كامل “للشرق” أمامنا أربعة أشهر هذا الصيف تشي بقرب وقوع كارثة مائية خطيرة
المطلوب تحرك عاجل لتطبيق الاستراتيجية الوطنية للمياه قبل فوات الآوان
كتبت ريتا شمعون
بعد الخسارة التي مرّ بها لبنان بموسمه المطري السابق وقد تراوحت بين 30 و40% بدأت صرخة المواطنين والمزارعين تعلو من حيث إنخفاض مستوى المياه الجوفية في الأرض في عدد كبير من المناطق اللبنانية وانقطاع المياه عن القرى والبلدات اللبنانية وبعض المدن الساحلية، هذا وما زلنا في بداية الصيف، والموسم المطري المقبل سيبدأ في تشرين الثاني المقبل أي بعد حوالى الأربعة أشهر، فحتما سنشهد أزمة مياه قاسية بين شهر آب وتشرين الأول.
الأزمة ستأتي، ولربما تتحول نقليات المياه الى سوق سوداء يصعب على المواطن تحملها، حيث يضطر أن يشتري وفق بورصة ” مافيات الصهاريج” وتترواح هذه الأسعار بين 25 و30 دولار أميركي لكل 2000 لتر لتصل الى 37 دولارحسب المناطق.
إنه عام الجفاف بامتياز، فإن نسبة متساقطات الأمطار المسجّلة هذا العام، لم تساعد في نمو كميات كبيرة من الأعشاب التي تحولت بسرعة الى ما يشبه مادة ” فيول” قابلة للإشتعال السريع،هذا الوضع يدفع الى القلق.
يشرح رئيس حزب البيئة العالمي الدكتور دوميط كامل في حديث لجريدة” الشرق” أزمة المياه التي تهدد لبنان قائلاَ: لبنان يمرّ حاليا بأزمة مائية خطيرة حيث لم تتجاوز نسبة المتساقطات 20 الى30% من المعدلات العامة للأمطار، ما أدّى الى تجفيف عدد كبير من الينابيع السطحية في مناطق كثيرة، والى عدم تفجر الينابيع من باطن الأرض، والى انخفاض كبير في منسوب المياه في بحيرة القرعون، أكبر بحيرة في لبنان، بالتالي أصبحنا في مرحلة خطيرة جداً.
وبحسب كامل، أن معظم الأنهار اللبنانية تشهد تراجعا حادا من بينها نهر ابراهيم في جبيل الذي كان يغذّي محطات الطاقة الكهرومائية بأكثر من 500 مليون متر مكعب سنويا، لكنه جفّ هذا العام بشكل شبه تام.
ويتابع، أنهارنا باتت بمعظمها مياه صرف صحي وصناعي، فيشير كامل، الى أن نهر بيروت، على سبيل المثال، الملاصق لوزارة الطاقة هو نهر مجارير مكشوف و”مشرعن ” من قبل الدولة منذ التسعينات حتى اليوم من دون أن تتم معالجة هذه الأزمة ، ويعدّ من أكثر الأنهر تلوثا في لبنان، أما نهر الليطاني الذي يسير على مسافة 170 كلم من المنبع الى البحيرة هو نهر صرف صحي، يروي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي تنتج كميات هائلة من المزروعات المعدّة للإستهلاك المحلي حيث تزخر موائدنا وموائد المسؤولين بالعديد من الأطباق الغنية بالخضروات.
ومن أخطر التحديات، المياه الجوفية في لبنان، يقدر كامل، عدد الآبار الجوفية في لبنان بنحو 130 ألف بئراً، تستخدم للري والإستهلاك المنزلي، هي مهددة اليوم بشدة بسبب عوامل الشحّ والتلوث الذي يهدد نوعية المياه المتبقية ، لافتا الى أن حفر الآبار بطريقة عشوائية يقلل من وجود المياه الجوفية فترتفع نسب التلوث.
وأضاف، اليوم أغلب الخضر في السوق تسقى بمياه الأنهارالملوثة وهذا ليس جديدا، حيث يجب أن تكون المياه خالية من الجراثيم والطفيليات الضارة، والتأكد من خلوها من مادة DHM التي تسبب أمراضا محددة، معلنا أن هناك إهمال كبير في فحوصات المياه في لبنان بما في ذلك عدم كفاية فحوصات جودة المياه والتسربات في شبكات المياه.
