سيحلّ الأزمة؟
وما هي الآليات والضمانات التي يجب اعتمادها ليدخل حيز التنفيذ؟
الى اليوم، وللتذكير، يمارس بحق المودع أكبر عملية إقتطاع ( haircut) حيث يحتسب الدولار المصرفي بما يقارب 85% من سعر السوق، فيما يطلب من المودع تسديد الضرائب والرسوم على اساس سعر السوق.المودع هنا ضحية لانعدام العدالة الاجتماعية، وضحية لتذويب وديعته، وبدل تصحيح هذا الظلم قبل إقرار قانون الفجوة المالية، المودع هو اليوم ضحية ” السندات”.
ومن المؤكد، أن الوديعة بحدّ ذاتها هي دين ثابت ومضمون بعقد مصرفي، أقوى بكثير من اي سند يطرح في السوق، حيث يمكن لأسعار السندات أن تكون عرضة للتقلبات، أو قد يتم التداول بها بأسعار قائمة على الظروف الاقتصادية.
وبالرغم من الاجتماعات المكثفة التي أجراها وفد صندوق النقد الدولي في لبنان برئاسة أرنستو راميريز ريغو مع المعنيين لم بتم الوصول بعد الى مرحلة يكون هناك إتفاق نهائي على البرنامج، حيث تمّ التركيز على موضوع القوانين التي يجب ان تمرّ في مجلس النواب من بينها قانون إصلاح القطاع المصرفي الذي جرى إقراره ولكن هناك رفض لبعض النقاط فيه، وأيضا هناك قانون الفجوة المالية الذي لا يزال ينتظر إقراره من مجلس الوزراء .
في ظل هذا المشهد، تبدو الحاجة ملحة الى مقاربة موضوع السندات، خصوصا أن التقارير الاعلامية تشير الى ان مصرف لبنان قد يكون الجهة التي ستصدر هذه السندات، وسيكون الضامن لهذه السندات، وهذا الأمر إيجابي لكنه قد لا يكون كافيا.
وما دامت الدولة حازمة في موضوع حقوق المودعين، على هذا الأساس نسأل الباحث الاقتصادي والخبير في المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي عن قصة السندات السيادية ليؤكد في حديث لجريدة” الشرق” أن السلطة التنفيذية في لبنان لديها الرغبة بتحقيق إنجازات اقتصادية ومالية حيث تمّ تعيين رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، وإقرار مشروع القانون المتعلق بإصلاح وضع المصارف، مع السعي لاستكمال كامل الملفات المالية حيث يدور النقاش حاليا حول مشروع قانون معالجة ” الفجوة المالية” لإنجازه في مجلس الوزراء وإحالته الى مجلس النواب لإقراره.
لكن للأسف، يقول فحيلي، إن إجراءات السلطة التنفيذية في لبنان محكومة بمزاجية السلطة التشريعية التي تقوم بالأساس على المحاصصة الطائفية والسياسية ، مشيرا الى ان هذه الطبقة السياسية التي تتحكم بهذا البلد ترفض التغيير مضيفا: وكي تنجح أي حكومة يرى أنه لا بدّ ان تتحرّر السلطة التنفيذية من هيمنة السلطة التشريعية وتمنح صلاحيات استثنائية للحكومة في بعض الحقول المالية والاقتصادية.
وفي ضوء النقاشات الحامية ولطمأنة المودعين يكثر الحديث عن ضمانة مصرف لبنان لسندات الودائع إذا اقترنت بضمانة موجوداته بما فيها الذهب، يستبعد فحيلي، هذا الأمر مشيرا الى أن هناك قانون صدر عام 1986 يمنع ” بيع ذهب مصرف لبنان” ويفرض قيودا على التصرف بالموجودات الذهبية لدى المصرف المركزي منعاً مطلقاً، ذلك لحماية الذهب من أي عمليات بيع او نقل ملكية إلا بمرسوم إستثنائي، ماذا يعني هذا الكلام؟ باختصار، ينبغي أن يبادر مجلس النواب الى تعديل هذا القانون.
وقال فحيلي، كل ما سمعناه حتى الآن حول قانون الفجوة المالية لا سيما المتعلقة بالسندات السيادية التي دافع عنها وزير المال، تستحق فتح نقاش حول أبعادها، وربما تكون افكار قابلة للتطبيق عندما قال جابر إن أموال المودعين ستعالج عن طريق منحهم سندات سيادية، والتي يمكن لحاملها تداولها في السوق وفق رغبته ، وهو أحد الحلول المطروحة، ولمجلس الوزراء ومجلس النواب حق إصدار تلك السندات السيادية وتفويض الإستثمار بها بمشروع قانون يعده مجلس النواب ويحدد القيمة السوقية للسندات، والضمانات التي ستقدمها الدولة للمودعين.