وحذّر كامل، من تداعيات الجفاف حيث يتسبب في زيادة خطر حرائق الغابات، ويؤدي الى تدهور صحة الأشجار ويؤثر سلبا على تجدبد الغابات، مضيفا: أن الغابات وخاصة في المناطق التي تعاني من فترات جفاف طويلة، ستتأثر سلبا إذا استمرّ الجفاف لأكثر من 200 يوم، وقد تكون هذه الفترة كافية لإحداث ضرر كبير للغابات، فالغابات والأشجار والنباتات تحتاج الى الماء للبقاء على قيد الحياة .
ويقول كامل، أنه لا مفرّ من المصارحة بأننا في بلد المياه هناك حوالى 70% من آبار البقاع جفّت باكرا هذا العام ، ومن هنا ستزداد الخسائر لدى المزارع، حيث يعتمد المزارعون في البقاع على المياه الجوفية لري محاصيلهم، فإن قلة الأمطار تسببت في انخفاض منسوب المياه الجوفية مما ادّى الى جفاف بعض الآبار وتضرر المحاصيل التي تعتبر مصدر رزق للنسبة الأكبر من أهالي البقاع، ولا أحد يعوض عليهم.
ومن المؤكد، أمامنا أربعة أشهر قاسية هذا الصيف تشي بكوارث تلحق بالقطاع الزراعي أولاً وبالمواطن اللبناني ثانيا، فالحرارة المرتفعة لا تجفف الأرض فحسب، بل تزيد أيضا من حاجة المزروعات الى الماء، والمشكلة الأساسية أن المياه غير متوفرة.
مع بداية تموز، بدأت ملامح الجفاف تفرض نفسها في مختلف المناطق اللبنانية، ما دفع العديد من العائلات الى الاعتماد بشكل أكبر على صهاريج المياه الخاصة لتأمين حاجاتها اليومية، متخوفا من أن تحمل صهاريج المياه التي يعج بها الشارع العام في لبنان في خزانانها مياه ملوثة، سيما وأنها من مصادر مجهولة أو من نبعة مياه غير مخصصة للشرب فضلا عن الأسعار في بعض الأحيان، باتت تفوق قدرة العائلات على تحملها ليصل صهريج المياه الواحد الذي تبلغ سعته 3000 لتر مياه الى 50 دولاراً أميركيا.
وأكد كامل، أن لبنان دخل فعليا في مرحلة خطيرة جدا من أزمة المياه، مشيرا الى ان الأزمة الحالية لم تات فجأة، بل سبق أن نبهنا اليها مراراً، وقد اعددنا خططا متكاملة لمواجهة شحّ المياه ، لكن ” لا احد استجاب” وللأسف لبنان لا يمتلك حتى اللحظة خطة شاملة لإدارة الجفاف أو استراتيجيات للتكيف مع تغيرات المناخ.
ويرى كامل، أن بناء السدود ضروري لتأمين إمدادات المياه، برغم ما شابها من عيوب علمية، كسدّ المسيلحة وتنورين وسدّ جنّة، فهي تضمن تأمين مصادر مائية دائمة ومستقرة، بدلا من الاستمرار في المعاناة السنوية مع شحّ المياه، وسدّ شبروح مثال على ذلك، سدّ يغذي منطقة كسروان بالمياه، ويعتبر أعلى سدود لبنان ، ويساهم في توفير مياه الشرب والري للمنطقة .
ولدى كامل، قناعة بجدوى البحيرات الجبلية شبه طبيعية التي أقيمت في مناطق جرداء، وتستخدم لتعويض الفاقد من مياه الشرب، وقد ساهمت في زيادة الرقعة الزراعية، ورفع مردود الاستفادة من مياه الأمطار التي كانت تضيع هدراً وهي لا تتطلب استهلاك أي طاقة كبحيرات دير الأحمر والعاقورة، آملاً أن تتوسع في لبنان لاستخدامها عند الحاجة خارج فصل الأمطار في الري او الشرب.
ويدعو كامل، المعنيين في لبنان الى حماية الينابيع في المناطق الجبلية من التلوث، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على هذا المورد الحيوي،من خلال معالجة مياه الصرف الصحي، والحدّ من استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية في الزراعة وتوعية السكان بأهمية الحفاظ على نظافة مصادر المياه، ضمن استراتيجية مائية علمية ومتطورة وخطة طوارىء مائية للبلد، لافتا الى ان مخزون الينابيع في لبنان يشكل حوالى 25% من مياه الشرب المتوفرة، وتعد مصدراً رئيسيا للمياه العذبة في لبنان.
وختم قائلاً: المطلوب تحرك عاجل لتطبيق الاستراتيجية الوطنية للمياه قبل فوات الآوان.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.