ويوضح فحيلي، إذا كانت الجهة التي ستصدر السندات هي الدولة، فهذا يعني أن المسؤولية ستنتقل بالنسبة لهذا الجزء من الودائع من المصارف الى الدولة، مذكراً بأن الدولة اللبنانية هي التي اتخذت في العام 2020 القرار بوقف دفع مستحقات خدمة الدين العام ( اليوروبوندز) مشيرا الى أن هذه الالتزامات هي جزء من الدين العام.
وأضاف: بالرغم من ان السندات نفسها هي أوراق مالية قابلة للتداول، لكنها لا تلزم الدولة بأي التزامات مالية مباشرة ، أو دفع أموال، فعندما تصدر الحكومة السندات السيادية فإنها في الواقع تحصل على اموال من المستثمرين ( المشترين للسندات) من القطاع الخاص، لتوفير إيراداتها في المقام الأول لتمويل احتياجات الإنفاق الحكومي.
وتابع فحيلي، يمكن البحث عن بدائل لمنح المودعين يعض الأمل، حيث يمكن الإستغناء عن السندات عندما تقرر الدولة استخدام ايراداتها بدفع أموال المودعين من خلال جدولة زمنية محددة لردّ كل الأموال للمودعين، ويجب أن يترافق ذلك مع عودة الانتظام للقطاع المصرفي، أو إعادة هيكلة القطاع المصرفي مضيفا: ليس خطأ أن نذهب باتجاه ” Bail-in” أو التحول الى أسهم، عن طريق تحويل جزء من أموال كبار المودعين الى أسهم أو مستثمرين في المؤسسة المصرفية، ليصبحوا بذلك شركاء فيه مما يجنب الدولة والمصارف عبء الإنقاذ المباشر.
وأكد ان المرحلة الحالية تستوجب التفكير بحقوق المودع ، مشددا على انه يكفي المودعين ما يعانونه من أزمة مستفحلة منذ سنوات، ومن إقتطاع جزء من ودائعهم قسرا ودون موافقتهم أو سؤالهم، أو التفكير بالعامل الذي خسر وظيفته وبالمؤسسة التي أقفلت، والعمل على تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية لتعزيز جودة حياة المواطنين اللبنانيين وتحقيق العدالة والمساواة من خلال توفير التعليم الرسمي الذي يعاني من أزمات حادة، دعم الفاتورة الاستشفائبة التي أصبحت تغطيتها شبه مستحيلة، وخلق فرص عمل وتمكين كافة فئات المجتمع اللبناني للمشاركة في بناء المستقبل خصوصا في أطراف لبنان، بدل التركيز على مفهوم النمو الاقتصادي، ويقصد بالنمو الاقتصادي على أنه الزيادة في كمية السلع والخدمات التي تنتجها منطقة ما أو اقتصاد معين خلال فترة زمنية معينة .
وفي الحديث عن وجهة نظر صندوق النقد الدولي في ما يتعلق بزيارته الى لبنان، يرى فحيلي، أنه جلّ ما يهمّ الصندوق متابعة مسار البنود الإصلاحية المطلوبة من الدولة اللبنانية، وإذا لبنان لا يريد أن يلتزم بالشروط التي وقعت عليها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2022 لن يمانع الصندوق من متابعة تقديم الدعم التقني سواء لجهة إعادة هيكلة القطاع المصرفي وقانون الفجوة المالية لكن ، الوصول الى برنامج إنقاذ شامل من صندوق النقد الدولي يحتاج الى إصلاحات ضرورية .
ويقول فحيلي، لا يكفي ما فعلته الحكومة وإذا كان يسجّل إيجابا عند صندوق النقد بالنسبة الى ما يتعلق بتعديلات قانون السرّية المصرفية، لكن الأهم من ذلك، بالنسبة للصندوق هو ان يقوم مصرف لبنان أو الدولة اللبنانية بإنجاز التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وحسابات الدولة لدى مصرف لبنان وحسابات المصارف، وهو أمر لا يتحقق، ويرى انه لم يعد خافيا على أحد أن الطبقة السياسية لا تريد إجراء محاسبة حقيقية وهيمنتها هو العائق الأساسي أمام الإصلاح كاستجابة للإجراءات التي يطلبها صندوق النقد، وهي الطبقة الممنعة في نهج التهرب من تحمل المسؤولية.

 

 

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.